الحدث - ربيع الهبر
مارسيل غانم... من مِنكم بلا خطيئة فليرجمه بحجر
الثلاثاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٧ - 06:08
لسنا في وطن تعلو فيه الديمقراطية فوق كلّ اعتبار، ولسنا في وطن تعلو فيه العلمانية فوق كل اعتبار، ولسنا في وطن تعلو فيه الحريّات العامّة فوق كل اعتبار، ولسنا في وطن تعلو فيه المساواة فوق كلّ اعتبار... نحن في وطن "قرطة عالم مقسومين" على حدّ قول زياد الرحباني.
يروق لي موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وتمسّكه بالذهاب الى القدس. تمسك به لأنّه ثمة لبنانيين وموارنة عالقون تحت احتلال العدو، وذهب اليهم بدافع انسانيّ وكنسيّ بحت. لم يأبه للسياسة بل ذهب لأن سياسة الايمان فوق كلّ السياسات. فهل نحاكمه؟
وأدهشني موقف مفتي الشمال مالك الشعار عندما تطرّف ذلك المعتدل وأيدَ موقف الرئيس سعد الحريري في استقالته التلفزيونية لأنه رأى فيها رفضا للواقع، رفضا لتدخّل حزب الله بالبعد الاقليمي وسياسة التعالي وعدم احترام التوازن الوطني من وجهة نظره. فهل نحاكمه؟
أعجبني موقف رئيس الجمهورية ميشال عون الذي رفض استقالة الحريري فقاد خلفه كلّ لبنان، رفضاً لهذه الاستقالة. وشكل حالة وطنية لم نرها منذ زمن الاستقلال في العام 1943. تمرد ميشال عون على الحالة الاقليمية بغض النظر من أين أتت، فهو الذي اختار المملكة العربية السعودية باكورة لزياراته الرئاسية بعد انتخابه في 31 تشرين الاول 2016 رئيساً للبلاد. وهو أول الناطقين بالحريّة والسيادة والاستقلال، نسخها عنه الجميع لتصبح شعاراً وطنياً لجميع الأحزاب الرافضة لواقع الحال.
لم يعانِ حزب سياسي في لبنان ما عانته الاحزاب المسيحية من تيار وطني حرّ وقوات وكتائب من قمع للحريّات واضطهاد سياسي ومعنوي، لا سبب له الا لان هذه الأحزاب آمنت بثلاثة مبادئ هي الحرية والسيادة والاستقلال، حتى ولو اختلفت في التطبيق والممارسة.
لم يكن الاعلام طِوال فترة الاحتلال إلا وسيلة للتعبير الخجول عمّا يختلج قلوب اللبنانيين من قمع وانكسار، ولم يكن الاعلاميون العاملون في تلك الفترة الاّ استشهاديين يسيرون بين النقاط ويدهم على قلبهم لأن هامش الحريّة ضيّق والنطق بالحقيقة حرام.
لست بوارد الدفاع عن الإعلامي مارسيل غانم، ولست بوارد مجاملته أو مجاملة المؤسسة التي يعمل فيها. مع أنني أعرف مارسيل غانم عن قرب فهو الذي استضافني لحلقات وحلقات مستمرة، وبشهادة للحقّ لم يطلب مني يوماً لا هو ولا القيمين على المؤسسة التي يعمل بها وكما غيره من الاعلاميين العاملين في وسائل أخرى بأن أنطق بغير الحقّ والحقيقة.
مارسيل غانم الثائر لا يعجبه العجب، فهو ينطق ضدي حين أكون معه، وتستبيح جرأته السياسيين ورجال الدين وأرباب الشأن العام، هو ناقد لاذع باستمرار لا يتوقف يوماً ولا يهادن.
من لا يعرف مارسيل غانم يجهله، وحتى من يعرفه يجهله. هذا الثائر لا يهدأ، ولا يكتفي بثورته، فيستمر بالبحث عن الحقيقة، والحقيقة الاخرى بأشكالها المتنوعة وبطرقه المختلفة، فلا يسلم أحدٌ من سهام حريته. يَنفض الوجوه والأقنعة، القناع تلو القناع، عن وجوه سياسية ولا يأبه. عِلّته أنه يسترسل في الحريّة، لأن الحرية بالنسبة اليه ممارسة، فهو يمارس الحرية بنقده وثورته، ويقلّب الحقيقة بلسانه علّه يَصقلها لتصبح أكثر لماعيةً.
أخطأ مارسيل غانم، وجلّ من لا يخطىء، حين اندفع مع من حاورهم ليأخذ منهم المزيد، وربما ليعطي بُعداً آخر ليظهر حقيقة التفكير السعودي، ليعطي بعده الحقيقي وربّما ليساومه من بُعدٍ آخر.
لست بوارد الدفاع عن مارسيل غانم وأنا المقتنع كما معظم اللبنانيين أن الحريّة والسيادة والاستقلال ثلاثة أقانيم، اذا سقط أحدهم اختلّ التوازن.
أتت حلقة مارسيل غانم في سياق الحدث الشائك حيث كانت وجوه اللبنانيين كئيبة خوفاً من الغدّ المظلم الآتي ولا مفر منه.
غالباً ما يخطىء الاعلاميون، وغالباً ما يسقطون بزلة لسان أو اندفاعة حرية، او بعدم دفاع عن مقامات كان واجباً... انّما جلّ من لا يخطىء منهم.
فمن منكم بلا خطيئة إعلامية... فليرجمه بحجر.