hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - بياريت فريفر

الممنوع مدعوم والمدعوم ممنوع!

الخميس ٢٢ نيسان ٢٠٢١ - 00:01

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لبنان بلدٌ كثرت فيه التناقضات، بلدٌ اختلط فيه الحابل بالنابل، بلدٌ يفتّش عن مشكلات الدنيا ليصارعها وهو غير قادرٍ على أن يعالج أبسط مشكلاته المتكاثرة. فهو يغرق في مستنقعٍ يفتّش عمن ينقذه من وحله، بعدما ضاقت به سبل المساعدة التي امتزجت بصراعات سياسيّة واقتصاديّة داخليّة وخارجيّة، هدّدت هويّته وأصالته بأطماع من يرونه لقمةً تُبلع.
ففي ظلّ إطلاق مؤسساته ومرافقه أنين الموت، وفي ظلّ انهيار القطاع الخاص، حيث إن المزارع يتخبّط بين غلاء الأسمدة والعلف وبين الفقر والجوع، إذ بات يفتّش بين رفوفه المنسيّة عن أساليب ومعدّات تخلّى عنها منذ زمنٍ ليعيد إحياءها، علّها تكفكفه من جوع القهر والذلّ. وحيث إن الحرفيّ والصناعيّ يُقفِل أبوابه ليعود أدراج بيته يطلب دعاء الفرج، أو يصعد أدراج الطائرة ليعيل العائلة. ففي ظلّ هذه الأوضاع المزرية، لا يزال تجار الهيكل يتابعون استباحتهم لقوت الفقير لينهبوا ما تيسّر أمامهم ويسرقوا ما تبقّى في جيوب المواطنين، ولا زالت الدولة تراقب عن بعد عاجزةً عن القيام بشيء وكأنها هيكلاً من دون روح.
لقد ضاعت في هذا الوطن النصوص القانونيّة وأحرف موادها بين غبار النسيان وفي جوارير "النمليّة" (حكايا زمان)، ليتسنّى لمن أحكم سيطرته على مفاصل هذا البلد القيام مع من يناصرونه بتشريع الممنوع و"دَستَرة" الخطأ، ليقوموا بأعمال التهريب خارج الحدود من دون حسيبٍ ورقيب، في وقتٍ يتضوّر أبناء الوطن جوعاً وفقراً، يتنازعون ويتقاتلون على فضلات تجّار الهيكل وتجّار الوطن، من طحين وسكر وزيت... "مدعوم". في وقتٍ غدت تجارة الممنوعات "الطريق المستقيم" لعيشٍ رغيد، وفي وقتٍ غدا فيه الإحتيال شطارةً مطلقة لنهش ما تبقّى من ضميرٍ وإنسانيّة. لقد علا أنين اللبناني الذي لم يعد قادراً على شراء المواد الغذائيّة والحليب والأدوية ليعيل عائلته، وقد بات الإحتفال بالأعياد والأمسيات الرمضانيّة كابوساً يُرهق كاهله وهي التي طالما كانت مصدر البهجة والتلاقي.
يعمد زعماء الوطن إلى إسكات المواطن، الذي أصلاً تعوّد أن يصفّق لهم، "بكرتونة إعاشة" أو ببطاقةٍ شرائيّة وما شابه، أو أن "يشحذّوه" رغيف خبزٍ، في وقتٍ لا زالت الدولة تتخبّط بين خططٍ واستراتيجيّات على إصدار بطاقاتٍ تموينيّة لمن هم أهل لها. فإذا أردتم أن تعرفوا من هم المؤهلون للحصول على بعضٍ من حقوقهم فلكم من التاريخ القريب أمثلة. هم الذين حصلوا على قروض الإسكان بالمليارات وحرموا الشباب منها، هم الذين حصلوا على أموال المودعين في المصارف وحرموا أصحابها منها، هم الذين دعموا المواد الغذائيّة من جيوب اللبنانيين لتكون سلّةً تموينيّة لغير أصحابها.
بالفعل، لقد اعتاد اللبناني في جمهورية "الفلفل"، أن يحصل على كامل حقوقه وأن يعيش في جمهوريّةٍ تلوّنت بألف لونٍ ولون وطعمها حارّ ولاذع.
أمام هذه المشهديّة، لا يزال اللبنانيّ يرى في زعيمه "إله الطائفة" وحامي حقوقها، ومن يمسّه بعبارة أو ما شابه يستحقّ نار جهنّم، وهو مستعدّ لأن يقدّم نفسه كذبيحة لهم وليس للوطن. فقد اعتاد هذا البلد على عبادة زعماء الطوائف وتقديسهم، برغم كلّ الويلات والمصائب التي ألحقوها به وبشعبه. فقد أوقدوا في الشعب نار التعصّب الأعمى ليتقاتل فيما بينه، بينما هم يسرحون ويتاجرون بمقدّرات الوطن ويعقدون صفقاتٍ شكّلت لجيوبهم أرباحًا طائلة وللمواطنين مرارة الفقر الذليل.
فما يعيشه لبنان اليوم، ليس وليد الأمس القريب، ولا وليد شخصٍ دون آخر أو وليد حاكم اليوم، إنما هي عمليّة تراكمت على مدى عشرات السنوات، انفجرت في السابق وولّدت حرباً دمّرت ما تبقّى من مواطن، لتعيد نسج مجتمعٍ غير متجانسٍ يرى في الإختلاف خلاف، وفي النظام فوضى، وفي الحريّة عبوديّة. فلم يكن يوماً هذا التنوّع إلا مصدراً للنزاعات والخلافات، ولم يكن نظامه إلّا معبراً لتشريع الفوضى والفساد، ولم تكن حريّته واستقلاله إلّا إحتلالاً لعقول الشعب بأساطير الزعامة والإستزلام.
لبنان بلدٌ لم يعرف يومًا أن يكون بلداً!

  • شارك الخبر