hit counter script

الحدث - نسيم الخوري

ما علاقة الموارنة بالفراغ؟

الإثنين ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٨ - 06:07

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع



أين يقود هذا الافتراق والتنازع والتجاذب وتقاذف المسؤوليات في لبنان والدوران كأحجار المطاحن الخاوية من فراغ إلى آخر ومن طائفة إلى أخرى ومن حزب لآخر وآخره همُّ تشكيل حكومة لبنانيّة التي يمكن وصفها بحكومة إنقاذ أو حكومة توافق أو تنابذ أو حكومة من دون محكومين؟
لا جواب مقنع. اللبنانيون محكومون بوطنٍ باهت يتسطّح للفقر والجريمة واليأس والهروب، وحكّام الحروب والسلم المفروض في وادٍ آخر مسكونون بشهوات المكاسب والمناصب والحصص والمصالح يتشاجرون في قاعةٍ بيزنطيّة لوحدهم وكأنّهم في ساحة أو وطنٍ بلا دستور وبلا شعبٍ وأرض.
كيف ننتشل لبنان من هذا الإنتظار المعيب؟
أجابني مسؤول فرنسي في باريس قبل الإقلاع نحو البلاهة السياسية في بيروت: "المسؤولية تقع على كاهل الموارنة تحديداً وقد عادوا الى الإنقسام الخطير. فليصغوا إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بلملمة الأوضاع وإعلان الحكومة قبل هبوب الرياح. أدمنتم الفراغ بين نصيحة وأخرى وضياع وآخر بين الأقاليم والدول. الخشية أن يصبح وطنكم بلداً مرمياً في الفراغ. أمسكت فرنسا بيدكم اليمنى، كما يمسك الأهل بأصابع صغارهم كي يحسنوا رسم الخطوط والكتابة المستقيمة بهدف ممارسة الحكم وترسيخه وفق الثالوث الفرنسي "الحرّية والمساواة والإخاء" المحفور فوق جدران فرنسا وفي الصدور، لكنّ المسيحيّين في لبنان وتجديداً وتحديداً الموارنة الذين حكموا لبنان نصف قرن من العام 1943 إلى العام 1992، تفرّقوا وتشظّوا وتقاتلوا وعادوا يتفرّقون ويتشظّون. أضاعوا سلطاتهم برمّتها وقد يضيّعون سلطاتهم الرمزيّة المتبقّية".
مرمي في الفراغ؟
وأمامي في باريس النازحون والمتسوّلون العرب والمسلمين والأوروبيون الشرقيون يفترشون أرصفتها ومحطّات المترو فيها. وقد تلتقي لبنانياً هنا يعتبر فرنسا بلده وله عليها مونة ودالّة يلعن صعوبة حصوله على تأشيرة دخول طويلة تتجاوز الثلاثة أشهر إلى فرنسا. صدقاً، فرنسا تتحوّل، وتبدو العاصمة الأنيقة باريس أمامي قلقةً، الصورة مهتزّة خائفة/ مربكة بتحولاتها ومستقبلها المنزلق بين أصابع أهلها لكثرة الغرباء والمتسولين وبالرغم من مكابرة رئيسها بتطبيق الـReforme أي الإصلاح الذي يبدو وكأنّه فوق غربال. حتّى صورة ماكرون التي باشرها تحت المطر بإلتقاط صور "السلفي" مع زعماء أوروبا وكأنه كان يعد بحملها "قارة شابّة" فوق ظهره، نراها تنقلب وينقلب معها إلى حدود الشعبية المتدنية يوماً بعد يوم.
"مرمي في الفراغ"؟
كلمة مرعبة يمكن أنْ تجدها في ملامح أيّ لبناني مقيم ومهاجر ولأيّ طائفة انتمى. يمكن التذكير بأنّ إنتقال شعور القهر والغبن التاريخي في حكم لبنان من المسلمين إلى المسيحيين غير مبرّر وقد انتهى مع نهاية الحروب. والسبب أنّ اتّفاق الطائف الذي نسج محلياً وإقليمياً ودولياً ومُهر بخاتم الأمم المتحدة أخرج لبنان نهائياً من الصراعات والحروب بين المسلمين والمسيحيين.
لماذا الموارنة إذن؟
أعود في الجواب إلى البابا يوحنا بولس الثاني الذي اختار منذ عقد، النافذة اللبنانية من بين 12 ألف نافذة تزدان بها جدران الفاتيكان داعياً في إرشاده الرسولي إلى التئام الجروح بين المسيحيّين في لبنان نهائياً بعدما التأمت نهائياً بينهم وبين المسلمين. وتقفّى خطى القديس بولس نحو دمشق ولم يرافقه الموارنة، ولم ينصاعوا لإرشاده ولم تكن الجراح قد التأمت من "الحرب العونيّة القواتيّة". لقد أسهم هذا البابا البولوني الأصل، كما المسلمون في العالم الذين اتّكأ الغرب على أكتافهم، في اقتلاع الفكر الشيوعي من الوجود، حيث تساقطت أحجار أوروبا الشرقية بعد انهيار جدار برلين، وسحب بإيمانه وسلطاته صرخة الثورة من بين شفتي ليش فاليسا، عامل النقل البحري الذي قاد حركة التغيير في بولونيا في وجه الآلة السوفياتيّة.
وأعود إلى الفاتيكان البقعة الوحيدة المحايدة في العالم في الحرب العالمية: عندما هدّد ستالين البابا بيوس 11 لأنّه يهادن هتلر بعث إليه بنصيحة تقول: إنس العمارة الشيوعيّة فوق خريطة العالم.
ليس الفاتيكان يداً ممدودة يتسابق المؤمنون لتقبيل خاتم يبرق في بنصرها. اختار النافذة اللبنانية نفسها ليطلّ منها على جروح المسيحيين معلناً الشهادة والشراكة مع المسلمين، موقّعاً إرشاده لمستقبل المسيحيّين في دول المنطقة موصياً بالحوار. جاء من دولة الـ44 هكتاراً حيث تتّصل بها خطوط السياسة العالمية كلّها.
أذكّر، ولست مارونياً، بأنّ زجاج "الكابيلاّ سكستينا" في الفاتيكان مزدان بنصوص العهدين القديم والجديد، ويخرج التاريخ من جدران Sala Regia "صالة الرغيا" لمن يودّ قراءة تاريخ علاقات الكنيسة المعقّد مع الأمم مع أنّه يبدو بسيطاً وهادئاً.
وأخيراً
بعدما استعاد وعيه، سأل مريض المسعفين في سيّارة الإسعاف:
إلى أين أنتم ذاهبون بي؟
قالوا إلى مستودع للجثث.
قال: لكنني لم أمت بعد.
قالوا: ولكننا لم نصل بعد.
أخاف أن ينسحب هذا المثل القاسي على مستقبل المسيحيين ولبنان والموارنة المترنّح بين الموت والحياة بملفّاتهم التي لا تعني أحداً في عصر تداعيات الثورات المتعددة الفصول ومنها الجواب الإسلامي الذي يقرع باب الغرب، رداً على السؤال الأميركي الذي طرحه جورج دبليو بوش Why they hate us؟ أي لماذا يكرهوننا؟
 

  • شارك الخبر