ما عساي اغني لك يا بيترسبورغ؟ أأغني لك اغنية في البال سمعتها في مسرح قصر يوسيبوف حيث اغتيل راسبوتين؟ ماذا اغني لك يا مدينة متملكة وجميلة تلطخ ثوبها بالدماء؟ شهوة سلطة انت اشتهاها القيصر بولس الذي خنق في قلعته. كره الابن امه الملكة وتآمر البكر على ابيه القيصر في سبيل عينيك، ولما استفاق القيصر الجديد وجد روح والده تلاحقه، فأمات القيصر فيه بعد ان هزم نابوليون وقيل انه ولد راهبا مجهولا في برية سيبيريا يسير على دروب التوبة. هذه قصصك يا مدينة متملكة عشقها الملكوك وعشقتهم حتى حدود الموت المدوي.

مدينة بطرس يا عروس القياصرة انت الاجمل ما بين المدائن والاكثر تقلبا ما بين مطارح البشر. منك خرج من حاول قتل الاله في الناس واعتقد انه دفنه في الكنائس بعد ان صلبه من ادعى انه يحكم بسلطانه. لكن ابلغيني يا مدينة القصور والقنوات والقصص الدامية، كيف تبدل اسمك ثلاثا في ثلاث قرون؟ ألعلك كنت تهربين من بعض ماضيك؟ ما بالك يا مدينة الرئيس القيصر بوتين تنظرين الينا هكذا؟ ابلغيني يا مدينة ماذا اطعمت القياصرة ومن اي نبع سقيتهم؟ وها انّ قيصرك الجديد اتاك مستعرضا اسطول الشمال كبطرس كما في الامس. وانت تقتاتين عسكرا وقصص حروب لا تنتهي يا مدينة الشمال.
وقفت في كاتدرائية الدم المهروق وتأملت في الدماء والموت وترجيت القيامة. صليت لمليون عسكري ومليون مدني قضوا دفاعا عن عينينك الزرقاوين.
بيترس بورغ يا مدينة ثورة البولشيف في ليالي تشرين في ساحات قصر الاشتاء التي بدأت بنغم وشجن وانتهت بدماء، انتهت بتنصيب الزعيم الاها كره الاله ودمر الكنائس كي لا يقال يوما بانه ميت لانّ الله حي. طردوا الروح منك فأستكانت وما ماتت، وها هي قد استفاقت.
الا فابلغيهم يا كنيسة القيامة، يا كنيسة الدم المهروق، كيف نجوت من الديناميت! لكن لماذا حاولوا محوك اصلا؟ ايكون جمالك قد ازعجهم؟ ام انّ قببك البصلية الطالعة كشموع تنظر الى فوق قد ذكرتهم بمن هو فوق؟ نجوت حتما كي تقولين انّ الله حي والانسان لا يحيا الا بمحبته. ولو انك زلت لكانت قصة القيصر الذي الغى نظام الاستخدام، فأغتيل، قد زالت.
سيدة كازان الا فتكلم وابلغيهم كيف انك لم تهجر الارض والشعب حتى عندما هجروك! لم تنفك تعيشين حتى في افئدتهم وقد حملوك وطافت بك الطائرات عشية حصار المدينة كي لاتسقط، وما سقطت. وبقيت سان بيترسبورغ عروس المدائن وموطن قصص من جاهدوا كي يبقوا انوارا في ازمنة الاضطهاد.
سان بيترسبورغ يا مدينة قصور كاترين وبطرس وبولس الذين لم يعرفوا انّ قصورهم الرائعة هي قبور لا تتسع للحياة. رائعة قصورك الا انها مخيفة وقد بنيت من جيوب المعدمين والفقراء، ملعونة هي وقد استعبدت الناس وحاولت وضع الله في قوالب المتسلطين، فسقطوا هم وبقي هو بقيت قصة لمدينة تنظر الى فوق ايضا. سان بيترسبورغ يا مدينة سرقت من قلب صديقي قطعا، وقد اودع ابنه هناك وهو لم يقدر هو ان يراه، فكان ان بكى وابكاني معه فيك. حملني اشواقا وكلمات تمتمتها للريح علّ الريح تنشدها قصة رجل اودع نفسه وروح ولده ما بين روابيك.
سان بيترسبورغ يا بندقية الشمال التي لا تنفك تنظر الى امستردام وباريس وبرلين ولندن. لا ينقصك يا مدينة الجليد والصقيع الا شمسا تذوب ثلج الايام وتمحو القصص الثقيلة التي تعكر صفو عيشك.
سان بيترسبورغ، احببت قصورك وكنائسك وشوارعك وقنواتك وحدائقك، وهي لم تفارقني ولن تفارقني يوما. فكنت اطوف فيها قبل ان اوافيها بالجسد، كنت اطوف فيها طفلا تخطفه القصص الى بلاد الاميرات والثلج والاحصنة والقبب والكنائس. اطوف فيك وانا مغرم ببوشكين والاساطير والموسيقى المجنونة.
مجنون انا يا بيترسبورغ يا مدينة تسحرني وتخيفني. فانا احب القصص واكره الدماء، احبك يا بيترسبورغ مدينة الى فوق. احبك مدينة تضع كل امجادها وقصورها على اقدام المعذب والمعدم والمظلوم. احبك عربة تحملني الى الغيمات. احبك قصة لانتصار الانسان على غرائزه كي يصير يعيش في محبة، فيصير شريك الاله في ملكوته، فيسود العدل والسلم ولا يعود من لزوم للحرب من بعد.
رحت أتأملك يا مدينة الاقنية والقبب من شباك فندقي حيث حبيبات المطر كانت تهطل على القبب والقصور والذكريات. كانت قببك البصلية الخضراء والمذهبة المذهلة تخاطبني وتدعوني الى البقاء، الا ان زيارتي واشكت على الانتهاء، وقد سألني طفلي ان احضر له شيئا من سان بيترسبورغ. أتراني ماذا احضر له ولامه ولاخيه واخته؟ أأحضر لهم دمى وماتيوشكا وزينة؟ كلا، فسأحضر له قصص بوشكين وانغام تشيكوفسكي وعرض المارينسكي وقصة الدليلة التي عمدتها امها سرا خوفا من ابيها. سأبلغهم يا عزيزة بين المدائن، كيف تمرد بعض اناسك ثم عدت الى ربك تائبة. نعم، لن انفك اتلو قصصك المثيرة على مسامعهم. وافيتك وترا في قيثارة انطاكية وها انّ الوتر يعود الى بيته والى زوجته واولاده كي يعزف انغامك الجميلة عبق عطر مدينة تسلطت وسقطت ثم عادت فقامت جميلة ومتجددة. سان بيتر سبورغ وداعا ولا تنسي همسات حاج طاف في شوارعك وقنواتك بحثا عن قصص طفولته وتاريخه وبعضا من تاريخ احبه. سان بيترسبورغ يا مدينة قصص جدتي لن اقول وداعا بل الى اللقاء يا باهرة. شكرا لك ولاهلك وتفضلي بقبول محبة حجاج وافوك من المشرق.