hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - شادي نشابة

رحلتي من طرابلس إلى الخندق الغميق

الثلاثاء ٢٤ كانون الأول ٢٠١٩ - 06:15

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

نهار الإثنين 16 كانون الأول 2019، جرى تداول فيديو لشاب من طرابلس يتهجم على السيدة فاطمة الزهراء، والصدفة أنها كانت في ذكرى يوم إستشهادها، مما أثار غضب الشارع الشيعي، برغم أن السيدة فاطمة الزهراء تخص جميع المسلمين وليست لهذه الطائفة أو تلك. ولكن وقعت الواقعة حيث هناك من يعمل على تأجيج الفتنة السنية-الشيعية لمصالح سياسية ولعن الله من حاول إيقاظها.
نحو الساعة 11.30 ليلا كنت أشاهد مشاهد الغضب على التلفاز، وفي الوقت عينه أستمع إلى الشيخ محمد كاظم عياد إمام مسجد الخندق الغميق، حيث يطالب بالتهدئة وتراجع الشباب من الشارع، فأفرح قلبي وأفرح قلب معظم اللبنانيين، لأننا في هكذا مراحل حساسة لغة الوعي يجب أن تتغلب على لغة العنف، لأن اللبنانيين عانوا الكثير من هذه اللغة التي لم تفضِ إلى شيء سوى إلى مزيد من الفقر والبطالة وتدمير دولة المؤسسات.
بعد نصف ساعة من المشاهدة، قلت لنفسي أنه من دوري أن أعمل شيئا لمساعدة الشيخ لإطفاء الفتنة، لعدم جر الوطن إلى مزيد من العنف وتدمير دولة المؤسسات، ولعدم زج المدينة مجددا بهكذا مشهد طائفي لا يشبهها ويجرها إلى مزيد من المعاناة.
قررت النزول للعب دوري وقلت لنفسي، هكذا مبادرة لا يفكر الإنسان بعواقبها. وطرحت ثلاثة إحتمالات إما أن أدخل وأخرج سالما، إما أن أدخل وأخرج الى أحدى المستشفيات وإما أن أدخل وأخرج مكّفنناً، بخاصة أنني لم أكن أعرف أحداً في هذه المنطقة، والمرة الوحيدة التي مررت بها كانت في ثالث أيام الإنتفاضة، عندما حصل رمي القنابل المسيلة للدموع وبدأت محاصرة المنتفضين في ذلك النهار، وكان المسرب من هذه المنطقة ولم أكن أعلم أنني أمر من منطقة الخندق الغميق، وكنت أمشي وراء أشخاص، وقالوا لي أنني من الممكن أن أصل إلى منطقة السوديكو حيث كانت سيارتي مركونة هناك. وعندما مررت في ذلك النهار قلت لنفسي أن هذه المنطقة تشبه كثيرا أحياء طرابلس الفقيرة، وحرمان اهلها كحرمان اهالي مدينتي.
خلال قيادتي السيارة كنت أتابع عبر الإنترنت ماذا يحصل في المنطقة، وأقول لنفسي يجب أن تفعلها. وبعد نحو ساعة وربع الساعة وصلت إلى منطقة الأشرفية من جهة الرينغ، ركنت سيارتي بعيدا ولكي أكون صادقا كنت متوترا لأنني لا أعلم ماذا سوف يحصل.
ذهبت على قدمي وعند مدخل الرينغ كانت توجد قوة من الجيش اللبناني، سألني الظابط برتبة ملازم أو ملازم أول، من أين أنت وإلى أين ذاهب، قلت له من طرابلس فتأهب مع عناصره، فأجبته إنني آت لبادرة خير ليس للشر، أجاب مشكور ولكن إنتبه الوضع متأزم وأتمنى لك كل التوفيق.
نظرت إلى ما يحدث، كان المشهد قاسياً جداً، السماء شبه مغطاة بدخان القنابل المسيلة للدموع، وكان رمي الحجارة من قبل الغاضبين غزيراً. عندها نظرت إلى أحد الشباب رأيته أقل غضبا وسألته من أين أنت؟ قال لي أنا من الضاحية. قلت له أنا من طرابلس فقال أهلا فيك وإختفى. عندها قررت ألتكلم مع شخص آخر، رأيت شخصاً يحاول تهدئة الأجواء و يوحي بالنضوج. قررت التكلم معه وكل ذلك في ظل الإشتباكات الدائرة. قلت له إنني من طرابلس وأتيت إلى هنا لتهدئة الأمور، كان صدره رحب جداً، ومن بعدها رأيت الإعلامية ريمي درباس صاحبة الأيادي البيضاء في هذه المبادرة، و قلت لها إنني آت إلى هنا لإرسال رسالة تهدئة فكانت متجاوبة جدا وحاضرة.
عندها بدأت أصبح أقل توتراً، لأن شباب الخندق بدأوا يتصرفون معي بكثير من الإحترام، قررنا مع الإعلامية ريمي درباس الدخول إلى منطقة الخندق تحت "مطر المسيل للدموع"، بعدها بخمس دقائق وصلنا إلى الشيخ عياد، وأوصلت الرسالة التي حمّلني اياها ضميري وعنوانها وجعنا واحد.
بعدما انتهيت وقررت المغادرة، أبى شباب الخندق إلاّ أن يكونوا معي لأصل إلى سيارتي، و أصبحت صديقا لعدد منهم، وأزددت قناعة يوما بعد يوم أن الصراع في لبنان ليس طائفياً بل إنه سياسي بإمتياز. الفقر والمأساة الإقتصادية والإجتماعية موجودة لدى جميع الطوائف، وما يجمعها أكثر بكثير مما يفرقها.
 

  • شارك الخبر