بموازاة العمل على تفعيل الهدنة في غزة والتي من المقرر ان تبدأ مسارها على عدة مراحل قبل الدخول في شهر رمضان، تنشط الحركة الدبلوماسية على خط بيروت وآخرها بالامس زيارة الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكشتاين. ومن الواضح ان الرسائل الاميركية – الاسرائيلية لتطبيق الشروط الملحة قبل الدخول في اي هدنة، فصلت الجبهة الشمالية لاسرائيل وعزلتها عن ساحة المساندة لغزة، وكرّست مبدأ فصل الساحات بدلا من وحدتها، انطلاقا من وجهة نظر اسرائيلية تشدّد على أمن مستوطنات الشمال وخطر سلاح حزب الله الذي بات يشكل رعباً وخوفاً من "7 اكتوبر" او "طوفان" آخر يتسلل من حدوده الشمالية، وهو ما ترجم بتصريح هوكشتاين، الذي اوضح بعد لقائه رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن "أي هدنة في غزّة ليس بالضرورة أن تمتدّ تلقائيا الى لبنان".

وبصورة اوضح، يبرز الاصرار الاميركي على ربط وقف العمليات العسكرية الاسرائيلية في الجنوب والتي خرقت المساحة الجغرافية المحددة لقواعد الاشتباك واستهدافها البنى التحتية لحزب الله في العمق اللبناني وصولا الى بعلبك والحدود الشمالية - الشرقية وضربها لامدادات الحزب، تزامنا مع ضرورة تطبيق القرار 1701 وتعزيز انتشار الجيش اللبناني وتراجع عناصر الحزب وسلاحه سبعة كيلومترات باتجاه شمالي الليطاني، كخطوة استباقية الزامية لعودة النازحين الاسرائيليين، بمعزل عن اي اتفاق مع حماس وتبادل الاسرى.

ونقلت مصادر سياسية مطلعة لـ "ليبانون فايلز" صورة ميدانية تفيد ان استنزاف الموارد البشرية والعسكرية، هو اكثر ما يمكن تلمسه بعيد امتداد الحرب لمدة تزيد عن الخمسة اشهر لدى الطرفين، وهي تعتبر اطول حرب بين اسرائيل ولبنان في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، وصافرة الحَكَم الاميركي دخلت مرحلة استدراك نقطة الخطر او تفجر الوضع العسكري وانسحابه على المنطقة ككل.

ولعل اخطر ما تواجهه اسرائيل في هذه المرحلة بحسب المصادر عينها، خوفها من ان يقوم الحزب بالتقاط انفاسه، قبل التوصل الى ترتيب اتفاق الحدود البرية الشامل وازاحة خطر الحزب من الشمال، مع الخروقات التقنية التي افضت الى ضرب كوادره ومسؤوليه العسكريين، وتحقيق ضربة نوعية أدّت الى خسارته نخبة مِمَن يديرون دفة العمليات العسكرية، وهو ما خلق فجوة تكنولوجية لصالح اسرائيل، وهو ايضاً، باعتراف امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله اخطر ما تواجهه المقاومة. ويشكل هذا التطور ثاني اكبر تفوق اسرائيلي بعد سلاح الجو الذي تملكه، وهو السلاح السيبراني القادر على الدخول الى كل بيت لبناني من خلال المسيّرات المجهّزة بتقنيات رصد ومتابعة متطورة تلتقط أدق التفاصيل عن تحرك الافراد ووجهتهم من خلال تقنيات معقدة، وهو ما سيشكل نقطة انطلاق جديدة للحزب الى مرحلة اخطر وضرورة العمل على تخطي هذه "الثغرة القاتلة" في حربه مع اسرائيل.