إستمع للخبر

أرخت الحرب الروسية في أوكرانيا بثقلها على دول العالم مُخلّفة أزمتي طاقة وغذاء. غير أنّ تفاقم الوضع بشأن إمدادات الطاقة قلب الموازين الاستراتيجية، فدول عدّة في أوروبا تعتمد على الغاز الروسي لتأمين استمرارية دورتها الإقتصادية. ولضمان عدم تعطّل شرايينها الحيوية لفترة طويلة في ظلّ العقوبات الغربية على موسكو، دأبت هذه الدول على التفتيش على مصادر أخرى للطاقة تعوّض عن الغاز الروسي فكانت العين على غاز اسرائيل التي تقف قاب قوسين من بدء إستخراج مواردها النفطية مع رسوّ منصّة الحفر اليونانية في حقل كاريش.
تبدو هذه الخلفية السياسية ضرورية لإيضاح سبب الغطاء الدولي لاسرائيل للبدء في حفر آبار الغاز في المياه الإقليمية ربطا بمصالح وتشابكات دولية عرفت تل أبيب كيف تستغلّها لتأمين مصالحها، فيما لبنان يصل كالعادة متأخّرا نتيجة التشابكات الداخلية التي غالبا ما تبدّي المناكفات والمصالح الضيقة على المصلحة الوطنية.
في معادلة رفع السقوف التي ركن إليها كلّ من لبنان واسرائيل إثر وصول منصّة حفر واستخراج الغاز إلى حقل كاريش، يدرك حزب الله جيّدا أنّ واشنطن وتل أبيب تريدان الحفاظ على الإستقرار فيما همّ أوروبا الأوحد كيفية تأمين الغاز البديل عن الغاز الروسي، ما يبدّي مصلحة جميع الأطراف بعدم التصعيد مع لبنان لأنّ أي خطوة اسرائيلية غير محسوبة ستؤدّي الى توقّف استخراج الغاز من حقل كاريش وتعرقل بالتالي المخطّطات الدولية لسدّ الحاجة المتزايدة الى الطاقة والناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا.
تكشف أوساط مُتابعة لملفّ ترسيم الحدود لـ"ليبانون فايلز" أنّ قنوات إتصال خلفية عدة تسعى الى تنظيم خريطة الغاز المتوسطي وأنابيبه بالنظر الى بروز حاجة قصوى أوروبية لتغطية حاجات السوق في العقد المقبل، بما يخرج دول الإتحاد من الإدمان على الطاقة الروسية، نفطا وغازا.

وتلفت الأوساط الى وجود قناة خلفية نشطت في الأسبوعين الأخيرين لحصر تداعيات النشاط الإسرائيلي في كاريش مع وصول منصّة الإنتاج، كاشفة عن دور نروجيّ متقدم هو بمثابة وساطة غير مباشرة بين لبنان واسرائيل مهمتها تطويق أي تصعيد والسعي الى إنجاح مهمة الموفد الأميركي آموس هوكستين.
وتبدي الأوساط تفاؤلا ملحوظا في إمكان التوصل الى اتفاق بحري، خصوصا أنّ الأوراق كلّها اللبنانية والاسرائيلية باتت مكشوفة، ولكلّ من البلدين نقاط ارتكاز ومن شأن التوصل الى تفاهمات مشتركة ارساء الترسيم بما يصب في خانة الاستقرار الغازي في المنطقة ككل.