hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - الدكتور نسيم الخوري

تحولات "السلطات" بين الآباء والأبناء

الإثنين ١٨ آذار ٢٠٢٤ - 00:00

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أمامك الإنسان الجديد سواء أكان إبني أو إبنك، حفيدي أو حفيدك، قريبي وجاري أو قريبك وجارك. حدّق به في البيت والمدرسة والمجتمع! ولنتأمّل معاً ضمور مفاهيم القرابة والمجاورة والتربية والمسايرة التي بناها أجدادنا وأورثوها إيّانا لنراها معاً تذوب في المجتمعات الرقميّة المعاصرة. لنقل إفتراضاً أنّ الأجيال تزوّد نفسها بهويّات إنسانية وهميّة "سائلة" "مائعة" و"متحرّكة" تتجاوز حدود الأوطان السخيفة، وقد لا تتألّق سوى أمام الشاشات التواصلية فتسقط جدران الأقنعة الحافلة بالحذر والخوف والإنتباه من الأهل والأقارب والمدارس والجامعات فينتابهم جميعاً شعورٌ بالإحباط والعجز والقهر لكونهم يبدو عاجزين عن الإنخراط في إيجاد الحلول والتأثير على نسيج القشرة الدماغيّة العليا للأجيال ووظائفها وبرامجها العالميّة المشهورة بصناعة الذكاء والسكن في المستقبل المجهول.
باتت مفاهيم السلطة لا في الأهل والأوطان بل في الانتساب إلى اللحاء البشري رائعة بتنوّعها والمُقلقة بحثاً في مواصفات الإنسان المُعاصر. يعنينا هذا الإنتساب في أهمّ ما يعنيه أنّ الأجيال في العالم موصولة صامتةً ومعبّرةً وحتّى صارخةً قد نسمع أصداءها ومواقفها. يتجلّى العالم أمامنا إذن، جديداً وغريباً مطرّزاً بالأرقام والرموز وأبوابه ونوافذه مشرّعة للبشرية تتبادل الأصوات والصور والمعلومات والأحداث المحسوسة وغير المحسوسة، المنطقي منها وغير المنطقي تتدفّق معظمها بالأفكار وبالأسرار وكشف الأغطية الممكنة أو الوهميّة الكاذبة. تنتشرهذه المعلومات في الكون من الأحداث البسيطة إلى الأصوات المُنذرة بالحروب الذريّة وإفناء البشرية. إنّها صناعات تبسط أمامنا عوالم تبدو وكأنّها ألعاباً مركّبة وخيالية مخيفة جدّاً لكنّ التكنولوجيات تتقدّمها وكأنها الضامنة لِنِعَمْ الهواء والماء والغذاء والحياة التي يرعى بها الله البشر.
يشبهنا الإنسان الإنترنتيّ نحن الكهول عندما يسأل نفسه: ماذا سيحصل أيضاً؟ لا يجوز له السؤآل: ماذا سنفعل بعد الآن؟ هذا لا يعني اختفاء الإنسان أو موته بالطبع، بل بقائه كائنًا حيًّا منسجمًا مع الطبيعة بانتظار المشيئة المرسومة لنهايات البشر عبر الموت الطبيعي أو الأمراض والصراعات والحروب السخيفة. هكذا يبدو الإنسان المعاصر حالماً بمجتمعات تبدو حياته فيها شبيهة بحياة الكائنات المستلقية تحت أشعّة الشمس سعيدة راضية بتأمين غذائها ورعاية حضاراتها. وهكذا تسقط القيمة الكبرى لقراءات الكتب في قطارات الغرب إذ ليس مستطاعًا بعد كتابة شيء جديد حول تجديد مستقبل الإنسان والتاريخ والمستقبل لأنّها ليست سوى ترداد قديم للجهالة البشرية.
السؤال الأكبر الذي يشغل الدنيا: أيّ نوعٍ من الأدمغة يحملها وسيحملها أولادنا وأحفادنا وقد اختلفت عنّا كثيرًا لتثير إعجابنا وعجزنا؟ مئات السنين الضوئية... انقلبت الأدوار والسلطات بين الكبار والأطفال. ما هذه الأدمغة؟
أسارع إلى الجواب أنّ الأطفال يولدون وينمون ثمّ يستغرقون في محيطات المجتمعات الرقميّة المتخمة بالألعاب الإلكترونيّة والمواقع والأفلام والبرامج والمقابلات والمحادثات القصيرة جدًّا والصور العنيفة الواقعية والخيالية الخارقة للتصوّر فيتحوّلون بشكلٍ لا واعٍ أجيالاً رقميّة تُديرهم حاجاتهم رهينة اللحظات لإتّخاذ القرارات وردود الفعل. تخلق تلك اللحظات فيهم قدرات انتباهيّة واستيعابيّة هائلة تزوّدهم بطاقات قويّة ما شهدناها من قبل، وتسمح لهم، بالطبع، برفض استيعاب منطق المواقف والقوانين العائلية والإجتماعية والدولية المتعدّدة المتوارثة.
هكذا يُعاني الأهل عند طرح الأسئلة وتقديم الأجوبة لهم بهدف المحادثات الطويلة معهم لكنّ أولادنا هم الرجال الصغار لا صغار الرجال يعيشون في مجتمعاتٍ عالمية متشابهة ما عادت تنفع فيها النصائح والتوجيهات والأوامر والتقاليد كما عهدنا، خصوصاً بعدما عجزت الأفكار والفلسفات والأديان والدول في مصالحة البشر مع التكنولوجيا أو ضبطها على الأقلّ. إنّه المجتمع العالميّ الأقوى أبداً. هكذا تفور الأجيال مثل الزجاجات المضغوطة بالسوائل الغازية القابلة للإنفجار للهروب عبر الشاشات ومع الشاشات نحو العالم الواسع بـ "الشورت" المفضّل والأذرع الموشومة و"الجينز" الممزّق وتسريحات شعورهم ومواقفهم وردود أفعالهم وتظاهراتهم يخطفون بها انتباه البشرية عبر الفيسبوك والإنستغرام وغيرها من تقنيات الإصلاح والتصويب. تتدفق الأجيال من الجنسين مسكونة بالرفض القاطع الذي يتحدّى كلّ العوائق الطبيعية والمصطنعة من السلطات العائلية إلى الدولية إظهاراً للقوّة والطموح بتغيير العقول والأنظمة. قد يكون مقبولًا لدى أحفادنا وأجيالنا أن نُعاصر أجيالاً نراها تُقيم أبنيتها وحيواتها كما الطيور تبني أعشاشها أو كما تخيط العناكب أعشاشها بالتحدي الصامت وبالأسرار والخفاء يلعبون معاً مثل صغار الكائنات ويقيمون حفلاتهم على طريقة تلك الكائنات بالعودة إلى إيقاظ الغريزة ورفض المجتمعات البليدة، وأهمّ ما يقودهم الرغبة بالسلام وشيوع الأحاسيس الإنسانية والقيم الكبرى في الكون. لربّما نبحث جميعاً عن معاني الأوطان ومواصفاتها الإنسانية في الأرض التي استُهلكت إذ يُفترض تنظيف مجاريها تمهيداً لقيادة الأجيال الشابة القابضة على لوحات المفاتيح والزجاجات السحريّة تفكّك تِباعاً المفاهيم المتكدّسة للعلاقات البشرية والدولية.

 

 

  • شارك الخبر