hit counter script

الحدث - جورج غرّة

المصالحة المسيحية تحت "المطر"... وإذا بقي التناحر فانسوا الرئاسة

الأربعاء ١٥ أيلول ٢٠١٨ - 06:00

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ما إنْ حصل اللقاء الأوّل في الرابية بين رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون ورئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" سمير جعجع حتى شعر المسيحيّون بذوبان قسم من جبل الجليد الذي خُلِقَ بينهما إبان الحرب، وانهار الجبل في يوم "اتّفاق معراب" في ١٨ كانون الثاني ٢٠١٦ مع تبنّي "القوّات" ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهوريّة.

شكّل الاتفاق حجر الزاوية لوصول المسيحي الأقوى حضوراً وتمثيلاً إلى رئاسة الجمهوريّة، ولكن، مع مرور الأيّام بدأت تقع المشكلات وتتطوّر، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم.

صحيح أنّ "القوّات اللبنانيّة" و"التيّار الوطني الحر" أنجزا الكثير سوياً بعد المصالحة من قانون الانتخاب إلى قانون استعادة الجنسيّة، إلى حكومة متوازنة.

وفي فترة الوئام، لم يكن أيّ شخص في الدولة يتجرّأ على المس بموظف مسيحي حتى لو كان بوّاباً. وفي فترة الحرب الإعلاميّة والتصريحات السياسيّة، تبدّل المشهد.

قد يكون "التيّار" أخطأ في عدم مراعاة مطالب "القوّات" في التعيينات الإدارية، والتي اعتَبَرَت معها معراب أنّها لم تكن عادلة. وقد تكون "القوّات" أخطأت بالإثارات المتكرّرة عبر الإعلام لملف الكهرباء، الأمر الذي اعتبره "التيّار" حملة ممنهجة ارتبطت بالدعاية الانتخابية عشيّة الانتخابات، خصوصاً وأنّ قانون الانتخاب حال دون تحالف الأقوياء في طوائفهم، فافترق الطرفان انتخابياً، وراح كل طرف يعد العدّة للفوز بمفرده.

لكن، وبالعودة إلى "إعلان النيّات"، فقد فُتِحَت معه صفحة جديدة على أساس المصالحة والمصارحة، طاوية معها الأحقاد والانقسامات الدمويّة، وهي النقطة الأساسيّة التي يحاول الرئيس عون والدكتور جعجع المحافطة عليها لتغلب تاريخياً، رمزيّة السلام على الحرب بين المسيحيّين، فالخلاف السياسي اليوم يمكن أنْ يتحوّل إلى اتفاق، والتنافس لا يفسد في الود قضيّة، أما الحقد والانقسام فلا يولّد إلا الدمار والتهميش. وما تمثيل النائب ابراهيم كنعان لرئيس الجمهوريّة في قداس شهداء المقاومة اللبنانيّة تحت "مطر" الطبيعة ووابل القصف على صفحات التواصل الاجتماعي، إلا تأكيد رئاسي على الاستمرار بالمصالحة. كما أنّ "القوّات" تصر بدورها على هذه المصالحة، مدركة أنّه من دون دعم الرئيس عون اليوم، بما يشكله على المستويّين التمثيلي والميثاقي، لن يصل رئيس مسيحي قوي آخر إلى الحكم.

يقول العارفون إنّ لا عائق أمام التفاهم السياسي مجدّداً بين "التيّار" و"القوّات"، وهذا الأمر الذي لم يكن وارداً إطلاقاً قبل المصالحة، والتي باتت من المسلّمات ولا يمكن المسّ بها لأنّها أصبحت ملكاً لمجتمع وشعب انتظرها طويلاً. فمعها، جرى تغيير مرحلة سوداء من تاريخ لبنان وتجاوزها، والطلاق بين المسيحيّين انتهى. وكما شكّل صراع عون-جعجع في السابق أساس الجرح، شكّلت صورة الالتقاء معالجة نهائيّة ودائمة لجرح الصراع المسيحي، فتخطى المشهد رجلين وحزبين، وبات ملكاً للأجيال المقبلة. فأيّ مصلحة اليوم بالعودة إليها؟ وإرضاءً لمن؟

من يتابع المشهد، يدرك أنّ عرّابي المصالحة، يعملان على المحافظة على الجسر الذي بُنيَ بين الفريقين، فيجوز الاختلاف، ولكن ما ليس مسموحاً، هو العودة إلى الماضي. فالمسيحيّون عادوا إلى النظام لدى التحالف، وتحوّل الاتحاد إلى قوّة، وانتهت مقولة أكل حصّة المسيحيّين المشرذمين على مدى 28 عاماً، ما يحتّم ضرورة الحفاظ على الجسر، للحفاظ على المسيحيّين.

وحتى لو فُتِحَت المعركة الرئاسيّة باكراً، فهناك اتفاق حصل ولا تراجع عنه وهو أنّ القوي في بيئته يجب أنْ يصل.

وإلى حينه، فالمهم دعم العهد لكي ينطلق بقوّة وجدّية ولكي يبقى المسيحيّون قادرون على إيصال الرئيس القوي في بيئته، لأنّه إذا لم يُسمَح لعون بالعمل وإذا بقي العهد يعاني من الأزمات السياسيّة، سيأتي من يقول إنّ نظريّة الرئيس القوي سقطت، ولهذا السبب يعمل جعجع اليوم على دعم عون في الرئاسة، ولهذا السبب يعمل الوزير جبران باسيل على تقوية نفسه وتدعيم وجود تيّاره السياسي في السلطة.

ولكن، إذا استمر التناحر بين "التيار" و"القوّات" فلن يصل أيّ رئيس قوي بعد ميشال عون إلى بعبدا، وسيخرج من يقول إنّ العهد القوي والجمهوريّة القويّة لم يتمكّنا من الإنجاز... فلنبحث إذاً عن البدائل.

عند الاتفاق، نتذكّر ما قاله عون وجعجع: "لو قدرنا كل واحد وحدوا أن ننجح ما كنا رحنا على الاتفاق". ما يعني أنّ الإتفاق ضرورة وحاجة للوجود اليوم، والتأسيس للشراكة الحقيقيّة.
 

  • شارك الخبر