التأييد الشعبي والسياسي لدعوة بكركي الى "حياد لبنان" شكل صدمة لدى جمهور حزب الله والقوى السياسية التي تدور في فلكه، وهذا ما عبر عنه أكثر من طرف سياسي في قوى الثامن من آذار وداخل بيئة الثنائي الشيعي الذي استشاط غضبا على مواقع التواصل الاجتماعي وذهب بعيدا في اتهاماته وتعليب "العمالة" كماركة مسجلة لمنتقديه.

يبحث الحزب عن سلاح يمكن من خلاله مواجهة بكركي التي تمكنت من خرق الجمود السياسي والرد على سعي الحزب لمؤتمر تأسيسي جديد بطرح الحياد الايجابي للبنان، ما اعتبره الحزب رسالة موجهة اليه من الخارج قبل الداخل الذي زادت نقمته ضد الحزب لاسيما بعد ثورة 17 تشرين، فبادر حزب الله الى الحرب الناعمة من خلال خطوات عدة كان ابرزها زيارة السفير الايراني الديمان حيث كرر من هناك دعم بلاده للبنان أما مضمون الزيارة فتلميح ايراني بدعم المقاومة وتمن بالاقلاع عن فكرة الحياد، ولكن الرد جاء على لسان النائب العام البطريركي المطران سمير مظلوم الذي اشار الى ان زيارة السفير الايراني مرحب بها لكنها حتما لا تبدل بقناعات سيد بكركي.

هذه القناعات سارع البطريرك الراعي الى التأكيد عليها ولم ينتظر النهار ليمضي على موقف رئيس الحكومة حسان دياب من الديمان والذي رأى  فيه أن مسألة الحياد سياسية ليؤكد في القداس الاحتفالي بعيد القديس شربل من بقاعكفرا أن ما طرحه في عظاته حول الحياد هو من البديهيات في تاريخ لبنان، ليكمل في عظته يوم أمس الأحد الشرح الذي يقتضي برأيه وجود دولة قوية بجيشها وقوانينها وعدالتها، وهو مفهوم يصوب حكما على سلاح حزب الله كونه محط خلاف بين الاطراف المؤيدة لوجوده والمعارضة التي تريد الدولة التي وصفها الراعي وبالتالي فان ما قاله البطريرك الماروني يقطع الطريق على كل محاولات الالتفاف التي عمل عليها حزب الله، واخمدها في مهدها.

يعلم الحزب أن اطلاق هكذا مواقف ليست وليدة ساعتها ولاسيما أن التواصل بين الفاتيكان والدول الاوروبية من جهة وبعض الاطراف المسيحية مستمر بل زادت وتيرته في الفترة الاخيرة، الى حد شبه أحد الاقطاب المسيحيين وضع حزب الله ب "جريندايزر"  الذي وقع ارضا واصيبت اطرافه مدنا ومناطق، والمسألة اليوم تتعلق بالفترة الزمنية التي تستغرقها والاضرار الناجمة عن هذا السقوط.

رهان حزب الله في ظل ما نشهده من تطورات يبقى على كرسي بعبدا ووضعه في مواجهة الكرسي البطريركي في الديمان، لاسيما وأن بعض المحللين والسياسيين المقربين من الحزب يطرحون علامات استفهام مقصودة لما يجري على خط بعبدا بكركي، ابرزها فشل القمة التي دعا اليها الرئيس ميشال عون حيث اقتصر الحضور على اهل البيت باستثناء رئيس تيار المرده سليمان فرنجية الذي قاطع الحوار مع القوات والكتائب اضافة الى تيار المستقبل فيما غاب رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط وأوفد نجله تيمور، في حين برزت دعوات من قوى سياسية عدة ومن بينها التيار الوطني الحر باتجاه بكركي آملة من سيدها بشارة الراعي توجيه دعوة لحوار موسع في الصرح. ويشير مقربو حزب الله الى ان بكركي باستطاعتها حشد العدد الكبير من الاقطاب وتأمين "النصاب الطائفي" الذي فقده رئيس الجمهورية على طاولته.

ويقرأ هؤلاء ايضا في الاصداء التي تلت مواقف الراعي وعبرت عن موافقتها العلنية لطرحه واستذكرت محطات تاريخية وقفها الصرح البطريركي في الدفاع عن سيادة واستقلال لبنان، خطوة لذر الرماد في العيون وتجييش الشارع نحو البطريرك الراعي وشيطنته، وهذا الامر سرعان ما استدركه رئيس التيار جبران باسيل الذي حضر الى الديمان ومن هناك غمز من قناة "المقاومة" داعيا الى التفريق بين التحييد وهو ما قام به لبنان بقرار ذاتي من تلقاء نفسه وطبقه واجمعنا على تسميته ​النأي بالنفس، وبين الحياد الذي وضعه باسيل بين اطراف عدة يتوافقون عليه لكي يطبق راميا الكرة في ملعب دول الجوار التي عليها أيضا أن تأخذ القرار نفسه، وبالتالي فان دعوة البطريرك برأيه لا يمكن تطبيقها كشعار بل يجب ان تطرح على الدول التي للبنان حدود معها وهذا الامر قد يبدو بعيد المنال نظرا لنقاط الخلاف الموجودة مع سورية واسرائيل اضافة الى ان الكلام عن حياد يدخل دولتين في التفاوض وهذا الامر مستحيل في الحالة الموجودة بين لبنان واسرائيل.

وفي كلام باسيل محاولة "رئاسية" للتخفيف من اندفاعة بكركي وفق مصادر التيار الوطني الحر، ودعوة الى الاطراف التي استثمرت كلام الراعي للنظر بتعقل ومقاربة الامور بشكل منطقي بعيدا عن الحماسة، وتوضح المصادر أن التيار لن يدخل في بازار المواقف التي تفقد كلام الراعي مضمونه وتحرفه فالامور برأيها لا تستقيم الا بحوار وطني شامل.

وحزب الله يقف خلف ساحات الاطراف ويراقب ويعمل على تقطيع الوقت ريثما تنضج المفاوضات الايرانية الاميركية والطريق التي يمكن أن تسلكه في ضوء تطورات الاشهر القليلة المقبلة.

وبين مصالح حزب الله والكباش الداخلي واللعب على تباينات بعبدا، بكركي تسأل اللبناني عموما والمسيحي على وجه الخصوص عن اختياره بين بعبدا وبكركي فيقول لك، اختار السفارة الكندية أو اي سفارة تعطينا تذكرة  "One Way Ticket