hit counter script

باقلامهم - البروفسور جاسم عجاقة

هل تُموّل المصارف اللبنانيّة سلسلة الرتب والرواتب؟

الخميس ١٥ آذار ٢٠١٤ - 05:46

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

مع تشكيل الحكومة الجديدة، يظهر إلى العلن من جديد موضوع سلسلة الرتب والرواتب والتي أصبحت تُحرج النقابات العمالية والحكومة على حد سواء. وإذا أظهرت المعطيات عدم قدرة خزينة الدولة على تحمل كلفة السلسلة للقطاع العام، يبرز إلى العلن موضوع تمويل السلسلة من خلال المصارف اللبنانية. فما هي حقيقة هذا الملف؟ وهل تُقدم المصارف على هذه الخطوة؟
الموازنة العامة هي عبارة عن مستند قانوني يحتوي على مجموع المداخيل والنفقات للعام المالي القادم. ويتألف هذا المستند من عنصرين أساسيين: (1) المداخيل وهي مجموعة إيرادات الدولة من ضرائب مباشرة وغير مباشرة، و(2) النفقات وهي مجموعة المصاريف التي تقوم بها الدولة وتنقسم إلى أربعة أجزاء (النفقات التشغيلية للدولة ومؤسساتها؛ الإستثمارات؛ النفقات المترتبة على التدخل في المجال الإجتماعي والإقتصادي؛ ونفقات خدمة الدين العام).
ولكي تكون الموازنة في وضعية توازن، يتوجب أن تكون النفقات مساوية للإيرادات. ويكون هناك فائض في الموازنة إذا ما تخطت الإيرادات النفقات مما يسمح بسد قسم من الدين إذا ما وُجد. ويكون هناك عجز في الموازنة إذا كانت النفقات تتخطى الإيرادات. في هذه الحالة تعمد الدول إلى الإستدانة لكي تُعيد التوازن للموازنة عبر قروض مباشرة، أو عبر إصدار سندات خزينة (الطريقة المفضلة).
إن وضع الموازنات يتم عبر طريقتين، الأولى حسابية كما سبق وتم شرحها أعلاه، والثانية مالية إقتصادية، حيث يتم خلق عجز مؤقت بهدف الإستثمار الذي سيعود على الدولة بمداخيل في الأعوام التالية. والطريقة الأولى، وهي الطريقة المُتبعة في لبنان، هي طريقة قديمة على عكس الطريقة الثانية التي تسمح بتأمين نقلات نوعية في الإقتصاد والتي تعتمدها كل الدول المتطورة. وفي التفاصيل أن الحكومة وعند وضعها خطة إقتصادية، تعمد إلى ترجمتها في الموازنة أخذة بعين الإعتبار تمويل المشاريع من الإيرادات المتوافرة ومن إصدارات الخزينة إذا لم تكفِ الإيرادات المتوقعة: الإيرادات الضريبية + الإصدارات الجديدة = خدمة الدين العام + الإنفاق التشغيلي والإجتماعي + الإستثمارات العامة.
العجز في لبنان مزمن، وتعود أسبابه إلى العدوان الإسرائيلي المتكرر على الأراضي اللبنانية، الحرب الأهلية (75-90)، وعدم الثبات السياسي والذي حال دون إقرار موازنات عامة على مر عشرات السنين. وينص القانون على أن تقوم الحكومة بالصرف على أساس قاعدة الأثني عشرية (صرف شهري على أساس أخر موازنة عامة أُقرت) في حال لم يستطع مجلس النواب إقرار الموازنة. لكن المؤسف أن لبنان وعلى الرغم من الأعوام 2007 إلى 2010 والتي سجل فيها نمواً كبيراً تخطى الـ 7%، سجل عجزاً في الموازنة.
ومع الإستحقاقات التي تواجه المالية العامة (2.5 مليار دولار) هذا العام، نجد أنه من الصعوبة جداً الحديث عن تمويل سلسلة الرتب والرواتب المُحقة. فالعجز السنوي المسجل في العام 2013 والذي يبلغ 3.5 مليار دولار والعجز المتوقع في العام 2014 إضافة إلى كلفة السلسلة ستتحول بشكل تلقائي إلى دين عام. وهذا الأخير بدأ يزداد في السنوات الأخيرة بشكل كبير ستصعب معه مواجهة الإستحقاقات المالية للدولة اللبنانية.
وعدم وصول مشروع سلسلة الرتب والرواتب إلى التصويت في مجلس النواب، يدل على عدم تأمين الإيرادات اللازمة لتمويل هذه السلسلة وذلك على الرغم من إعلان اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان المشتركة في شهر أيلول من العام الماضي توصلها إلى تأمين الإيرادات لهذه السلسلة.
إن أحقية السلسلة تأتي من منطلق فقدان القدرة الشرائية للمواطن على مر السنين والناتجة بشكل أساس عن التضخم. من جهة أخرى تعهدت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إقرار مشروع السلسلة عبر إرساله إلى مجلس النواب الذي أحاله إلى اللجنة الفرعية المُنبثقة عن اللجان المشتركة، مما يعني التزاماً كبيراً بإنجاح هذا المشروع. لكن المُشكلة التي تواجه هذا الأخير هي الوضع المتردي لمالية الدولة، فكيف سيتم تمويل السلسلة؟
من بين النظريات المطروحة، نظرية أن تعمد المصارف إلى تمويلها وذلك عبر شراء سندات خزينة مخصصة لتمويل السلسلة. لكن هذه النظرية لم تلقَ ترحيب المصارف التي كررّت عدم استعدادها لهذا الأمر وهذا الأمر محق إلا إذا عمدت المصارف وبشكل ذكي إلى الضغط على الدولة اللبنانية لإجراء إصلاحات في إداراتها العامة والمؤسسات التابعة لها. وهذا إذا ما حصل يعني بدء الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص و"ثتشرت" (Teatcherization) مؤسسات الدولة اللبنانية. فهل تذهب الدولة إلى هذا الحد؟ وهل سيتم القبول بهذا الأمر من قبل النقابات العمالية؟
 

  • شارك الخبر