hit counter script

خاص - ملاك عقيل

قانون عصري لدولة بالية...

الأربعاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 06:37

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أول هدية يتلقّاها اللبنانيون في العام الجديد لن تكون بالتأكيد رؤية العسكريين المخطوفين يخرجون من أسر الإرهابيين، وليس مواكبة شركات عالمية تنقّب عن النفط في المياه اللبنانية تمهيداً لدخولنا في منظومة الدول المصدّرة للذهب الأسود، وليس بالطبع رؤية مافيات الفساد والعقارات والجمارك وحيتان الجمهورية الفاسدين خلف القضبان... بل قانون السير الجديد!
الهدية، على الأرجح، ملغومة وغير مرحّب بها، لأسباب عدة. يكفي النظر إلى "أرقام" الغرامات المرتفعة للتأكّد أنها صالحة للتطبيق في الدول التي تحترم نفسها فقط. منبع الإحترام هنا يأتي من قدرة الدولة على تأمين الحقوق البديهية للمواطنين على أرضها ومقابل هذه الحقوق التي تمنحهم إياها، تتوقّع بالمقابل واجبات والتزامات بالقوانين من جانب هؤلاء المواطنين. بالطبع، هذا ما لا ينطبق على "الحالة اللبنانية".
نعم، تصحّ هذه الغرامات الخيالية في الدول الراقية والمتطوّرة التي تقوم بواجباتها كاملة حيال مواطنين يحترمون القوانين ويدفعون الضرائب لدولة تؤمّن لهم كافة حقوقهم.
حسنا، كيف يمكن لمواطن لبناني أن يلتزم بقانون سير، على الأرجح، لن يلتزم به "الأكبر منه". لدواعٍ أمنية ستسير مواكب بعض السياسيين والأمنيين عكس السير، وستتخطّى السرعة المسموح بها على الأوتوسترادات، وستحتلّ أرصفة وأماكن غير مسموح الوقوف فيها، وتتجاوز سيارات على طريقة المناورة Between، وستقفل طرقات ويحتجر المئات كرمى لعيون مسؤول سياسي أو أمني!!
كيف يمكن تطبيق قانون السير الجديد عندما تنعم الطبيعة بخيراتها علينا، وعندما تغرق الشوارع بالفيضانات وتتحوّل إلى "باركينغ" كبير. فهل يصبح سلوك طريق فرعية عكس السير جريمة، فقط لأن الدولة مقصّرة في تنظيف مجاري المياه من الأوساخ، فتدفع المغلوبين على أمرهم إلى اعتماد طرق "ملتوية"!
كيف يمكن تطبيق قانون السير في ظل إشارات سير غالباً ما تتعطّل، وأوتوسترادات تفتقر إلى الحد الأدنى من السلامة العامة لناحية الإضاءة وحواجز وخطوط الحماية، وفي ظل عدم قدرة شبكة الطرق القديمة على استيعاب ازدياد حركة السير وعدد السيارات، وتحت رحمة واقع لا يعرف سوى الإختناق المروري اليومي.
كيف يمكن ابتكار قانون سير من العيار الثقيل بوجود شبكة قديمة لم تعد صالحة لاستيعاب حركة السير، ولم تعد تفي بمتطلّبات الواقع الناتج من النمو السكاني المتزايد، ونشوء تجمّعات سكنية كثيفة واختناق العاصمة والضواحي في مواسم قدوم السيّاح، وتبقى الأزمة الكبرى باستضافة الشوارع اللبنانية لعدد كبير غير متوقع، وقد يستمر طويلاً، من سيارات النازحين السوريين!!
كيف يمكن تطبيق قانون السير في ظل تفشّي المربّعات الأمنية في المناطق، التي تشكّل عاملاً إضافيا لزحمة السير ودفع المواطنين إلى مخالفته. مربّعات مقفلة تلتهم جزءاً كبيراً من الطرقات العامة، من أجل حماية رؤساء ووزراء ونواب ومسؤولين سياسيين وأمنيين...
قانون السير العصري جداً، والمطلوب بإلحاح (لكن بعد أن تقوم الدولة بواجباتها أولاً)، والذي سيبدأ تطبيقه مطلع العام الجديد يُفرَض على اللبنانيين وهم بأمسّ الحاجة إلى رؤية الوزارات المعنية تقوم بعملها المطلوب لناحية تأمين صيانة منظّمة للطرق، ووضع تدابير للسلامة العامة، وتدريب عمال الطرق على نظم السلامة بغية حمايتهم، وإزالة مسسبّبات الخطر وحوادث السيرعن بعض الطرق أو تخفيضها، وتحديد خطوط سير مختلفة للسيارات والشاحنات، ووضع حواجز أمان في الأماكن الخطرة...
الأمور في لبنان، كالعادة، تبدأ بالمقلوب. فجأة هبّت "النخوة" لدى وزراء، بضوء أخضر من مرجعياتهم، لمحاربة الفساد الغذائي والمالي، من دون إجراء محاسبة على مستوى الأصيل. أي محاسبة "نهج" بأمه وأبيه منذ عمر الطائف، أمعن في الغرف من جيوب اللبنانيين وإفقارهم، وتقاسم قوالب الثروات، وأكَل أخضر ويابس مقدّرات الدولة. المفارقة أن من شارك في تكريس منظومة الفساد على مدى عقود، هو اليوم من يحمل لواء "الإصلاح والتغيير" وكشف المفسدين!
في قانون السير الآية معكوسة أيضاً. يريدون تطبيق قانون عصري على طرقات متهالكة تفتقر إلى الحد الادنى من السلامة العامة، وفي ظل دولة مقصّرة في كل شيء. قانون، سيطبّق فقط على المواطنين من الدرجة الثانية. أما أصحاب الإمتيازات، ومواطنو الدرجة الأولى، فسيحقّ لهم ما لا يحقّ لغيرهم...

  • شارك الخبر