hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - رانيا حتّي

تحويل آيا صوفيا الى مسجد: مصالح استراتيجية في المعادلة الإقليمية

الثلاثاء ١٤ تموز ٢٠٢٠ - 00:01

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بعد مضي ست سنوات على انتخابه رئيساً لتركيا، قرر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، في ظلّ الفوضى الدولية، تحويل كاتدرائية "آيا صوفيا" إلى مسجد وفقاً لحكم المحكمة الإدارية التركية العليا. تلك الخطوة استدعت استنكاراً واسعاً من المجتمع الدولي، خاصة من اليونان المجاورة لتركيا، ومن البابا فرانسيس الذي أعرب عن "ألمه للغاية" لإتخاذ هذه الخطوة. بالمقابل، إعتبر أردوغان بأن قرارالتحويل هذا "سيسجله التاريخ في صفحاته" مؤكداً بأنه لن يسمح لأي دولة بالتدخل في الشؤون التركية الداخلية.

لا شكّ بأن تلك الخطوة من جانب أردوغان لم تأتِ عن عبث، إنما تحمل في طياتها خلفيات وأبعاداً جيوسياسية تتخطى الحدود التركية. فما هي تلك الأهداف الحقيقية وراء تحويل "آيا صوفيا" الى مسجد؟ وكيف ستكون تداعياتها على منطقة الشرق الأوسط؟

الاستراتيجية الإستيلائية التركية في منطقة الإقليم تتلخص بالتالي:

أولاً، إن الرئيس التركي يحاول استعادة أمجاده من بنغازي الى باتومي من البوابة الدينية، من خلال استنهاض الشعوب عبر إثارة الشعور "الإخواني"، بعد  فشل ما يسمى "الربيع العربي" من إبقاء الإخوان المسلمين في الحكم، خاصة في مصر بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي.

ثانياً، يسعى أردوغان الى البحث عن سبيل لتأييد الرأي العام "الإخواني" في العالم العربي بما فيه مصر، خصوصاً إذا ما حاولت القاهرة التدخل في ليبيا عسكرياً، بعدما تبين بأنها تُجري تدريبات ومناورات عسكرية، إلى جانب التصعيد الكلامي في التصريحات الحاصلة بينها وبين انقرة.

ثالثاً، لا شك بأن الأهداف الجيوسياسية لتركيا كما لأغلبية الدول، تتمحور حول المخزون الهائل من الغاز الطبيعي في ليبيا، فضلاً عن السباق الحاصل بين تلك الدول بما فيها روسيا، الولايات المتحدة الأميركية، مصر وتركيا للحصول على تلك الثروة النفطية والاستفادة منها.

انطلاقاً من ذلك، نجد في المعطيات الإقليمية، بأن تلك الحالة "الإخوانية" المستجدة سوف تكون الرافعة الأساسية لمصالح تركيا الجيو - سياسية (النفطية)، والجيو-الثقافية (الإخوان المسلمون)، وهو ما تخشاه مصر من حيث التعاظم "الإخواني" على حدودها، ويدعوها للقلق من التمدد التركي الإخواني في المنطقة. تلك االتصرفات التركية، يعتبرها الرئيس السيسي تهديداً لأمن مصر القومي، خاصة بعد موافقة البرلمان التركي على تفويض اردوغان بما يسمح له بإرسال قوات تركية إلى ليبيا، والذي يدخل من ضمن إطار اتفاق التعاون الأمني والعسكري الذي حصل السنة الماضية بين فايز السراج والحكومة التركية.

كل ما يحصل إذاً، إستنفر الخارجية المصرية، فأرسلت تحذيرات بلهجة قاسية من مغبة أي تدخل عسكري تركي في ليبيا، وبالأخص إذا حاولت قوات حفتر اقتحام مدينة "سرت" الجيو- ستراتيجية. إن مثل هذا التدخل سيؤثر سلباً على استقرار منطقة البحر المتوسط، بالإضافة إلى تحميل تركيا مسؤولية ذلك كاملة (بحسب مصادر الخارجية المصرية).

لهذا، وانطلاقاً مما تقدّم، يمكن اعتبار أن أي تدخل لتركيا في ليبيا سيكون بمثابة إعلان حرب، لاسيما بالنسبة لمصر، وعندها قد تصبح ليبيا ساحة حرب بين البلدين.

أما في المعطيات الدولية، تُقرأ خطوة أردوغان بتحويل "آيا صوفيا" إلى مسجد، من ضمن السياق الإستفزازي أيضاً لروسيا، التي تضع أيضاً ثقل أنشطتها في ليبيا الغنية بالنفط. فيما ترفض موسكو بالتالي أي تدخل تركي في ليبيا. في الوقت ذاته، شَكّل تحويل "أيا صوفيا" الى مسجد إحراجاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ذلك إنّ معاداته لأردوغان في هذا التوقيت الحساس، لن يُفيد موسكو بشيء، خصوصاً بعد عقد القمة بين الثلاثي موسكو- طهران - انقرة. كما أن سيد الكرملين يحاول الإمتناع عن أي تصريح بشكل علني أو شجب القرار التركي بقضية "آيا صوفيا"، تفادياً لأي صراع مع الطرف التركي، لما لروسيا من حاجة للمنافذ البحرية على ضفتي البوسفور والدردنيل التي تُشرف عليها تركيا، و نظراً لأهمية تلك المضائق الجيو - إستراتيجية بالنسبة لموسكو. لذلك إن أي تهديد أو اهتزاز في العلاقات التركية - الروسية بعد استغلال أردوغا لهذا القرار لمصالحه في المنطقة، سيضر بالمصلحة الروسية قبل التركية، فيما يسعى بوتين ليكون مصدر تعاون بين الدول لا مصدرتنافس.

يتضّح من خلال قراءة خطوة القرار "الأردوغاني" الجيو - سياسي، بأن قرار تحويل كاتدرائية "آيا صوفيا" إلى مسجد في هذا التوقيت اللافت والدقيق، خطوة مدروسة، وممنهجة بحنكة وذكاء، وتحمل أبعاداً جيو - أستراتيجية تتخطى المعطى الجغرافي التركي. لهذا اعتبر إبراهيم نجم مستشار مفتي مصر، بأن تحويل المعلم الثقافي الى مسجد "لعبة سياسية خطيرة".

من هذا المنطلق، يمكن اعتبار ما حصل من جانب أردوغان أيضاً محاولة استفزازية، تدخل في إطاراستعادة النفوذ العثماني بعد اندحاره وخسارة أمجاده الماضية من جهة، والتخطيط لإستراتيجية إستيلائية على المنطقة الإقليمية من جهة ثانية. كل ذلك سيعزز الحضور التركي أكثر في كافة الدول العربية، ويُضعف حضور الآخرين مثل روسيا ومصر. فهل ستكون ما بعد خطوة تحويل كاتدرائية "آيا صوفيا" نهاية أم بداية لعصر عثماني جديد سيغيّر معالم منطقة الإقليم من جديد؟

 

  • شارك الخبر