hit counter script
شريط الأحداث

أخبار محليّة

باسيل: داعش يطمح لإعادة رسم خارطة المنطقة

الثلاثاء ١٥ آذار ٢٠١٥ - 18:12

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

رأى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل أن "مسيحيي الشرق الأوسط هم بالفعل الضمانة الفضلى، كي لا نقول الوحيدة، التي ستحول دون تحول المنطقة إلى معين للارهاب العالمي. وحده حضورهم الفاعل، لا الرمزي، يحفظ الشرق الأوسط من حركات إعادة الخلط الطائفي الواسعة التي تقوم داعش وإسرائيل بإدارتها". وقال: "ان المسيحيين متجذرون في منطقتهم من العالم، من هنا اتينا وهنا سنبقى، نحن نعرف كيف نتعاطى مع اشقائنا المسلمين. عشنا جنبا الى جنب على امتداد قرون، وقد طورنا سويا نمط عيش مشتركا بين مجتمعينا".

كلام باسيل جاء خلال مؤتمر مجلس حقوق الانسان، وهي المرة الاولى التي يحضر فيها وزير خارجية لبناني هذا المؤتمر.

حضر المؤتمر عدد من وزراء الخارجية وممثلي الدول وممثلو كنائس مشرقية، وشارك فيه رئيسة البعثة اللبنانية لدى منظمات الامم المتحدة في جنيف السفيرة نجلا رياشي عساكر.

وألقى باسيل كلمة قال فيها: "لبنان هو المثال التاريخي للتنوع، هو في الشرق الأوسط المكان الوحيد حيث تتفاعل المكونات الاجتماعية المتنوعة، بمعزل عن اختلاف عقائدها ودياناتها ولغاتها، بإيجابية، وتنخرط نظريا في تقاسم سلطة متوازن يعزز قيمة التنوع. في هذه المرحلة، يبدو الشرق الأوسط عامة، ولبنان بشكل خاص، عالقين على تقاطع طرق التطرف العنفي الذي ما فتىء يحاول زعزعة استقرار المنطقة على امتداد دهور. داعش وأذنابه هم مجرد نسخة أخرى من موجات الظلم التي استهدفت الأقليات، وخصوصا المسيحيين، في المنطقة. ألم نر الإمبراطوريات المتسلطة تقوم بتهجير مجموعات سكانية، وإبادة مجتمعات كاملة بوحشية؟ العام 2015 يشهد الذكرى المئوية للابادة الجماعية الأرمنية، والتهجير الواسع لملايين الأشخاص على قاعدة معتقدهم الديني فحسب. تلك الفترة شهدت أيضا حملة التجويع الممنهجة التي قادتها السلطنة العثمانية على جبل لبنان، والتي تسببت بموت ثلث سكانه -من بينهم ألفا شخص من قريتي نفسها- وهروب ثلث آخر منهم إلى أنحاء متفرقة من العالم، ولا سيما أميركا اللاتينية. ويصدف أنني ما زلت قادما من تلك المنطقة من العالم، حيث قمت بزيارة عشر مدن من تلك التي استقر فيها مهاجرونا في تلك المرحلة".

أضاف: "أقول هذا لأذكر بأن حالة داعش ليست ظاهرة جديدة على منطقتنا. وأن لبنان لطالما مثل ملاذ حرية لكل المظلومين. هذا يختزل معنى بلادنا، وروح أمتنا، وهذه مادة وجودنا منذ انبثاق لبنان المعاصر كدولة أمة من أنقاض النهاية المأسوية والدموية للامبراطورية العثمانية. منذ ذلك الوقت، لعب مسيحيو لبنان دور الفصل والربط بين مختلف المذاهب الإسلامية في المنطقة، وبين الشواطىء الشمالية والجنوبية للمتوسط".

وتابع: "يتقدم لبنان اليوم جبهة الحرب على المنظمات الإرهابية، التي ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ونشعر اليوم بأن بقية العالم قد تخلت عنا، في ما تكتفي بالشعارات المطالبة بحماية المسيحيين والدفاع عنهم. لا نستطيع أن نصدق أن تحالفا من 60 دولة إنما هو عاجز عن حصول الوقائع الآتية:
1- في العراق، تقلص عدد المسيحيين من أكثر من مليون نسمة قبل عشرين سنة، إلى 400 ألف في بداية العام 2014، ومن ثم تناقص العدد بحدة إلى 200 ألف حاليا. وفي فلسطين، تراجعت نسبة المسيحيين في الناصرة وبيت لحم في العقد الأخير من 85 و 90% على التوالي، إلى 12 و4% فقط على التوالي.

2- العنف الذي يستهدف دور العبادة ازداد بشكل مثير للقلق، حيث جرى استهداف أكثر من 500 معبد ودار عبادة مسيحي، وأكثر من 200 منها تم تدميره كليا.

3- الشهادات الحية تتحدث عن حالات اغتصاب جماعي موثقة، والعنف ضد النساء بات يشكل سلاحا للترويع وأداة للعقاب الجماعي.

4- الإتجار بالنساء والأطفال أصبح سمة من سمات المنطقة الواقعة تحت سلطة داعش، وثمة شهادات حية تتحدث عن توزيع لوائح أسعار للبشر الذين يباعون في سوق العبيد.

5- الترحيل الجماعي المنظم والمنهجي للمسيحيين والأيزيديين، في المناطق الواقعة تحت نير الإرهابيين، جرى دمغ بيوت العديد من أبناء المجتمعات المسيحية بحرف النون "ن"، اختصارا لتمييزهم كـ"نصارى". في تموز 2014، جرى تخيير 200 ألف مسيحي كلداني عراقي، في الموصل ونواحيها، بين ترك دينهم واعتناق الإسلام، أو البقاء على دينهم ودفع الجزية، أو مغادرة المنطقة. قتل منهم بضع مئات، وتم تشريد من تبقى غصبا وبشكل منهجي. لم يتعامل المجتمع الدولي مع هذه الوقائع بوصفها غير مقبولة وغير قابلة للاحتمال، ولم تتحرك ماكينة العدالة الدولية، الأمر الذي شجع الإرهابيين على المضي قدما.

6- الأسبوع المنصرم فقط، تم ذبح 21 مصريا مسيحيا في ليبيا، واعتقال أكثر من 200 مسيحي في شمال شرق سوريا، ومهاجمة 20 قرية آشورية، وهدم إحدى أقدم الكنائس السورية في تل هرمز.

7- هذا ويبقى اختطاف مطرانين أرثوذكسيين منذ قرابة سنتين يقابل بصمت، دون أن ترتسم في الأجواء أي مؤشرات لإجراءات جدية متخذة من قبل الدول ذات الصلة للرد على هذه الجريمة".

ورأى باسيل أن "داعش أكبر بكثير من مجرد تهديد، إن هذا التنظيم الإرهابي يطمح في المدى البعيد إلى إعادة رسم الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، وإعادة صوغ هويتها، بينما يواصل تقدمه باتجاه أوروبا وسائر العالم، بالتلطي وراء قناع "الدولة" التي أعلنها في مناطق احتلاله، يسعى داعش بهدوء وتدريجية لتغيير خارطة المنطقة، من خلال فرض المقاربة الآتية:
- تدمير المؤسسات الوطنية القائمة للدول، وإضعاف سلطات الدول من خلال استهداف النقص في شرعيتها.

- إستنزاف الجيوش النظامية من خلال تعريضها لمواجهات مباشرة مع وحدات إرهابية متحركة.

- التطهير العرقي والتهجير الجماعي القائمين على رغبة في خلق دولة طائفية من لون واحد، تمثل النموذج الأوحد والحصري للدولة الجديدة في الشرق الأوسط، إلى جوار الدولة اليهودية الموعودة في إسرائيل.

وقال: "هذه المقاربة المنهجية هي تعبير عن استراتيجية سياسية دقيقة تبتغي التوسع والسيطرة، والتي تحمل أكثر تهديدات داعش خطورة على الأمن والسلم الدوليين. التهجير الجماعي والانتقال القسري للسكان، والدفع الممنهج باتجاه خلق موجات نزوح ليست كلها مجرد نتائج بسيطة لمعادلة قائمة على العصبية والتطرف. فالأصولية، والتكفيرية، والسلفية وسواها من الإيديولوجيات الظلامية، هي مجرد أدوات يجري توظيفها لخدمة الاستراتيجية السياسية الهادفة إلى إعادة تصميم الشرق الأوسط على شكل كيانات متصادمة، على قاعدة الاختلاف الطائفي والمذهبي".

وسأل: "ما العمل الآن؟ ان إنخراط قوات عسكرية في المعركة ضد داعش هو أمر أساسي بالتأكيد، لكن، في الوقت نفسه، العمل العسكري ليس كافيا بمفرده.

- وضع حد للافلات من العقاب للمرتكبين ومن يرعونهم وجلبهم إلى العدالة هو أمر ضروري لا بد منه ومصداقية العدالة الجنائية الدولية باتت على المحك. إذا فشلت في الفعل، سيكون من الصعب عليها أن تتعافى مستقبلا من هكذا كبوة".

- المحافظة على المؤسسات الحالية، بالرغم من مكامن القصور فيها فهي تظل معالم ثابتة وهي أفضل من الفوضى التي ستأتي لتملأ أي فراغ سيسببه انهيارها".

- بغية تفادي رؤية الشرق الأوسط ينزلق برمته باتجاه الهاوية، ويخسر روح معناه وطبيعته الحقيقيين، يجب أن تنصب الجهود على المحافظة على التنوع الذي تمتاز به المنطقة. التعايش بين المكونات الاجتماعية والإثنية واللغوية والدينية المختلفة هو مصدر ثراء للمنطقة".

واشار الى ان "الحرب على الإرهاب تتطلب هجوما مضادا شاملا، يأخذ بعين الاعتبار التحديات العسكرية والثقافية والديمغرافية المختلفة. من الخطأ أن نحصر مقاربتنا لمسألة دعم الأقليات في الشرق الأوسط، ولا سيما المسيحيين، بالمنحى الإنساني للمشكلة. فبالرغم من كون التعاطف فعلا ضروريا ويستحق التنويه، لكنه بالتأكيد ليس الطريقة الأشد ملاءمة للتعامل مع الأخطار المحدقة بنا جميعا. مسيحيو الشرق الأوسط هم بالفعل الضمانة الفضلى، كي لا نقول الوحيدة، التي ستحول دون تحول المنطقة إلى معينٍ للارهاب العالمي. وحده حضورهم الفاعل، لا الرمزي، سوف يحفظ الشرق الأوسط من حركات إعادة الخلط الطائفي الواسعة، التي يقوم داعش وإسرائيل بإدارتها. إن إجبار المسيحيين على مغادرة الشرق الأوسط قسرا سيهدد المسيحية في صميمها. وإذا نجحت خطط داعش، فإن التوازن الجيو- سياسي في المنطقة سوف ينهار. التوازن الهش السائد حاليا مرشح لفتح الباب أمام سيناريوهات الفوضى التي سوف تتهدد مصالح روسيا في المنطقة دون شك. لروسيا المصلحة والواجب الأخلاقي لضمان التوازن والتنوع. في الحقيقة، روسيا لعبت، على امتداد تاريخها، دورا في حماية حقوق الوجود في المنطقة". 

وختم: "المسيحيون متجذرون في منطقتهم من العالم. من هنا اتينا وهنا سنبقى. نحن نعرف كيف نتعاطى مع اشقائنا المسلمين. عشنا جنبا الى جنب على امتداد قرون، وقد طورنا سويا نمط عيش مشترك بين مجتمعينا. إن مجتمعات الشرق الأوسط في حاجة للمسيحيين في المنطقة من أجل ضمان التلاقح الثقافي الذي لطالما أسمهوا فيه، مولدين تفاعلا إيجابيا متبادلا بين المجموعات الاجتماعية والدينية المختلفة فيها".

بعد ذلك اجتمع الوزير باسيل بوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف وتحدث معه في شؤون المنطقة والأزمة السورية وانعكاساتها على دول المنطقة وخصوصا لبنان، وتناولا العلاقات الثنائية بين البلدين وتسليح الجيش والتشجيع على الحوار الداخلي وموضوع الإرهاب".

وكان لافروف ألقى كلمة في المؤتمر أسف فيها لأن يكون "التغيير في بعض الدول العربية منذ بداية ما عرف بالربيع العربي يأتي عبر المتطرفين الذي يزداد دورهم في الشرق الأوسط، اذ ان هناك مجموعات تدعي انشاء خلافة إسلامية او ما يسمى الدولة الاسلامية التي لا علاقة لها بالإسلام". وأشار الى ان "المأساة في سوريا كانت ضربة الى التعايش".

وتوقف عند "الهجرة الكبيرة للمسيحيين خصوصا في الموصل وجوارها بعدما عانى هؤلاء مع الأقليات كثيرا ورأوا جرائم قطع الرؤوس وسبي النساء".

والتقى الوزير باسيل أيضا المفوض السامي لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتاريس وتناول الحديث دعم لبنان ومساندته لمواجهة التحديات الناجمة عن تدفق النازحين. كذلك التقى عمدة جنيف اللبناني الأصل سامي كنعان الى الفطور، ثم اجتمع بالموفد الدولي الى سوريا ستيفان دو ميستورا تطرق معه الى مساعيه لوقف النار في سوريا والتسوية السلمية".

واجتمع بالأمين العام للمجلس العالمي للكنائس القس أولاف فيكسه تفايت، ثم المفوض السامي لحقوق الانسان الامير زيد بن رعد الحسين، وهو اول عربي يتبوأ منصب مفوض سام لحقوق الانسان.

وحضر باسيل لقاء مع أفراد من الجالية اللبنانية في سويسرا بدعوة من السفيرة عساكر ومن سفارة لبنان في برن والقائم بأعمالها بالوكالة منصور شيا وكان بين الحاضرين موظفون لبنانيون في المنظمات الدولية في جنيف. وتحدث اليهم معتبرا ان "ثروة لبنان هي اللبنانيون المنتشرون في الخارج الذين اندمجوا في مجتمعات تلك البلدان وقدموا صورة جميلة وإيجابية عن لبنان".

وقال: "انها المرة الاولى يحضر وزير خارجية لبنان للمشاركة في الدورة العادية الرفيعة المستوى لمجلس حقوق الانسان". ولاحظ ان "للبنان القدرة على تقديم الأفكار المبدعة في شرعة حقوق الانسان"، مشيرا الى ان "مكان لبنان يكمن في التواصل مع كل دول العالم وليس الانزواء ومن هنا يأتي دور الديبلوماسية الفاعلة"، مشددا على "عدم تحبيذه سياسة النأي بالنفس لانه يجب ان لا نكون حياديين في قضايا محقة"، ودعا الى سياسة خارجية إيجابية تبادر وتفكر وتفعل"، وقال: "يجمعنا بسويسرا التنوع والقدرة على الحياد والمشاركة في السلطة".

أضاف: "ينبغي التشجيع على الحوار بين الشعوب والانفتاح بين الدول وليس التقوقع حتى لا نصبح نموذجا مماثلا لإسرائيل وداعش، وكي لا نذهب الى عالم متناحر طائفيا، وهذا عكس النموذج اللبناني الذي يقوم على قدرة القبول بالآخر".

وأوضح ان الجيش اللبناني هو "الجيش الوحيد في المنطقة المتنوع طائفيا ويحارب داعش وينتصر عليها، محافظين على وحدتنا من ضمن تنوعها وصراعاتها".  

  • شارك الخبر