hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - العميد البروفسور جان داود

الحراك - الأنتفاضة فرصة واعدة للجميع

الخميس ٢٤ تشرين الأول ٢٠١٩ - 06:23

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أولاً: ملاحظات لِمقدّمة

هل أنّ الحراك-الانتفاضة مُقتصر على المتحرّكين في الشارع وحدهم؟ بالطبع لا. فهناك ضُعف هؤلاء على الأقل من المؤيدين للمطالب والحراك يراقبون من منازلهم ما يحدث.
الحراك الانتفاضة قائم بمختلفين مستقلّين وغير حزبيين وبشباب أنقياء بالتأكيد. فالتراكم الحاصل سياسياً واقتصادياً واجتماعيّاً والتسويف في إيجاد الحلول والوعي المتزايد والمعاناة والحاجة من جهة والفساد المستشري من جهة مقابلة، عوامل أصابت الشريحة الأكبر في المجتمع وأوجعت وأنتجت ضرورة الحراك. الطائفيّة السياسية نفسها أنتجت كردّ فعل رافض لها حالَ مجتمع مدني غير طائفيّ بين أهل الحراك. وأراهن على أنّ أغلب الشباب المنتفض غير طائفي وليس فقط موحّد بموقفه ضد الفساد. أليست الطائفية بدورها فساداً؟
الحراك-الانتفاضة شعبيّ وعفوي بالنسبة لأغلبية مَن يتحرّك من دون شك، وهو حراك مُنتظَر ومشروع ومُبرّر بأحقّية المطالب، وإنْ همَس بعض أهل الشكّ أنّه مرصود سلفاً مِمّن قرأ جيداً الأزمة واستثمرها، أو سيُجيد استثمارها أو مهّد لها بتشجيع الفساد لاستثماره. أيّ شكّ لن ينفي عن هذا الحراك-الانتفاضة صدقيّته وصفاء دوافعه وقدسيّة كامنة، وحقّاً بإصغاءٍ حتى انصياع وتقديم الحلول بأسرع ما يمكن، والمندسّون أو الباحثون عن دور أو المستثمرون المحتملون لنقاء الشباب سيُخرَجون.
قد انضمّ وينضمّ إلى الحراك-الانتفاضة منتمون إلى تيارات حزبية. ولعلّ هناك مَن يرغب في استثمار الانتفاضة ولكن الحراك الانتفاضة أكبر من كلّ النوايا الاستثمارية. وقد نشهد انضمام تمرّد المزيد من حزبيين على الفساد وانضمامهم إلى الحراك. فعلى الحراك بحجمه وشعاراته ومطالبه أن يستوعب حاجتهم إلى الانتماء المطالبة بوطن "نظيف".
هل هناك من يراهن على الوقت لإحباط مفاعيل الحراك؟ بالطبع، فكلّ فاسد خائف من نتائج الحراك سيكون ضده ويراهن على الوقت. ولكن الحراك مُلزم بأن يأخذ بعين الاعتبار أنّ المسألة ستطول. لذلك: 1- وجب وضع روزنامة للتحركات بما لا يوقف الدورة الحياتية واحتياجاتها، 2- وجب الامتناع عن إقفال الطرقات (ففي قطع الطّرق تعرّض للحريات وتشكيل خطر على مجهول...). مشكلة الحراك مع الفساد وليست مع الحياة العامة، 3- لتكن الاعتصامات مساء كل يوم بين السادسة مساءاً والسادسة صباحاً على سبيل المثل، أو لتكن طيلة عطلة نهاية الأسبوع كمثل آخر، ولتكن في ابتكار أساليب ضغط جديدة، كأن يقوم أهل الحراك الانتفاضة بإقامة دعاوى لدى المحاكم المحلية والدولية، وأن يقوموا كمثل أيضاً بأعمال تعبير عن غضبهم وإصرارهم على إنهاء الفساد عبر مبادرات جَماعيّة تخدم البيئة والمجتمع كأعمال تشجير المناطق التي التهمتها النيران، والاستمرار في مهرجانات الفرح، ولتكن أعمال مسرحية وقصائد وأفلام قصيرة وكل شكل حضاري معروف أو مبتكر يحترم القيم وينقل الصوت ويفعل حيث يجب مرحّب به.
كيف يكتب الحراك لنفسه ديمومة حتى تحقيق العدالة الاجتماعية وفرض النقاء في الأداء واسترداد المال المنهوب؟ يكتب الحراك ديمومته حتى تحقيق المطالب ونجاحه: 1- بالحياديّة والاستقلاليّة والحفاظ على صورة نقية، وفي ترك أمر المحاسبة وتوجيه الاتهامات للقضاء. 2- كما يكتب الحراك-الانتفاضة ديمومة لنفسه حتى تحقيق أهدافه الوطنية بحمايته للحياة العامّة، وبحماية نفسه من مخرّبين لصورته، وبالتزامه أدبيّات الحراك الناجح: الأخلاق، احترام حقوق الإنسان، اللاعنف، احترام الأملاك الخاصّة والعامّة، وبعدم وقف دورة الحياة، واستمرار التحرّك في الداخل والخارج، 3- طرح شعار أساسي يكون أولوية في الانتفاضة: استرجاع الأموال المسلوبة وإنهاء الفساد. تلك أولوية، 4- عدم تبنّي شعارات إشكاليّة بحدّ نفسها (فالكلام مثلاً على تغيير النظام أمر والكلام على تغيير الطبقة السياسية أو التخلص من الفاسدين أمر آخر)، 5- عدم رفع شعارات توحي أنّ هناك شارعين، أو تدفع إلى قيام شارع آخر فالمواطنون بأغلبيتهم الساحقة مع الحراك الانتفاضة. والحراك غير مُقتصر على المتحرّكين في الساحات وحدهم، هناك أضعاف هؤلاء على الأقل من المؤيدين لللمطالب يراقبون من منازلهم ما يحدث، 6- الحراك الانتفاضة قائم بمختلفين مستقلين وغير حزبيين. وبالطبع، قد انضمّ إليه منتمون إلى تيارات حزبية. ويمكن القول أنّ مشاركة أغلب المرتبطين بحزب أو تيار مشاركة صادقة وغير سياسية. وعلى الحراك بحجمه وشعاراته ومطالبه أن يستوعب حاجتهم إلى الانتماء المطالبة بوطن "نظيف".
هذا الحراك-الانتفاضة إنْ نحميه محكوم بالنجاح. والإرادة الشعبية ستتحقّق غداً أو بعد غد أو بعد بعد غد. ووجب على الجميع أن يقرأ بوضوح، وأن يعي أنّ الحراك ومعظمه قائم بشرائح عمريّة يغلب عليها عمر الشباب الذي لا يعرف فساداً. خاصّة وأنّ الشباب المٌنتفض من شريحة رافضة للطائفيّة والتعصّب وصادقة في رفضها، ورافضة للاستغلال ومشدودة العزيمة في رفضها، وباحثة عن عدالة اجتماعيّة وحقّ بحياة كريمة وشفافيّة في التواصل واحترام عقلها ووعيها، وباحثة عن النقاء بنقاء فتبقى حُكماً في موقع التخطّي للمسكّنات والوعود المُخدِّرة، ولا بُدّ من احترام عقلها وحقوقها وإرادة الحياة لديها. يُثبت الحراك-الانتفاضة أنّ إرادة الشعب تبلورت. ولم يعد ممكناً التغاضي ولا التذاكي ولا التحايل ولا التجاهل ولا المماطلة ولا المداورة وإلا كان المتغاضي والمتجاهل والمماطل والمُداور في موقع حصان طروادة في تخريب الحراك وربّما تخريب الوطن.
نعم، ليس هناك من خارطة للحراك والانتفاضة الشعبيّة. وهذه نقطة تلعب معه وضده. ويبدو أنّ لا قيادات موحّدة للحراك وهذه أيضاً تلعب معه وقد تكون ضدّه في وقت ما. والحراك-الانتفاضة قد يقتصر على أيّام كما أنّه قد يطول. والمبادرات المطروحة والمُتأخّرة زمناً لن تكتب لنفسها أملاً في حال الثّقة المفقودة من الشّعب المُنتفض. فبات من الضرورة تأمين ضمانات للحراك- الانتفاضة ولمستقبل الوطن والدولة في أن.

ثانياً: تشكيل الهيئة الوطنية الضامنة لإخراج الوطن من حال الفساد
إنّ الضمانة التي أقترح (وهو اقتراح قابل للتطوير) لحماية الحراك- الانتفاضة ونجاحه، وإخراج الوطن من حال الفساد والمُتسببين به هي هيئة وطنية تتكوّن من قضاة حيادييّن حالييّن ومتقاعدين مشهود لهم بالنزاهة وحسّ العدالة، يستعينون بأخصّائييّن في الاقتصاد والمال والقانون والإدارة وأمن المجتمع حيث يجب. وسيكون على الهيئة الوطنية الضامنة لعودة الدولة خالية من الفساد والفاسدين أن تنصّ وتُصدر خلال ثلاثة أيام من تكوينها قانون استرجاع الأموال المنهوبة، ويتمّ تبنّيه فور صدوره بشكل رسمي (وهذا التبنّي برأينا مشروع وكامن في الدستور إن نظرنا إليه من وجهة نظرالمصلحة الوطنية العليا).
يكون من مهمّات هذه الهيئة الوطنيّة الضامنة :
1- استرجاع الأموال المنهوبة فوراً وبأسرع ما يمكن.
2- وقف فوري للعمل بالضرائب والقوانين التي تحمل ظلماً بحقّ المواطنين
3- مراقبة ومتابعة حثيثة للخطوات الإصلاحية المُنصفة للناس
4- مراقبة كلّ عمل تنفيذي وأو تشريعي صادر أو يصدر، وترشيده بما يخدم حقوق المواطنين وينصفهم ويعيد إلى الدولة صدقيّتها.
5- إقرار العمل بالإصلاحات المطلوبة من الحراك - الانتفاضة ( تغصّ صفحات التواصل بالإصلاحات المطلوبة)
6- محاسبة الفاسدين والمتورّطين بفساد ورشوة في الإدارات العامّة ومؤسسات الدولة
7- حماية الحريات والحق بالتعبير والالتزام الكامل بشرعة حقوق الإنسان
8- السهر على جعل الدولة رب العمل الأول، والمستثمر الأول لقطاعاتها (النفط، الخلوي، الكهرباء... ) مع الحرص على الاقتصاد الحر.
9- اقتراح ومراقبة سبل وقف الاستدانة وإنهاء الدَّين العام
10- التعامل مع التطوّرات والقيام بما يلزم لإجراء انتخابات مُبكرة
تكون هذه الهيئة مطلقة الصلاحيات، سيدة قراراتها، وملتزمة بإرادة الحراك الشعبي ومشروعه، وتكون لها شرعيّة محليّة وتأخذ من شرعيّتها المحلّيّة شرعيّة دولية وصفة حقّ الطلب من المؤسسات الدولية ما يستوجبه تحقيق غايتها وحقّ التجاوب مع طلباتها. وتكون على صلة مباشرة بمؤسّسة الجيش في شأن متطلّباتها وأمنها والأمن عامّة لحسن الرعاية وضبط مسار الأمور وتسريع الجانب التنفيذي. ويكون لها الحق في مراجعة أيّة مصاريف لمؤسسات الدولة والتدقيق في حسابات الوزارات ومديريّاتها والمجالس أو الصنادبق الرديفة القائمة وملاحقة الفاسدين. كما يكون لهذه الهيئة الضامنة لمستقبل اللبنانيين الحق في إقصاء ومحاسبة مَن تراه مُتورّطا في أعمال استغلال سلطة أو رشوة أو خدمة لأي جهة انتمى.
لم أتحدّث في الأسباب الموجبة فهي أكثر من واضحة، والأمر أكثر من مُلحّ. في الأفق إشارات استعداد للانقضاض على الوطن. ليتلقّف غير الفاسدين في موقع المسؤوليّة الفرصة التي يقدّمها لهم الأنقياء لقطع الطريق على أصل الفساد. الإرادة الشعبية فرصة للوطن والمجتمع وهي تُبشّر بقيامة واعدة. ودعونا لا نتلهّى بالتساؤل: مَن يشكّل هذه الهيئة؟ إنّ الكلمة الفصل في تشكيلها هي لتاريخ ونظافة أكفّ المرشّحين واستقلاليتهم، وهي لإرادة الحراك الشعبي، رشّح أعضاءَها مَنْ يُرشّحهم.

ختاماً، هل أنّ في ما أعطته الحكومة للحراك-الانتفاضة احتراماً لوعي المنتفضين؟ نترك الإجابة تحت شكل سؤال آخر: لو كان مَن في السّلطة اليوم مكان المتظاهرين المنتفضين أكان ليخرج من الشارع أمام وعود مؤجّلة؟ لا أريد أن أعتقد أنّ الحكومة تريد بقاء المتظاهرين المنتفضين في الشارع من غير دراية، فاقتضبت. لذا، وبأسرع ما يمكن يجب أن تتشكّل الهيئة الوطنية الضامنة للثقة ولحقوق المنتفضين فوراً، وتبدأ عملها فوراً، إنْ بحضور الحكومة، أو في حال استقالة الحكومة، أو إبّان العمل على تأليف حكومة، أو كان ما كان المسار. الوقت ينفِد. إقرأوا جيّداً الرسائل والإشارات واحذروا أحصنة طروادة. هناك من زرع أو سيزرع في غفلة من الجميع، ويستعدّ ليُنبت زرعه. لا يسلبنّ أحد الشباب حقّهم بانتفاضتهم وفرصتهم بتنقية وطن. إنّها فرصة يقدّمها نقاء الشباب للجميع فتلقّفوها. 

  • شارك الخبر