hit counter script

باقلامهم - دافيد عيسى

قراءة موضوعية في خطاب سمير جعجع

الجمعة ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 12:33

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

شهر ايلول هو شهر شهداء المقاومة اللبنانية المسيحية. وجرياً على تقليد سنوي أقام حزب القوات اللبنانية قداساً ومهرجاناً في معراب تخليداً وتكريماً للشهداء. ولكن احتفال هذا العام كانت له نكهته الخاصة وأجواؤه المختلفة في ظل تحولات وعواصف تجتاح المنطقة وتصيب لبنان برذاذها وشراراتها من دون ان تنال حتى الآن من وحدته واستقراره، وفي ظل أجواء من القلق والخوف تجتاح شعوب المنطقة ولاسيما الاقليات الدينية والعرقية وتحديداً المسيحيين الذين لم يواجهوا على مرّ تاريخهم ما يواجهونه اليوم من خطر وجودي يهدد بالغائهم وتصفية وجودهم التاريخي في الشرق. وهذا الخطر يمثله " تنظيم داعش " الذي يمارس الارهاب والاجرام بأبشع الاشكال والصور.
أهمية الخطاب السياسي الذي ألقاه رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في المناسبة تكمن في أنه حدّد مصدر الخطر وهويته وبدا مدركاً لحجم هذا الخطر المتمثل بـ " داعش " ومدى خطورة هذا " الورم السرطاني " وهذه " الظاهرة الطارئة والمشبوهة التي لا تمت لا إلى الاسلام ولا إلى العروبة ولا إلى كل مفاهيم العصر بـ صلة ". وهذه "الظاهرة التدميرية التي تعد مواجهتها مسؤولية اخلاقية الزامية على كل واحد منا" .
وأهمية هذا الكلام تكمن في ان الدكتور جعجع واعٍ ومدرك لخطورة المرحلة وطبيعة الهواجس ونواحي القلق التي لدى المسيحيين مما يدحض كلام بعض المغالين حول هذا الموضوع تحديداً.
ما يساور المسيحيين في لبنان هذه الأيام هو " قلق وجودي وهمّ مصيري". وهذا الشعور يختلف تماماً عن الشعور الذي لازمهم طيلة السنوات الماضية في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف وعكس الاحباط والخيبة والشعور بالتهميش والاجحاف. وهذا الشعور المستجد يتقاسمه المسيحيّون اليوم في الشرق مع كل الطوائف والأقليات قي المنطقة الخائفة على أمنها ووجودها ومستقبلها، وهو لا يأتي من فراغ وانما يستند إلى واقع مرير في المنطقة وإلى عاصفة هوجاء ضربت العراق وسوريا وتطرق حدود لبنان مع خطر نفاذها من شق الخلافات والانقسامات المذهبية والسياسية الداخلية.
سمير جعجع اثبت مرة جديدة انه يمتلك الحسّ ويعرف نبض الشارع واتجاهات الرأي العام، وانه ملتصق بالواقع ومتفاعل معه وغير منفصل عنه رغم "انحباسه" القسّري وبعده عن الناس واقامته الجبرية في معراب حيث صومعته ومعقله. لكنه يعرف بالتأكيد ان المسيحيين اللبنانيين عندما يداهمهم الخطر فان لديهم إرادة الصمود والمقاومة والتصدي والقتال إذا اضطروا إلى ذلك. وما زال لديهم هذه الارادة رغم كل ما يتعرضون له من اضطهاد وتهجير.
 لكن الحكيم يعطي الأولوية لمشروع الدولة ويعوّل على دورها في الدفاع عن مواطنيها وحمايتهم عبر مؤسساتها العسكرية والأمنية وعلى رأسها الجيش اللبناني الذي يستأهل منا كل تأييد وتضامن ودعم. وبالتالي فان الدولة هي السقف الضامن لكل تحرك مسيحي في هذه المرحلة لا يمكن ان يندرج في اطار الأمن الذاتي ولا يكون إلا في اطار دعم الدولة وجيشها ومساعدته في أشرف وأصعب حرب يخوضها في جرود عرسال وفي معظم المناطق اللبنانية بأمكانات محدودة وهي الحرب على الارهاب وعدم ادخاله في مهاترات سياسية و"طموحات رئاسية" وتلفيقات وفبركات تطال تارة قائد الجيش شخصياً وطوراً تطال المؤسسة بأدائها ودورها.
الحرب على الارهاب هو عنوان المرحلة و"داعش" هي عنوان الارهاب ورمزه حتى اشعار آخر. ولبنان لا يمكنه إلا ان يكون في الجبهة المحاربة للارهاب وجزءاً من التحالف الدولي الأقليمي الذي تقرر لمحاربة " داعش " والقضاء عليها. في هذه " الحرب – القضية" لا مكان للنأي بالنفس ولا مجال للتردد والاحجام وللمواقف الرمادية. وأهمية ما قاله جعجع انه كان السبّاق إلى تحديد موقع حزب مسيحي أساسي في هذه المرحلة الشرق أوسطية المفصلية والذي حدد موقع لبنان ووضعه المتقدم على خارطة المنطقة وعلى الجبهة المضادة للارهاب والتطرف لأنه خلق ووجد ليكون وطن الرسالة، رسالة الحوار والانفتاح والاعتدال. ومن دون ذلك يفقد لبنان مبرر وجوده. ومن دون لبنان تفقد المنطقة واحة ومتنفساً وملاذاً...
لكن ما كان لافتاً في خطابه أكثر انه لم يذكر "حزب الله" مرة واحدة بالاسم، وكان الأهدأ مقارنة بكل خطاباته السابقة في مثل هذه المناسبة وغيرها. وهذا يعني دعوة ضمنية إلى خصومه بأن يضعوا الخلافات السياسية الداخلية جانباً وان يبادروا إلى التوحد والتلاقي في وجه الخطر المستجد، ويعني ايضاً ان الدكتور جعجع بادر إلى الخطوة الأولى من جانبه وان على الخصوم السياسيين وخصوصاً حزب الله ان " يردوا السلام " ويبادلوه التحية ويقوموا بخطوة في هذا الاتجاه وان لا يُبقوا على الأبواب والخطوط مغلقة كرمى لعيون هذا أو ذاك.
هذه هي اللحظة الوطنية والسياسية المثالية للتفاهم بين كل القوى السياسية الأساسية في البلاد والتوافق حول الخطر الواحد الذي لا يستثني احداً وكيفية مواجهته بطريقة تصب في مصلحة الدولة وفي خدمة مشروعها ومؤسساتها وليس في خدمة أطراف ومشاريع فئوية... وعلى حزب الله الذي لا تنقصه شجاعة المقاومة والميدان، ان يتحلى بالشجاعة السياسية وان يبادر إلى ملاقاة خصمه السياسي سمير جعجع في موقفه ووضع الخلافات السياسية جانباً والوقوف جنباً إلى جنب في معركة وطنية بامتياز تتجاوز كل الحسابات والتحالفات السياسية.
لكن يبقى الأهم وفي هذه اللحظة الوطنية الاستثنائية وهو ما دعونا وندعو إليه دائماً وهو وحدة المسيحيين لمواجهة المرحلة الخطيرة التي يمرّون بها.
ان القيادات المسيحية وتحديداً المارونية مدعوة أكثر من أي يوم مضى إلى اعادة توحيد الصف المسيحي على قاعدة مواجهة الخطر الوجودي ووضع الخلافات السياسية والشخصية جانباً... وهذا هو الظرف الذي يدفع إلى " صحوة مسيحية " ولو متأخرة للدفاع عن الوجود هذه المرة...
 

  • شارك الخبر