hit counter script

ليبانون فايلز - خاص خاص - علاء الخوري

قزي: الفدرالية صارت جزءًا من الحديث.. والحكومة لا تملك رخصة قيادة بلد

الإثنين ٨ حزيران ٢٠٢٠ - 06:23

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في حديثك مع الوزير السابق سجعان قزي، يستحضرك لبنان بذاكرته الوقادة.. يستنبط الحلول من تجارب الامس. يفضل الواقعية على المواقف الارتجالية، هو الذي ذهب بواقعيته الى حدود اللاعودة حين قرأ جيدا في تاريخ لبنان أن الميثاق هو البداية واللانهاية، ومعه نذهب ب "لبناننا" الى افق التاريخ أو ننزلق الى هاوية تفقدنا هويتنا.
الحوار مع سجعان قزي "الكتائبي الهوى" فيه الكثير من الوقائع التي علينا قراءتها لادراك طريق المستقبل، من الحديث عن الانظمة الى الحكومة وعملها وصولا الى الثورة التي " تملأ الساحات لكنها لا تملأ العقول".. فماذا تضمن الحوار مع الوزير السابق سجعان قزي؟

1. ما هو الهدف اليوم خلف استحضار أنظمة جديدة لتطبيقها على الواقع اللبناني؟
التفكير بتغيير النظام اللبناني أو الصيغة أو الميثاق موجودٌ منذ أواخر الستينات في لبنان. واتّخذ بعدًا دستوريًّا، وأحيانًا عسكريًّا منذ سنة 1975. وهذا التفكير لم يَخمد بعد اتفاق الطائف. لقد استيقظت المكونات اللبنانية بشكل عشوائي وصارت تطالب بحصصٍ تفوق قدرة الدولة المركزية. النظام المركزي عاجز عن توزيع الحصص من دون ضرب آلية عمل مؤسسات الدولة. ومن هنا بدأ التفكير في هندسات دستورية مبنية على اللامركزية، خصوصًا أن عطبًا طرأ على انتظام سير الحكم بعد اتفاق الطائف.
أما لماذا تجدد الحديث عن النظام اليوم، فتوجد أسباب عديدة أبرزها: 1) شعور مكونات لبنانية بفشل التركيبة الدستورية المركزية. 2) عدم قدرة اللبنانيين خارج بيئة حزب الله على التعايش مع سلاح الحزب الذي صار يشكل جيش دولة وليس سلاح حزب عادي. 3) رغبة المكوّن الشيعي في الحصول على حصة دستورية في النظام توازي امتداده الديمغرافي وقوّته العسكرية. 4) اختلاف أنماط الحياة بين البيئات اللبنانية المختلفة بشكل صارخ نتيجة إدخال عقائد وتقاليد غريبة عن المجتمع اللبناني المسيحي والمسلم ما يؤثّر على التعايش اليومي. 5) الإضافات البشرية التي ألصقت بالمجتمع اللبناني مع قانون التجنيس سنة 1993، واللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين بحيث أصبح هؤلاء يشكلون ما لا يقل عن 60% من عدد سكان لبنان. 6) محاولة المكونات اللبنانية جميعًا مواكبة التغيير البنيوي الذي حصل ـــ وقيد الحصول ـــ في منطقة المشرق المتوسطي من حدود إيران إلى غزة مرورًا بالعراق والأردن وسوريا وصولا إلى لبنان.

2. لكن هل أن مشروع التغيير صار واضحًا لدى القوى اللبنانية؟
اللبنانيون ليسوا متفقين على نوعية التغيير، إذ إن كل طائفة تريد لبنان على قياسها وقياس عرّابيها الإقليميين. القاسم الجامع بين المكونات اللبنانية هو اعترافها بأن الشراكة الوطنية متعثرة وأن مركزية الدولة ولّى عليها الزمن. هناك أطراف لا تزال تظن بأن المشاكل هي بسبب سوء تطبيق النظام، فيما تعتبر أطرافٌ أخرى أن لو كان النظام قابلًا للتطبيق الحسن لطُبّق طوال السنوات الثلاثين الماضية، وبالتالي لا بد من التفكير بنظام آخر. لكن ماذا تعني كلمة نظام؟ هناك من يتمسك بالنظام بمفهومه الديمقراطي البرلماني ويعتبر أن التغيير يجب أن يحصل من خلاله باعتماد اللامركزية الموسعة أو الفدرالية. وهناك من يفضّل تجويف النظام ووضع نظام جديد يعيد رسم أدوار جديدة للطوائف. وهنا يبرز الدور الشيعي حيث أن القيادات الشيعية الأساسية والمتمثلة بأمل وحزب الله تطمح إلى لبنان مختلف عن لبنان القائم. وقد أعلنت المرجعيات الشيعية كافة ذلك مؤخّرًا. وطبيعي أن يؤدي هذا الطموح إلى المثالثة ما سيدفع البلد نحو الفدرالية. علمًا أن تطبيق الفدرالية في لبنان ليس بالأمر السهل، ولا يمكن أن يحصل إلا برعاية دولية وكجزء من فدراليات الشرق الأوسط الجديد.

3. ما هو الموقف المسيحي تجاه ذلك؟
بصراحة بقدر ما يتمسك المسيحيون بوحدة لبنان الجغرافية وبالشراكة الوطنية، يتضايقون جدًّا من وجود ولاءات لغير لبنان لدى مكونات لبنانية معينة. هذه الولاءات أدت إلى حروب سابقة وحالية، كما ستؤدّي إلى حروب مستقبلية. إذا لم تنزع هذه المكوّنات عنها الارتباط بالخارج ولم تلتزم بلبنان فقط، فالمسيحيون سيطرحون صيغًا دستورية تتراوح بين اللامركزية الموسّعة والفدرالية. لن يقبلوا بعد اليوم البقاء في دولة مركزية قابلة للانفجار في أي لحظة مثلما حصل منذ سنة 1969، بل منذ سنة 1958 إلى اليوم. لن يقبل المسيحيون بتغيير هوية لبنان، وهي هوية لبنانية تختصر كل التراكمات التاريخية من الأرامية والكنعانية والفينيقية وصولا إلى العروبة والحضارة الغربية. التمسك بالهوية اللبنانية ليس عنادًا أو نزوة أو حساسية عقائدية تجاه المحيط العربي الذي نحن جزء لا يتجزأ منه. الحفاظ على الهوية اللبنانية حتميٌّ لأن تغيير الهوية يغيّر الدور. والدليل أنه حين أعطوا لبنان الهوية العربية ورطوه بحروب العرب في ما بينهم وليس بالقضية الفلسطينية فقط التي تعزّ علينا، وحين أعطوه الهوية الإسلامية ورّطوه بحروب المسلمين من عرب وفرس وبالهلال الشيعي والهلال السني، إلخ...
يرفض المسيحيون تقسيم لبنان ويؤمنون بأن الصيغة التي انطلقت سنة 1920 وتَثبتت سنة 1943 وعُدّلت في اتفاق الطائف هي الصيغة الأساسية، وهي قابلة التطوير من خلال الدستور وفق حاجة المجتمع وانتظام عمل المؤسسات. لكن المسيحيين ليسوا وحدهم في البلد. مصير لبنان لا يقرّره طرف واحد. يجب أن يجلس ممثّلو المكونات اللبنانية الطوائفية والمدنية معًا. وليس من الضروري أن تجلس القيادات والأقطاب. لا أدري ربما الأفضل أن يُعقد مؤتمر لأيامٍ بين خبراء من كل المكونات للبحث العلمي والموضوعي بشكل الدولة الجديد وبعد ذلك يعرض على المرجعيات. وبالنسبة للمسيحيين، أنا شخصيًّا أتمسك بدور أساسي للبطريركية المارونية نظرًا لوضع الأحزاب وللحساسيات السياسية والشخصية الموجودة بين قادتها، ولأن البطريركية المارونيّة، التي دفعت إلى ولادة لبنان الكبير، معنية بمصير لبنان.

4. هل أن هذا المسار التغييري يلاقي تجاوبًا لدى المجتمع الدولي؟
قبل كل شيء، وبعد التجربة، وبحكم الواقع اللبناني المريض، لا بد من دور دولي يرعى المفاوضات بين المكونات اللبنانية التي يظن بعضها بأنها دول تتفاوض مع دول أخرى. نسبة الخلافات العميقة بين عدد من المكونات اللبنانية حول ماهيّة لبنان تفرض الدور الدولي. وأصلًا، جميع التحولات التي حصلت في لبنان منذ القرن السابع عشر تمت من خلال مؤتمرات دولية أو برعاية دولية.
برأي إن أي حل برعاية دولية يجب أن يتضمن العناصر التالية: 1) وحدة الدولة. 2) اعتماد اللامركزية الموسعة بمفهومها المناطقي. 3) وحدة القوات العسكرية فلا قوة خارج الشرعية. 4) وحدة السياستين الدفاعية والخارجية. 5) وجود موازنة مركزية تساهم فيها مداخيل المناطق. 6) تعزيز القوانين المدنية. 7) إعلان حياد لبنان.
بالنسبة للحياد، لا يستطيع اللبنانيون المحافظة على وحدة لبنان والحؤول دون التقسيم من دون الاتفاق على السياستين الدفاعية والخارجية. ولأن هذا الأمر متعذر، لا بد من الحياد كحل لضمان هذه الوحدة وإلا لا اللامركزية تفيد ولا حتى الفدرالية. حياد لبنان ضمان وحدة لبنان بعد اليوم.
منذ حوالي السنتين بدأت الدول الكبرى، وحتى بعض الدول العربية، تتحدث مع الأطراف اللبنانية في موضوع اللامركزية والفدرالية. وذهب مسؤولون في هذه الدول إلى أن يطلبوا من ممثلي الأطراف اللبنانية أن يقدّموا لهم دراسات حول الفدرالية لمعرفة مدى ملاءمتها الديمغرافيا اللبنانية. وحسب معلوماتي أن كلمة الفدرالية صارت جزءًا من الأحاديث التي تجري بين سفراء عرب وأجانب من جهة وشخصيات لبنانية. ولكي أكون واضحًا، هذه الدول لا تفضّل مشروعًا على آخر ولا تشجع على الفدراليّة أو غيرها. إنها تترك للبنانيين اختيار مستقبلهم. لكنها مستعدة للمساعدة في خلق وفاق وطني حول لبنان الجديد، وحتى لطرح فكرة مؤتمر دولي حول لبنان حين تسنح التطورات.

5. لبنان الميثاق مكبل اليوم ومحاط بأفكار قد تسقط التسوية التي جاءت على دمائنا. ما هو السبيل الى حل يناسب الأطراف كافة؟
الميثاقية اللبنانية محترمة صوريًّا لكنها مطعونة منذ ثلاثين سنة. ولا أرى حلا قريبا للأزمة اللبنانية لأن بعض المكونات اللبنانية ربط مصير لبنان بمصير صراعات المنطقة. لكني أنتظر تطورات على صعيد المنطقة من شأنها أن تسرّع أو تبطئ التغيير الدستوري في لبنان. وإذا لم يطرأ حدث عسكري مفاجئ، لا أرى أن الوضع في لبنان سيشهد تطورًا هامًّا قبل الانتخابات الأميركية. العنصر الوحيد الغامض هو سلوك إسرائيل. فهذه الدولة التي تعلن أنها لا تريد الحرب والمنشغلة حاليًّا بضم غور الأردن وتثبيت أورشليم عاصمة موحدة لها، قد تستغل الوضع الأميركي، الانتخابي والأمني (الاضطرابات الداخلية) لتغيير المعادلات في المنطقة. لكن حتى هذه الساعة لا توجد مؤشرات جديّة على ذلك. فهي تتكل حاليًّا على روسيا وتركيا لتحجيم الدور الإيراني في سوريا وعلى أميركا والسعودية لتحجيمه في العراق. أما لبنان فإسرائيل تتعايش على العموم مع القرار 1701. واللافت أن إسرائيل تقوم بغارات على القوات العسكرية التابعة لإيران وحزب الله في سوريا من دون حدوث رد فعلي عليها. وأخشى أن يؤدي أول اشتباك إلى اندلاع مواجهة.

حزب الله القوي بسلاحه اليوم قد يجد نفسه غدا الضحية الأولى على مذبح المفاوضات.. هل تكون "الدولة الصديقة" سلاحه الدستوري داخل الدولة؟

لا أتمنى لحزب الله أن يكون الضحية، بل أن يكون الشريك في صناعة لبنان الجديد. وهذا الأمر يتوقف عليه. وتؤكد التجارب أن ما لمكوّن في وطن أن يبقى طويلًا مسلحا بمنأى عن شرعية الدولية. وبالتالي إما أن يفاوض حزب الله الدولة على موضوع السلاح، وإما أن يصبح حالة انفصالية. هذا منطق التاريخ. ونحن كمسيحيين حريصون على شراكة الشيعة في صيغة لبنان أيًّا تكن الصيغة الجديدة. وحبّذا لو أن حزب الله يتعاطى بإيجابية مع هذه المعطيات ويتكيف مع الوجدان اللبناني خصوصًا أن الدولة تبقى الضامن الشرعي الوحيد للجميع. في هذا الإطار لا أدري مدى استعداد دولة الرئيس نبيه بري، ومدى قدرته بعد على القيام بدور إيجابي على هذا الصعيد.

6. في الشأن الحكومي عود على بدء أقله هذا ما تبين في مقاربة عدد من الملفات.. هل ستصمد حكومة حسان دياب أم أنها ستسقط بضربة الدولار وخلفه العقوبات الأميركية على لبنان؟
أصلا، ما كان يجب أن تتألف هذه الحكومة بشكلها الحالي. لا يجوز تسليم البلاد إلى أشخاص لا يملكون رخصة قيادة بلد. فهناك فارق كبير بين التكنوقراط والهواة. والأنكى أن عوض أن تتواضع هذه الحكومة برئيسها وبوزرائها، وتحكم بالمشورة، تقود البلاد من دون أهلية وتنتقل من فشل إلى آخر. لذلك إن تغيير هذه الحكومة ضروري لاستقرار البلاد ولاستعادة ثقة المجتمعين العربي والدولي بالإضافة طبعًا إلى ثقة الشعب اللبناني. لا أعرف حكومة لبنانية تعرضت للفشل والضياع والانتقاد والاعتباطية أكثر من هذه الحكومة. لقد كان باستطاعة الرئيس حسّان دياب أن ينجح لو سلك طريقًا آخر. وهذا أمر مؤسف لأنه حين تفشل حكومة لبنان يفشل لبنان. ونحن اليوم بغنى عن ذلك.

7. هل سيقود الشارع الى تغيير جديد أم أننا في حراك برؤوس كثيرة؟
الشارع؟ أي شارع؟ يوجد في لبنان ألف شارع طائفي وحزبي. وتبين أن "للثورة" ألف شارع أيضًا. لقد وقعت الانتفاضة الشعبية في المطبات ذاتها التي وقعت فيها الطبقة السياسية. لا تستطيع ثورة أن تتقدم من دون قيادة ومن دون مشروع. الجموع تملأ الساحات لكنها لا تملأ العقول. والشعارات تثير الحماسة لكنها لا تبني الثقة. أفهم أن تنطلق ثورة من دون قيادة في أيامها الأولى. أما وقد مضى على انطلاقها تسعة أشهر (كورونا ضمنًا) من دون بلورة قيادة توحي بالثقة فأمر يثير الشكوك حول فعاليتها. أقول ذلك بألم لأنني أكتب عن الثورة منذ سنة 2001 وراهنت على الحراك حين بدأ. لكني مثل كثُر أُصبت بالصدمة. أتمنى أن تكون هذه الوعكة مرحلية، وتستعيد الانتفاضة حراكها على أسس أخرى.

  • شارك الخبر