hit counter script

خاص - كلوفيس الشويفاتي

"غريب" بين بكركي وحريصا يراقب الفوج المجوقل

الإثنين ١٥ كانون الأول ٢٠١٨ - 05:15

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

على تلّة ما زالت بِكراً فوق سيدة لبنان بمئات الأمتار يستوقفك حاجز للفوج المجوقل قبل أن تدخل إلى واحة بين حقول وأشجار. مساحات كبيرة ما زالت عذراء لم تدخلها آلات الحفر وجبّالات الباطون والرافعات الصفراء.

"غريب" هو في قلب كسروان العاصية، ضائع بين تلّة حريصا وصرح بكركي، مساحاته مترامية الأطراف وتبلغ مئات ملايين الأمتار المربّعة الممتدة من أمواج جونيه حتى قمم صنين والتي وهبها آل الخازن للكنيسة الأرمنية الكاثوليكية.
في بلدة بزمار وضمن بقعة رائعة الجمال يربض دير السيّدة مقرّ بطريركية الأرمن الكاثوليك.
هو موقع تاريخي نادر لم نكن نعرفه، ومتحف مجهول نسبة لموجوداته التي لا تقدّر بأثمان، ففيه شوكة من إكليل يسوع موشومة بدم جبينه ومحفوظة في قنينة زجاجية صغيرة، وإلى جانبها قطعة من عظم رُكبة القديس كريكور المنوّر الذي بفضله أصبحت أرمينيا أول دولة مسيحية في العام 301.


في أقبية معقودة ووسيعة تكمن مخطوطات وكتب نادرة معمّرة منذ تكوين الحرف وابتداء التدوين وبجوارها مشغل لترميمها وحفظها.
وفي أقبية أخرى أوانٍ وأيقونات ولوحات ومسكوكات وعصي بطاركة وأساقفة من القرون الغابرة...
وفي جانب آخر من الدير مصانع وأقبية نبيذ هو من الأفخر في العالم. هنا في بئر صغير قنانٍ معتّقة إحداها منذ 220 سنة، وهناك "ممنوع اللمس"، وتلك خابية "شمّ ولا تدوق"، وهذه معصرة عنب قديمة ليس بعيداً منها "خِلقين" أو "حَلة" لصناعة دبس العنب تُشرف على دوالٍ وكروم مترامية.


يُطلّ هذا المعلم الكنسي التاريخي الكبيرعلى قيادة الفوج المجوقل في غوسطا فيحرسان بعضهما البعض، يديره ثمانية كهنة وعشرة مبتدئين على رأسهم أسقف شاب هو المونسنيور باتريك موراديان الذي قال إن هذا الدير هو الذي يقود طائفة الأرمن الكاثوليك ويموّل كل أديرتنا وعددها خمسون حول العالم وهي منتشرة من القدس إلى إيران وأوروبا وآسيا وأفريقيا والأميركيتين.
هذا الأسقف الأمين على هذه المقدّرات الكبيرة والهائلة يقود جراره الزراعي في الحقول، يزرع، يشذّب الأشجار والشتول، يعصر الكرمة، يصنع النبيذ... تظنّه مع كهنته والتلامذة المبتدئين مزارعين بسطاء ، لكنهم علماء وحكماء، إنهم بحق نبيذ آخرِ عرس قانا.

يستقبلونك بكرم ضيافة لافت، وعلى مائدة الغداء تراتيل وأغانٍ بالأرمنية والعربية، لفيروز ووديع الصافي.. وأنامل كاهن تُراقص حجارة بيانو قد يكون من الأقدم في لبنان.
ومن الإنجازات الحديثة في دير بزمار مدرج إفتُتح في العام 2015، في وسطه تمثال الطوباوي إغناطيوس مالويان أسقف ماردين الذي سفك الأتراك دمه مع 15 من كهنة أبرشيته في الحرب العالمية الأولى.
كنا نحو أربعين زميلاً من مؤسسات إعلامية مختلفة ومن كل الطوائف، رافقنا طقس ربيعي رائع في عزّ كانون ، سمح لنا بالتجوّل في الخارج والداخل، لنكتشف خفايا هذا الدير الموغل في التاريخ والذي زاره قبل معظم أهالي كسروان والقاطنين فيها البابا بنيديكتس السادس عشر مباركاً تمثال القديس كريكور المنور أبي الطائفة الأرمنية.
لقد كنّا كَمَن اكتشف كنزاً غريباً أخذ القلب والفكر بعيداً بعيداً في غياهب الزمن، وكان معبّراً ما قاله لي زميلي طوني كساب: "أنا ابن القليعات على بعد 6 كليومترات عشت خمسين عاماً في كسروان ولا أعرف هذا الموقع".
وبين عبق البخور ونكهة النبيذ المعتّق تخرج مشدوهاً ومسحوراً وسكراناً، أنت في جبل لبنان وفي جبيل وكسروان ولا تعرف دير سيدة بزمار للأرمن الكاثوليك فهو ليس غريباً في قلب كسروان ولكن نحن كنّا غرباء وكأننا خارج لبنان.

 


 

  • شارك الخبر