hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - الدكتور نسيم الخوري

عندما قلّدت "الكفير" أعناق الأمم بالزيتون

الإثنين ٢٩ نيسان ٢٠٢٤ - 00:00

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

العالم كلّه يخاف الإرهاب ويتجاوزه خوفه حيال فكرة النووي أو حتّى فتاته. لربّما بات بحوزة دول أو شعوب حقدت على الأنظمة الدولية. قد يتضاعف الخوف عندما تُقرع عواصم العالم بتفجيراتٍ وردود أفعالٍ قوية ومتلاحقة وغير منتظرة. العالم اليوم في حالة خوفٍ يتجدّد عبر الحروب وبوتائر أقوى بكثير من التواريخ السابقة التي تجاوزت أجيالاً بلغت شيخوخة أجيالٍ وُلدت مع أسطورة فلسطين .
كان يمكننا سماع أو تسمية أو توصيف تلك الحروب بـ "المألوفة" اصطلاحاً عبر هذا التاريخ الطويل منذ 16 أيلول 1947 الذي يسحبني أمام انعقاد منظمة الأمم المتّحدة دورتها العادية الثانية في نيويورك ليُنتخب جدّنا فارس الخوري رئيساً للّجنة القانونية التي نصّت في عهده وبإصراره بأن يكون علم الأمم المتّحدة أزرق اللون وملفوفاً بغصنين من الزيتون. الأزرق مؤشّر لصفاء السماء الدولية لكن، لماذا الزيتون حول مباني الأمم المتّحدة وأعلامها منذ تأسيسها وقد يبس الزيتون وتمّ حرق بساتينه وكأنما غصنا الزيتون سقطا فحماً تحت أقدام الأمم ؟
لأنّ فارس الخوري كان يردد ويعلّمنا بأنّ الحضارات البشرية وُلدت من رحم الحضارة الزراعية حيث قدسية الإصرار على الأثلام المستقيمة والسكّك المغروزة في الأرض تستقبل البذار نحو الخضرة والخير والحياة. أمامي أكداس من أوراقه ومذكراته وأشعاره وصوره وخطبه، رجل جاء من عائلة متواضعة في قرية الكفير الجنوبية اللبنانية المدموغة حقولها بغابات الزيتون المعمّر رمزاً للسلام والدواء الذي يُذيب الصدأ العالق بين المعادن كما بين الأشقاء والأقارب والجيران ، فكيف به إن كان غذاءً للعقول الدولية وسياسات ممثّليها تحقيقاً للدبلوماسية النظيفة والإقرار بحقوق الشعوب والليونة كأساسٍ في حفظ الحقوق والعدالة وتنظيف العلاقات الدولية من عقدها التاريخية المتراكمة. بصرف النظر عمّا أورثته وتُورثه حروب السابع من أكتوبر 2023 المنصرم من هموم في العالم وقلق شعوبه، كانت هموم أهل الكفير وجنوبي لبنان مسكونة نزوحاً عن الجنوب واستحالة قطاف مواسمهم وزيتونهم لأجل لقمة الغد.
البحث عن الزيت والزيتون في عقول قادة الدول هو السؤآل الذي لم أجد الإجابة عنه بعد في تواريخ الدول والزعامات. أذكّر بأنّ أعضاء لجنة البحث عن الحقيقة الخاصة بفلسطين إتّفقوا مثلاً في الـ 1947 على منحها الإستقلال، واختلفوا بشأن طبيعة هذا الإستقلال إذ اقترح مندوبو كندا وتشيكوسلوفاكيا وغواتيمالا وهولندا والبيرو والسويد والأورغواي مشروعاً لدولتين عربية ويهودية يربطهما اتّحاد إقتصادي تُوضع القدس وبيت لحم فيه تحت الوصاية الدولية وإدارة الأمم المتّحدة، وتُدير إنكلترا شؤون فلسطين أثناء فترة الإنتقال لعامين، بينما اقترح مندوبو الهند وإيران ويوغوسلافيا مشروع تشكيل دولة إتّحادية تضمّ العرب واليهود خلال سنواتٍ ثلاث.
وعليه عقدت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية إجتماعاً لها في صوفر/ لبنان بين 16 و19 سبتمبر أصدرت فيه: "إنّ مقترحات لجنة التحقيق المنبثقة عن الأمم المُتّحدة تنطوي على هدرٍ واضحٍ لحقوق عرب فلسطين في الإستقلال، وتنطوي على خرقٍ لجميع الوعود التي قُطعت للعرب وللمبادىء التي تقوم عليها منظمة الأمم المتحدة. وترى في تنفيذ هذه المقترحات خطراً يهدّد الأمن والسلامة العربية... ولا يكفل فلسطين كدولةٍ عربيّة."
في 22 سبتمبر 1947 إعتلى فارس الخوري منبر المنظمة الدولية التي شارك بتأسيسها مذكّراً بعظمة السلام العالمي وبفظائع الحروب التي ما زالت ماثلة في الأذهان وجهود الأمم لتحقيق السلم عن طريق هذه المنظمة مشيراً إلى الخواف الجاثم في تنافس الدول الكبرى. لقد تغيّر العالم كلّه ولكنه لم يتغيّر بعد حيال فلسطين، محذّراً منذ 70 سنة من حرب عالمية ثالثة تقضي على الحضارة البشرية لأنّها ستكون ذرّيةً. بعد شهرين أي في 26 نوفمبر 1947 قرّرت هيئة الأمم المتحدة مشروع التقسيم برفض واستنكاف 24 دولة تمثل ثلثي سكان العالم ومعظمهم ينتسبون إلى دولٍ نائية ليس لها اتّصالٍ لا بفلسطين ولا بشؤون آسيا والشرق الأدنى.
نُقل قرار التقسيم إلى مجلس الأمن وأستعيد ما قاله فارس الخوري إذ كان رئيسا له عامي ١٩٤٧- ١٩٤٨ خاتماً خطبته بما عنونه تفكيراً بالمستقبل:
"القضية ليست عربية يهودية، ولا قضية الشرق والغرب، بل هي قضية صراع سيطول جدّاً بين العواطف العمياء وبين العقل وبين الحقوق الطبيعية والحقوق المكتسبة وبين مناهج القانون الدولي وسياسات القوة والمواقف لدى ممثلي دول العالم لربّما ينفع الزيت في تصويب عقولهم ومواقفهم وعد تعثر المستقبل".

  • شارك الخبر