hit counter script
شريط الأحداث

خاص - ليبانون فايلز

الإرباك الشيعي.. وموقع الثنائي الحركي والحزبي

الثلاثاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٨ - 04:44

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا يُمكن تجاهل أثر الضغوطات الخارجية على "حزب الله"، وتداعياتها الخطيرة المقبلة في الجسم الشيعي، فهو يتعدّى التضييق على الحسابات المالية والمصرفية، إلى ما يتعلّق بدور "الثنائي الشيعي"، الذي حلّق في سنوات ما بعد اتفاق "الطائف" لبنانياً، بفضل تميّز نبيه بري، كسياسي كسب الرهان واستحق الدور الريادي في الحرب والسلم، وقدرة "حزب الله" على مجابهة التحديات العسكرية في سنوات ما قبل التحرير عام 2000، وصولاً إلى حرب تموز 2006.

لكن الحزب فقد التعاطف الجماهيري الوطني معه بعد أزمات داخلية لبنانية تكررت منذ عام 2005، وصولاً إلى تدخّله في الحرب السورية.
بقي المزاج الشيعي متمسّكاً بالدور الثنائي، وبرهن ذلك في الانتخابات النيابية الماضية، بعد رهان داخلي وخارجي على تراجع شعبية الحزب تحديداً. جاءت الأرقام تفرز تفوّق "حزب الله" على "أمل"، كنتيجة اعتراض على شخصيات يُعيد ترشيحها بري منذ عقود، وليس انتقاداً لدور رئيس مجلس النوّاب، بينما صبّت الأصوات لمرشحي الحزب، من دون أن يعني ذلك أن الرضى الشعبي تامّ على اداء "حزب الله"، بل اقترع الشيعة له، بغاية صدّ "الحملة السياسية الوجودية" التي يواجهها الحزب.
تزداد اليوم تلك الحملة بطابعها الخارجي المالي، وهي قد لا تؤثر على الجسم التنظيمي "لحزب الله"، لكنها ستطال الجسم الشيعي بشكل حاد، واللبنانيين بشكل عام، وقد بانت بوادرها.
يقول المسؤولون الدوليون إن القرار المتخّذ "لتجفيف مصادر الحزب المالية سيزداد قساوة، وبالتالي سيتفكّك التأييد الشعبي للحزب، من دون استخدام طلقة نارية واحدة، ولا إدخال عسكري، ولا الاعتماد على حليف أو صديق."
تعتقد واشنطن أن الحرب الجارية نظيفة، ستُصيب "حزب الله" في خاصرته، وتسبب له نزيفاً، وجرحاً عميقين يُفقداه توازنه، ثم يتهاوى شعبياً. وتستند دوائر القرار إلى النقمة الشعبية الشيعية على تدهور الأحوال المعيشية، في البقاع والجنوب، بدليل المشاركة المتواضعة في الانتخابات الماضية.
أين ستكون حركة "أمل"؟ سؤال تمّ طرحه في مجالس القرار، فكانت الانطلاقة في الإجابة، من استعراض واقع تحالف الثنائية الشيعية، "الذي يلامس الاندماج سياسياً، ومحاولة الحزب إبقاء الحركة لصيقة به."
لكن يُمكن الإضاءة على عناوين عدة توحي بأن قرار بري مستقل، وليس بمقدور الحزب السيطرة عليه: لم يستطع الحزب وطهران إقناع رئيس مجلس النواب بتوحيد الصف الشيعي إزاء انتخاب رئاسة الجمهورية اللبنانية، ولا كان بمقدورهما الفرض عليه انتهاج سياسة معادية ضد العرب، حيث بقي بري يمسك العصا من وسطها، فشكّل موقفه ضمانة لمنع استهداف الشيعة بأرزاقهم في دول الخليج.
ولا يمكن أيضاً بالتالي إقناع بري اليوم بعدم المضي في حملته لتشريع زراعة القنب الهندي في البقاع، لأغراض طبية، فالحزب يسعى لضرب مقترح رئيس المجلس، بحجة الأحكام الشرعية، لكن يقول مراقبون: "قد يكون هدف الحزب هو منع تحقيق الارتياح المالي الشعبي الشيعي عند البقاعيين، جرّاء عائدات الحشيشة، لإبقائهم في دائرة الحاجة إلى أموال الحزب، والانتظام في صفوفه".
ولذلك، تمّ استحضار هذه المعادلة في دوائر القرار خلال دراسة كيفية التعاطي مع الخطوة اللبنانية المرتقبة، بشأن تشريع زراعة القنب الهندي.
تُبرز تلك العناوين وجود تباينات بين الحركة والحزب، لسبب أساسي، هو شخصية بري، وخبرته، وقدرته على صنع المواقف الذاتية لا غير، بينما يفتقد القياديون في الحركة تلك المزايا، ويتفرّغون لصراعاتهم الداخلية.
يخشى الجسم الشيعي، ما عدا "حزب الله"، ما تحمله مرحلة ما بعد بري. هنا يتوافق معارضوه وأنصاره والمستقلّون الشيعة، على أن القلق كبير في المرحلة الآتية، "لأن غياب دور بري سيجعل الحزب يتفرّد في مسارات وخيارات وقرارات الشيعة في لبنان" خصوصاً أن القياديين في الحركة يتهيأون لصراع مفتوح بين بعضهم، بدأت تلوح مؤشراته منذ مؤتمر "أمل" الأخير، في سباق على النفوذ وإمساك قرار الحركة. وها هي تعجّ الآن وسائل التواصل الاجتماعي بالحملات المتبادلة بين أنصار القياديين الحركيين، بعد خلاف على التعيينات في الجسم التنظيمي.
ويتوقع المراقبون أن يتّسع السباق ليطال التسميات في الحكومة المقبلة، والتعيينات الإدارية، بسبب تمتّرس كل شخصية طامحة في تبوء المناصب، وراء قيادي في الحركة يسوّق لها في عين التينة، كما أوحت الأسماء التي تسرّبت عن الموعودين بالتوزير، والتي قيل ان نجل بري أيضاً يقف خلف أحدهم، علما أن اسم الأخير بدأ يتكرر في جلسات مناصري "أمل"، كخليفة محتمل لأبيه.
لكن نبيه بري لا يزال قادراً على ضبط الدفّة، ويستطيع الضرب بيد من حديد، لإجهاض أي فرض، أو مشاريع تقسيمية داخل جسم "أمل". ويقول المقرّبون من عين التينة في احاديثهم، إن برّي شخصياً يتابع أمر التعيينات التنظيمية في كل منطقة وكل اختصاص، ولم يسمح لقياديين في الحركة بممارسة الوصاية أو فرض النفوذ.
غير إن تلك المجريات تزيد من حجم القلق، كي لا يتمّ ترك الجسم الشيعي تحت وصاية "حزب الله" وحده، في أيام التضييق والحصار الدولي الذي يزداد، فتغيب قناة التواصل المفتوح نحو الخارج، التي يشكّلها بري لمنع ضرب الشيعة، وتندثر الضمانات، لأن العواصم ستحاسب كل الجسم الشيعي حينها على أنه "حزب الله"، وهو أمر قد يدفع الشيعة للتنصّل من ارتباطات الحزب، إلى حدود الانقلاب على مفاهيمه المتعلقة ليس بمقاومة المحتل، او مجابهة الإرهاب، بل بالانتماء العقائدي، والممارسة السياسية، وطبيعة العلاقات مع العواصم العربية والأجنبية، لأن رجوع اليد العاملة الشيعية إلى لبنان، ومحاربة المغتربين منهم في إفريقيا ودول الخليج تحديدا، ومنع توسّع أعمالهم، وعدم إقرار مشاريع تنموية أو زراعية، كحال تشريع الحشيشة، ستؤدي جميعها إلى حصول النكبة الشيعية، التي يجهضها الآن، تمايز "حركة امل" عن "حزب الله".
لذلك، فإن التمايز هو مصلحة شيعية، وإبقاء "أمل" فاعلة هو مسألة وجودية للشيعة بغياب البدائل الأخرى.

  • شارك الخبر