hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - العميد المتقاعد دانيال الحداد

الاعتصام بحبل الجيش أو الخراب الكبير

الأربعاء ٢٠ تشرين الأول ٢٠٢١ - 00:00

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا يوجد جيشٌ في عصرنا الحاضر، عانى ما عاناه كالجيش اللبناني. عواصف من كلّ اتجاه  ما انفكّت تصارع لبنان الصغير، فيما الجيش وحده يحمل عبء الصمود والدفاع عن هذا الوطن، جاهداً بسواعد جنوده وصدورهم المتوثّبة حيناً،  وبالوعي الممزوج بالصبر والتضحية ونكران الذات حيناً آخر، للحؤول دون سقوط ما تبقى من الهيكل الوطني شبه المتداعي فوق رؤوس أبنائه جميعاً.

أزمات فئوية دائمة بلبوس سياسي أحياناً، فرضها قدر لبنان أن يكون مختبراً حقيقيّاً لتلاقح الحضارات والثقافات، وهو أصعب أنواع التلاقح، كونه يرتكز على التنوّع المتوازن أو شبه المتوازن في الطبيعة والعدد والتأثير والارتباط.

وأزمات إقليمية قديمة مع العدوّ الاسرائيلي، ومستجدّة في المحيط الإقليمي، لفحت نيرانها  أسوار هذا الوطن بدايةً، ثم امتدّت لاحقاً إلى الداخل عبر تدفّق ملايين النازحين الذين باتوا يشكّلون أكثر من نصف الشعب اللبناني.

وأيضاً، أزمات أيديولوجية موغلة الجذور، هي نتاج الصراع الطائفي والمذهبي المتناسل في الشرق عبر التاريخ، تتخطّى في أبعادها العميقة حدود الوطن إلى الأقاليم القريبة والبعيدة، وربّما إلى القارات وجهات الأرض الأربع.

ثمّ أزمات اقتصادية ومالية زاحفة، هي نتيجة حتميّة لحقبة مديدة من سوء الإدارة والهدر والفساد والتبذير والشعبوية الرخيصة، وقبل أيّ  شيء نتيجة حتميّة لعدم إيمان الجماعات المختلفة بالدولة والكيان بما يكفي، واعتبارهما مصدراً محلّلاً للغنائم الإلهية السخيّة.

كان من الطبيعي لهذه الأزمات المختلفة أن تضعف مناعة الوطن وتفرز أحداثاً متنوعة، فمنذ العام ٢٠٠٥ ولغاية اليوم، لم تخلُ سنة من اضطرابٍ أمنيّ أو اجتماعيّ أو سياسيّ ، وكان الجيش وحده السدّ المنيع في مواجهة هذه الاضطرابات، وقد نجح في ذلك،عبر استخدامه  أسلوب العمليات الجراحية الدقيقة في صراع أهل الداخل، وأسلوب الحزم في مواجهة التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود.

لم يكفِ الجيش تحمّل أوزار تلك الأزمات المتضافرة، وخصوصاً الأزمة الاقتصادية والمالية الأخيرة التي أنهكت قدراته اللوجستية والميدانية، وأحكمت الخناق على رقاب جنوده وأفراد عائلاتهم، حتى أتت أحداث الطيونة المشؤومة، لتنذر بأنّ الطريق إلى الحرب الأهلية باتت سالكة، إذا لم يتدارك المسؤولون الموقف بسرعة، ويحولوا دون تأجيج الشارع الذي على ما ظهر، بات مستعدّاً للتملّص من موجباته الأخلاقية والاجتماعية والوطنية، ولكن مرّة أخرى، وقف الجيش بقيادته الشجاعة والحكيمة وتفاني جنوده، بالمرصاد لهذا الانزلاق الخطير، ونجح في محاصرة الفتنة وسحب البساط من تحت أقدام العابثين والمغامرين.

على ضفاف ما حصل، تبقى مجموعة أسئلة نوجهها إلى من يعنيهم الأمر، إلى متى يستمرّ الاستخفاف بأرواح المواطنين وحرمة الأحياء والبيوت الآمنة والممتلكات العامة والخاصة؟ إلى متى يستمرّ العزف على أوتار التخوين والتخوين المضاد؟ والأهم، لماذا يثار غبار التشكيك من قبل هذا الفريق أو ذاك بدور الجيش، الذي تزجّ به الأحداث بين المواطن والمواطن، بين النار والنار، بين اختيار السيّء أو الأسوأ؟

اعلموا أيها السادة، أنّ الجيش هو الرصاصة الأخيرة في بندقية الوطن، فسارعوا قبل فوات الأوان إلى تسليحه بكامل ثقتكم، وإلى احتضانه برموش عيونكم، وإلاّ أنتم ذاهبون بملء إرادتكم وقراركم ومعكم الوطن بأسره إلى  الخراب الكبير...

  • شارك الخبر