hit counter script
شريط الأحداث

الحدث - دافيد عيسى - سياسي لبناني

رياض سلامة ليس "سوبرمان"...

الإثنين ١٥ تموز ٢٠١٨ - 06:06

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

يمرّ لبنان بأزمة اقتصادية خانقة لا يمكن تجاهلها والتخفيف من وقعها وآثارها السلبيّة، هذا ما تؤكده الوقائع والأرقام وما تشير إليه التقارير الدولية التي تحدّد مكامن الخلل والضعف، وتُقدّم نصائح عاجلة إلى الدولة اللبنانية لتفادي الأسوأ وتطلق تحذيرات من استمرار الأوضاع على ما هي عليه.

آخر هذه التحذيرات والنصائح وردت من "صندوق النقد الدولي" الذي خلص إلى نتيجة أنّ لبنان يحتاج إلى ضبط مالي فوري وكبير لتحسين القدرة على خدمة الدين العام الذي تجاوز 150% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2017.
ولكن أسوأ ما يشهده لبنان في هذه الفترة هذه الموجة من الإشاعات والتحليلات التي تثير المخاوف والهواجس والهلع وتتحدّث عن كارثة اقتصادية مقبلة ووضع مخيف واتجاه البلد إلى الإفلاس على الطريقة "اليونانية" وتدهور وضع الليرة إلخ... بعض هذه التحليلات محق في توصيفه للواقع الذي أصاب الجسم اللبناني الاقتصادي في ظلّ تراجع مقوّمات الصمود والمناعة المكتسبة، ولكن البعض الآخر يبالغ في بث أجواء الذعر ويُمعِن في ضرب المعنويات الوطنية وحالة الاستقرار النفسي والمعنوي، وإبراز السيّئات ونقاط الضعف، وإلى طمس بعض الإيجابيات.
ومن أبرز هذه الإيجابيات في المرحلة الراهنة، نتائج مؤتمر "سيدر" كفرصة سانحة للإصلاحات والاستثمارات الداعمة للنمو، وقرب انتهاء الحرب والأزمة في سوريا لتنطلق عمليّة إعادة الإعمار، وانطلاق مرحلة اكتشاف واستخراج الغاز والنفط من البحر...
ولكن يبقى أنّ نقطة القوّة الأساسية تتمثّل في القطاع المصرفي الذي كان وسيبقى العمود الفقري في الاقتصاد اللبناني وسرّ مناعته وصموده، وفي امتلاك لبنان نقاط قويّة وأساسيّة أهمّها قاعدة الودائع المصرفيّة المتينة، والتدفّق المستمر للودائع الجديدة، والمستوى القياسي لاحتياطات المصرف المركزي، وسجل لبنان النظيف الذي ينعكس بالتزام الدولة دفع مستحقاتها الماليّة على الرغم من الخضّات السياسيّة والاقتصاديّة المختلفة التي تصيبه.
وهذا كلّه لم يكن ليحصل لولا مصرف لبنان ودفاعه الشرس والمستميت عن الليرة، وفي التحكّم بمستويات التضخّم، وفي تمتين الودائع المصرفيّة عبر هندسات وسياسات ماليّة ساهمت في الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي، ولم يكن هذا ليحصل لولا وجود حاكم استثنائي وتاريخي لمصرف لبنان اسمه رياض سلامة الذي أدار السياسة النقديّة والهندسات الماليّة وقاد عمليّة الإشراف والرقابة على القطاع المصرفي لتأمين سلامته ونقاوته والذي يشكل بالفعل أحد نقاط القوّة في الوضع اللبناني وحالة الاستقرار الاقتصادي.
وسط كل هذه المصاعب والأزمات والضغوط يبقى الأمل معقوداً على هذا الرجل الذي قام بعمل دؤوب وجهود حثيثة للحفاظ على الليرة اللبنانيّة وبنيان الاقتصاد ولتجنيب لبنان كوارث وأزمات ماليّة حتى غدا اسم رياض سلامة جزءً لا يتجزأ من منظومة الاستقرار الداخلي والثقة الدولية على المستويين النقدي والمالي.
وببراعة فائقة نجح هذا الرجل في احتواء نتائج أزمات كثيرة داخلية وخارجية وتداعياتها، من حرب إسرائيل على لبنان في تموز 2006، إلى الزلازل التي ضربت لبنان والمنطقة وأهمّها اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والحرب السوريّة، وقبلها الأزمة الماليّة العالميّة عام 2008 التي أطاحت وزعزعت اقتصادات دول كبرى...
في الأيام القليلة الماضية خرج حاكم مصرف لبنان مؤكداً، في حديث إعلامي، بعد انتقادات "صندوق النقد الدولي" للماليّة العامة في لبنان، أنّ الانتقادات صحيحة لكنّ مشروع موازنة البلاد للعام 2018 يرسل إشارة جيّدة، مضيفاً أنّ لبنان ليس دولة مفلسة ويتمتّع بالإمكانات التي تسمح له بالاستمرار وسيظل محافظاً على الثقة باقتصاده ومستمراً في حماية سعر صرف الليرة. وشدّد على أنّ الاستقرار النقدي قائم ومستمر والاحتياطات باتت أكبر بالإضافة إلى استمرار زيادة الودائع التي ستصل نسبتها إلى نحو 5% نهاية العام، وجزم بأنّ التدفّقات مستمرّة وأنّه تم إصدار سندات "يوروبوند" قيمتها ثلاثة مليارات دولار جرى الاكتتاب بها بالكامل، وهي كافية لتمويل الحاجات المطلوبة للدولة للسنة ونصف السنة المقبلة، وكان هذا وحده كافياً لتهدئة النفوس وانحسار الشائعات وأجواء الذعر والقلق.
عندما تشتد الأزمات السياسيّة أو الاقتصادية أو الماليّة نبحث عن رياض سلامة، ننتظر تطميناً منه، وفي كل مرّة نسأل ماذا كنا لنفعل لولا وجوده على رأس مصرف لبنان، ولولا إجراءاته الماليّة والنقدية... هل كنا سنتّكل على بعض السياسيّين والمنظّرين و"المحلّلين الاقتصاديّين" الفاشلين الذين يتحفونا بتحاليل "خنفشارية" لا تمّت إلى الواقع بصلة؟
لكن هنا أيضاً علينا أنْ نكون واقعيين ونقول للناس وبكل موضوعيّة، صحيح أنّ رياض سلامة هو صمّام الأمان المالي والنقدي في لبنان، وحامي الليرة اللبنانية حتى اليوم، لكن في الوقت نفسه إنّ سلامة ليس "سوبرمان" لنضع كلّ أمر في عهدته. وآخر هذه الأمور كان موضوع الإسكان، لاسيّما حين قال الصديق رئيس حزب الكتائب اللبنانيّة سامي الجميّل بعد لقائه وزير المالية، إنّ حاكم مصرف لبنان والحكومة يتحمّلان مسؤولية مباشرة في أزمة الإسكان. فهذا خطأ وكلام غير دقيق، لأنّ الجميّل غاب عن باله، وهو النائب والمحامي والمشرّع، أنّ سياسات الإسكان في لبنان ليست من مسؤوليّة مصرف لبنان بل من مسؤوليّة الحكومة.
وعلى اللبنانيّين أنْ يعلموا أيضاً أنّه مهما بلغ رياض سلامة من حسن إدارة ودراية وكفاءة عالية وحكمة ورباطة جأش، لا يجوز أنْ نلقي عليه كل تبعات الوضع والأزمات ونحمّله مسؤولية بلد بأمّه وأبيه، بما في ذلك مسؤوليّة اجتراح الحلول واحتواء الأزمات ووقف الهدر والفساد، وهذا من مسؤوليّة الحكومة ومجلس النواب وواجبهما وصلاحيّاتهما...
جهود رياض سلامة أثمرت، منذ العام 2005 وحتى اليوم، نجاحاً واستقراراً نقديآ، ولكن يد واحدة لا تصفّق، والمسؤوليّة هنا هي بالدرجة الأولى على عاتق الطبقة السياسيّة بكاملها وعلى الحكومة اللبنانيّة العتيدة تحديداً. والمطلوب أنْ تُقدِمْ هذه الحكومة، التي ستضُم معظم الأحزاب والقوى السياسية، على إجراءات حازمة وحاسمة وضبط مالي فوري لوقف مزاريب الهدر والفساد، وإطلاق العجلة الاقتصادية لتفعيل مقرّرات مؤتمر "سيدر"، كون الوضع الاقتصادي لا يحتمل تأجيل وهو يهدّد بأسوأ العواقب.

  • شارك الخبر