hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - الدكتور نسيم الخوري

أين أنتم يا شباب لبنان؟ أتنتظرون حتّى تبرد الشمس؟؟

الإثنين ٦ شباط ٢٠٢٣ - 00:19

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

أسأل بالحبر العالي الصوت عن "فوبيا" "الجحيم" الملتصق بل المستبدّ بألسنة السياسيين الغاطسين أبداً في مستنقعات الأحقاد ومعهم جوقات المصفقين والكتّاب والإعلاميات والإعلاميين المغالين والمجاهرين بزوال لبنان وشطبه عن الخرائط.
أصرخ بأعلى هدير أمواج بحور الحبر الرحب والربح والأخلاق والوعي ومحيطات لا الحرب قطعاً: كفى كفى كفى.
أين أنتم يا شباب لبنان؟
ماذا يعني اعتناقهم وتقديسهم لهذا الجحيم سوى أمراضهم التي دمّرت وطنكم وطمرت آباءكم والأجيال والنفوس المُهانة والشعوب الفقيرة المتجرجرة في بقايا وطنكم الطافح بالحدّة والكراهية والمقت والقرف.
أنزلوا هذا الجحيم عن ظهوركم و"ليحلّوا عن سمانا"! أنتم أناس تتباهون بالجذور لكنكم وكأنكم بلا جذور... لكن... لكن.. وبالعقل اسمعوا:
في الجواب عن أسئلتي هذه، دمغ حبري المثل الإغريقي القديم القائل:
"كلّما أضعتم جذوركم فإنّك تنتهي بفقدان أرجلكم لأنّها ستتبخّر في الفضاء"، وهنا أقفز فلسفيّاً فوق هذا المثل الذي لم يعد يُغري الشباب المقيمين في الفضاء ولو انتموا لبقعةٍ بائسة كلبنان أو فريسةً متعثّرة لكنها بدت أكثر إغراءً سخيفاً وفارغاً بعدما التمعت ثروات الغاز والبترول الهائلة تحت قدمي لبنان المشلولتين، لكنّ الصعب ونائب الصعب وأبو الصعب وأمه وجده قابض على الملفّ تحت إبطه. وما عليكم سوى الإنتظار حتّى تبرد الشمس!
يسحبني هذا المثل نحو العقل الفلسفي الذي أورثنا أسئلةً تُرجمت ونُقشت بتواريخنا مثل قبب حوارايات أثينا القديمة في الوجود والموجود والخالق والمخلوق والأسئلة الفلسفيّة الكبرى، قبل أن ترفع الأسئلة يديها لتحلّ هموم الإنسان عبر الأديان التوحيدية. لربّما وصلنا الشعار، وليد الخوف الإغريقي الذي استغرق طويلاً بحثاً عن الحقائق بين الأرض والسماء، فبلغ العالميّة وكأنّه العولمة الأولى التائهة بين السؤآل بحثاً عن الحياة مقابل الجواب الذي يختزن الموت أي موت الحقيقة عند امتلاكها. تلك هي مآزم الشعوب الهائمة بين التديّن والعقل والتقاتل على المناصب والكراسي.
أعبر من هنا مذكّراً بشعار "لبنان أوّلاً" الذي رفعه المسلمون السنة ليطمئنّوا المسيحييون الموارنة تحديداً دون تخلّيهم عن "طابو" ذي وجهٍ فرنسي بامتلاك صلاحيات الجمهورية اللبنانية حتّى عند الإحتفال بمئوية إعلان دولة لبنان الكبير الذي شوّهته المظاهرات والحرائق وتفجير المرفأ وكوارث السقوط الإقتصادي والمصرفي ملقيةً ثقاب التغيير الأوّل في 17/9/2019 الذي خبا تاركاً الإحباط العام بحثاً عن جذور لبنان بين الأرض والفضاء وبين الشرق والغرب المتداخلين.
يا شباب لبنان. لقد قتلوا لبنانكم.
أين أنتم؟
لم يكن لبنان ضامراً في المحيط حتى ينكمش مرضيّاً خلف الشعار، لكنه كان يحاول إعادة رسم حدوده الرخوة بين داخل يتمزق رئاسيّاً وحكوميّاً وسياسيّاً وطوائفيّاً ترتيباً لصلاحياتٍ متشابكة وخارج يتعرّق مشغولاً بالحروب العالمية الوسخة بين أوكرانيا وروسيا والمشغلة لمصانع السلاح والموت.
الغريب أنّ بعض حكّام لبنان الشباب أحفاد وأبناء بناة لبنان بنظرهم فقط، بقوا يتماهون بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عندما قال: "أميركا أوّلاً". لم يكن ليقلّدكم، بالطبع، رئيس الدولة الكبرى، إلاّ أن أوهامهم ورمت وغالوا في الترويج لها كأنّ التاريخ القديم منقوش أبداً فوق جبهة وطنهم وهم مستمرّون بإدارة بقعةٍ وكأن لا مواطنين فيها، وعيونهم وآذانهم مفتوحة ببلاهةٍ على الخارج أيّ خارج للإستعطاء حتّى ولو كان هذا الخارج شارلمان أبو اللحية الزاهرة وأب أوروبا الغربيّة الذي أعاد بناء الإمبراطورية الرومانية بمساعدة بابا رومية في القرن الرابع.
لا يعني هذا الماضي المستورد كثيراً، ولا تعني المراتب الأولى كثيراً لشابات وشباب فرنسا والعالم، لا في كتب التاريخ والذاكرات الطريّة على مقاعد المدارس وامتحانات أواخر السنوات الدراسيّة. أكاد أجزم بالتجربة، أنّها تواريخ تثير الخجل إن لم نقل الإحتقار لدى الشباب. لنتصوّر أنّ أستاذاً جامعيّاً لبنانيّاً يحمل الجنسية الفرنسية مثلاً، تشاجر مع زملاء له فرنسيين في الـ 2017 إذ راح يُغالي مسايراً وممجداً نابليون بونابرت ظنّاً منه أنّ فرنسا أو الأم الحنون للبنان ما زالت تخرّ أمام تماثيل القائد.
لقد تغيّرت عقليات الأجيال الجديدة ونظراتهم ومفاهيمهم المتقدّمة في الغرب، وبهُت وهج التاريخ واصفرّ بالنسبة إليهم إذ ما عادوا يدخلونه من تماثيله أو أبوابه الذهبية ومتاحفه العسكرية وصور القادة العسكريين والحكّام المتكدّسة في متاحف العواصم ليرتادها السوّاح منبهرين، بينما يستعرضها الشباب المُعولم بالتأفّف والوشوشات الساخرة التحقيرية. ينسى الشباب بسرعةٍ ما يسمعونه في متاحف"البطولة"، لأنّ ثقافات معاصرة واسعة تجذبهم نحو المعرفة والثقافة خارج الأبّهة والعظمة والتشاوف لاكتشاف الآخر عبر نوافذ التلاقح والإنجذاب لثقافات الشعوب البعيدة وأنماط عيشهم وتواريخهم وطقوسهم ومشاكلهم في الإنسانية الكبرى.
بات لبنانكم بلا جذور في مستنقعات التاريخ المعاصر؟
تبهت صور العظمة وانتخاب الرؤساء في لبنان تباعاً، وتحتلّ قضايا الرواتب وأجورالمتقاعدين و"البهدلة" اليومية والبطالة وعدم المساواة والأزمات المعيشية، وأقساط المدارس والجامعات، بعداً كونيّاً تُلقي المسؤوليات على مجموعة حكّامٍ ومسؤولين ومؤسّسات فاسدة منتفخة وكأنها غير موجودة.
منذ أزمة اليونان الإقتصادية المالية مع نهاية الـ 2009، مروراً بقيام حركة الفقراء في أيلول 2011 باحتلال "بارك زيكوتي" في نيويورك و"الوول ستريت" ضد جشع 1% من الأثرياء، طارت شرارات الرفض وانتشرت نحو نيجيريا وإيسلندا وفانكوفر وملبورن وبوسطن واستمرّ إنفراط الأزمات الإجتماعية أمام الشابات والشباب الخارجين من جذورهم في فرنسا واسبانيا وبلجيكا والبرتغال وسلوفانيا وإيرلندا وليتوانيا والعراق وهونغ كونغ والسودان وإيران والهند وكولومبيا والإكوادور وفنزويلا وبوليفيا وتشيلي وهاييتي و...
لكن لبنان ما زال يتسوّل جذور التغيير من خارج لبنان.

  • شارك الخبر