hit counter script

باقلامهم - مازن ح. عبّود

كن ملكاً

الثلاثاء ١٥ آب ٢٠١٦ - 00:35

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

قال لي اترى كيف يكون الملك؟ ومن اين ياتي يا ابي؟ وهل انتهى زمن الملوك؟ قص لي قصة عن الملك.
قلت له: "يولد الملك من كنف الناس. يقيمه قومه ملكا عليهم كي يخدمهم. ويطيعونه ويجلونه لانه يذكرهم بمن خلقهم في خصاله ومحبته. يجعلونه في ما بينهم ببساطة حكما كي يسوس امورهم ويخدمهم بمحبة، وتكون سلطته من محبة.
الملك هو الحكيم يا بنيّ، وان لم يكن حكيما يصير متسلطا فيسقط في اعين الناس عن كرسيه، ويصير مغتصبا للعرش، ويروح يحكمهم بالخوف ويكسب محبتهم بالهدايا يصير يرعبهم ببساطة كمخلوقات ما تحت الارض.
نعمّ لا يلتقي الظلم والحكم يا بني. والحكم لا يأتي الا من الحكمة. والملك ان لم يكن ملكه من فوق يكون حتما من تحت ويغرق في التراب حتى يختنق ويدفن حياً.
ينظر الملك دوما الى العلى الى الشمس، ويغرس رجليه في وحل الارض كي لا يتزعزع، فيصير سلما ما بين فوق وتحت، فالانسان كما يقول شيخ لا يخلص لوحده يا عزيزي. لذا، فمن واجب الملك ان يخلص الرعية كي يخلص هو.
للملك اذنان كبيرتان لسماع الحقيقة ومصفاة دقيقة لا يعبرها الضغن. اذنا الملك كبيرتان لسماع همس الله بألسنة الناس كي يتكلم بالحق، والا تكلم بالامعاء، والغازات لغة الامعاء والمعدة.
ليس الملوك كاملين، انهم يخطئون الا انهم يعودون فيندمون على خطيئتهم ويتلون افعال ومزامير التوبة والا سقطوا وتحولوا الى متسلطين. فالملك يدرك بانه الوكيل لمن هو اصيل ومقيم ابدا فوق ومملكته من حق.
نعم، ليس الملوك كاملين الا ان كمالهم لا يبان الا بمعرفتهم بنقصهم وضعفاتهم. معارك الملك دوما هي مع نفسه، حروبه في وجه المتسلط المقيم دوما فيه، فعلى الحكيم المتواضع ان يغلب المتسلط في النفس ابدا كي يصون الملك الملك الذي اؤتمن عليه.
غالبا ما تغوي الحية الملوك فيتعرون ولا يعرفون، فيصيرون ينظرون الى الناس كأرقام ويصير الناس يتطلعومن اليهم كطغاة. فتصغر اذني الملك وتبلق عيناه وتتجمدان. يشلح هموم الناس وبحث عن البهرجة واللذات. يتعرى وما يعود يجد رداء يستره ويقيه برد الايام. يروح يبحث عن رداء، فيبتاع الكثير من الثياب ويبقى يهتز من البرد ويشعر بأنه عريان.
ويشعر بالجوع، ويجوع كثيرا، فيروح يبحث، فيملأ جوفه بمآكل الدنيا ولا يشبع. ويبدأ يشتهي كل نساء الارض ولا يجد امرأة واحدة تريحه وقد خسر زوجته التي اضحت ديكور بلاط.
يشعر بان شيئا ما ينقصه، فيمضي يبحث، فيسعى ان يجعل كل الركب تسجد له، الا انه لا ينفك ويشعر بأنه مستعبد، فيروح يبحث عن المزيد من الركب ظنا منه انه ان استعبدهم وجد الحرية، فلا يجدها ولن يجدها يا ولدي.
يشعر بالخوف ويفقد سلامه الداخلي، فيشن الحرب تلو الاخرى ويبيد البشر كي تغمض له عين وكي يشعر بالامان، وعيناه لا تغمضان ابدا.
يبحث عن البهجة فيستقدم افضل مطربي العالم وفرقه الاستعراضية الا انه لا يجد السعادة.
يسقط الملك ويصبح تعيسا وعريانا وجوعانا ووحيدا حتى انّ الشحاذ يشفق عليه. مسكين هو من يعيش لنفسه فتفقد نفسه قيمتها حتى الجوع والموت بردا. فالانسان يقتات محبة يا ولدي من لدن الله نازلة على اخيه الانسان. نعم، لا يسر الانسان الا اذا وجد لحياته معنى ومعنى حياتك لا تكتمل الا بخدمة غيرك ومجتمعك واناسك والتحسس لمشكلاتهم. لا تدرك الفرح يا صغيري ولا تصير ملكا الا اذا ما صرت انسانا يتحسس آلام غيره ويحيا لغيره والا فمصيرك الغرق في بحور نفسك حتى الموت المدوي.
هذه قصة الملك يا ولدي، والملوك ما عادوا كثرا في عالمنا، اذ كثر فيه المتلسطون حتى الافناء. كن ملكا ولا تكن متسلطا ابدا. كن ملكا والملك يملك على نفسه اولا، فتسود على عالمك بالمحبة والخدمة. وانا على ثقة بأنّ الله سيقيمك شريكا له في ملكوته. كن ملكا يا ولدي على نفسك وعلى غرائزك فتسمع همس الله في اذنيك من افواه وانوار وظلال، وسيشتهي ملكك حينها كل متسلطي الارض واغنياءها ومتعلميها الذين سيسعون الى انتزاع ملكك منك ولن يقدروا لانه من سلام ومحبة لا تفتران، لانه سيكون من فوق.
 

  • شارك الخبر