hit counter script

الحدث - عادل نخلة

وسطيّة مخزومي... خيار سنيّ جديد

الخميس ١٥ حزيران ٢٠١٨ - 05:59

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تُعتَبَر التركيبة اللبنانيّة معقّدة جداً وتحتاج إلى من يفهمها جيداً، نظراً إلى تداخل العوامل السياسيّة والدينيّة والمذهبيّة على مساحة واحدة ضيّقة.
يعلم معظم أطياف الشعب اللبناني، وحتى الدول الكبرى، أنّ مصدر غنى لبنان وفرادته يكمنان في تنوّعه إضافة إلى الفسيفساء المذهبيّة الموجودة فيه، إذ إنه البلد الوحيد في العالم الذي يتعايش فيه المسيحيّون والمسلمون جنباً إلى جنب، ويتقاسمون السلطة مناصفةً.
ولم يخطئ البابا القديس يوحنا بولس الثاني عندما زار لبنان عام 1997 وأطلق السينودوس الشهير الذي قال فيه إنّ "لبنان أكبر من بلد هو رسالة".
من هنا لا يمكن أن يستمرّ لبنان بتأدية دوره العالمي، والذي طالب به رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من على منبر الأمم المتّحدة بجعله مركزاً لحوار الحضارات والأديان العام الماضي، من دون أنْ يكون هناك سياسيّين معتدلين وسطيّين يفهمون جيّداً التركيبة اللبنانيّة، ولا يذهبون إلى خطّ التطرّف والانعزال.
والوسطيّة هنا لا تعني أن يكون السياسي من دون لون أو موقف أو أن يكون راضياً عن كل ما يحصل، بل إنّ الوسطية الحقيقية والاعتدال يحتاجان إلى رجال يتّخذون مثل هكذا قرارات جريئة، لأنّ التطرّف الديني والسياسي يشدّ العصب ويُقنع الناس سريعاً، بينما الوسطيّة والاعتدال يستنزفان رصيد صاحبهما.
لا يمكن التطرّق إلى موضوع الوسطية والاعتدال من دون المرور على الساحة السنيّة اللبنانية، تلك الساحة التي كانت مدار تجاذب بعد بروز تيّارات فكريّة ودينيّة تنادي بنصرة أهل السنّة في كل المنطقة، إنطلاقاً من رابط الدين الذي يجمعهم بإخوانهم.
مرّ القطوع، واجتاز لبنان خطر الإرهاب و"داعش"، وأثبتت الساحة السنّية أنّها محصّنة، وفي هذا السياق، يبرز شخص كان يُعتَبَر في السنوات الماضية أنّه مغيّب عن المشهد السنّي، إلى أنْ أنصفته الإنتخابات النيابية الأخيرة في بيروت.
يشكّل رئيس حزب "الحوار الوطني" النائب المنتخب فؤاد مخزومي حالة مهمّة في الوسط السنّي، حيث عَرِف كيف يلعب لعبته السياسيّة من دون أن يلجأ إلى أساليب غير مرغوبة.
بأكثر من 11 ألف صوت بيروتي تفضيلي، دخل مخزومي إلى المجلس النيابي بلائحة ترأسها ولم يتحالف مع أحد، فأثبت الناخب البيروتي أنه مع نهج الإعتدال والوسطية.
لا يمكن لألدّ أعداء مخزومي أن يقول عنه إنّه شخص متطرّف، أو إنّه سياسي يتاجر بالمبادئ، أو إنّه مدعوم من "حزب الله" أو إيران أو حتى دول الخليج.
عملت مؤسّسات مخزومي وتستمرّ بالعمل في بيروت من دون التفريق بين مسلم أو مسيحي، وهذا من أسباب نجاحه، حيث إنّ موظفيه ينتمون إلى مختلف المذاهب والأديان، كما أنّه منفتح على الجميع من دون استثناء، وعلاقته جيدة مع كل الأطراف من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ويزور كل السياسيّين من دون تفرقة.
تعيش الساحة السنّية اليوم صراع نفوذ، بين "تيّار المستقبل" من جهة، والقوى السنيّة المدعومة من "8 آذار" أمثال النوّاب أسامة سعد، عبد الرحيم مراد، فيصل كرامي، جهاد الصمد، من جهة أخرى. لذلك لا بدّ من وجود شخصيّات من طينة مخزومي قادرة على مدّ الجسور بين الناس، والحوار والانفتاح على الجميع، بعدما عانت هذا الساحة سابقاً من انغلاق وصراع شرس لم تنته فصوله بعد.
لم يعد بالإمكان تصوّر الساحة السنّية منغلقة على ذاتها، خصوصاً أنّها كانت تشبه إلى حدّ ما الساحة المسيحيّة من حيث نوعيّة الزعامات والتنوّع والخيارات الكثيرة الموجودة داخلها، لكنّ السنّة، وخصوصاً الغاضبون على "تيّار المستقبل"، لا يريدون الذهاب باتجاه شخصيات "8 آذار" أو أن يدوروا في فلك "حزب الله".
كل تلك المعطيات تجعل من مخزومي الوسطي، لاعباً أساسياً وغير تقليدي على الساحة السنّية، فشعاراته تعبّر عن الوجدان السنّي، وعلاقاته مع مصر ودول الخليج جيّدة، كما أنّه ابن بيروت التي تعتبر مقلع الزعامات السنية التي لعبت دوراً مهماً في تاريخ لبنان الحديث، يضاف إلى ذلك أنّه ليس من الزعامات أو البيوتات التقليدية الوراثية، بل وصل إلى مجلس النواب بفعل قوّته الذاتيّة واتّكاله على نفسه وعلى أهالي بيروت.
أصبح من الواضح أنّ لبنان عموماً، والساحة السنّية خصوصاً لا يمكنهما الاستمرار إلا من ضمن نهج الاعتدال، وهذا الأمر هو خشبة الخلاص الوطنيّة التي يبحث عنها كل سني ولبناني.

  • شارك الخبر