hit counter script

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - العميد المتقاعد طوني مخايل

الديكتاتوريات اللبنانية

الثلاثاء ٢ آذار ٢٠٢١ - 00:07

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تطغى على النظام السياسي اللبناني منذ مئات السنين وما تزال حتى اليوم، ثلاث مميزات تمكّنت من السيطرة على الممارسات السياسية لزعمائه وطريقتهم في الحكم والإدارة، وكانت نتائجها كارثية على لبنان واللبنانيين لناحية الإستقرار والإزدهار، وبرهنت التجارب عبر الزمن عن وجود مُسَكِّنَين وليس علاجين لهذا النظام - المرض أعطيا للبنان وشعوبه فترات قصيرة من السلام والإستقرار، لتعود من بعدها حقبات الحروب والأيام السوداء الطويلة. وهذين المُسَكِّنَين هما إتفاق أهل السلطة في ما بينهم على مصالحهم الخاصة، والثاني قوة ضغط خارجية تُجبرهم على الاتفاق المحدود الزمن.

أفضل من عبَّر عن الميزة الأولى هو المؤرخ اللبناني كمال صليبي في كتابه "تاريخ لبنان الحديث"، حيث أورد ما يلي: "اللعبة السياسية اللبنانية هي لعبة تشمل توالياً من التعاملات المُرَاوِغة بين لاعبين يزعم جميعهم التمسك بأفكار ومبادئ قومية او وطنية تهدف الى خدمة الصالح العام، فيما يسعى كلٌّ منهم إلى الإحتيال على الآخر والإطاحة به، مدفوعاً الى ذلك بولاءات وضغائن وأحقاد بدائية خبيثة، تعود في أصولها الى غابر الأزمان".

اما الميزة الثانية فتقرأها في كتاب "تاريخ لبنان العام" للأديب يوسف مزهر نقلاً عن مقولة لأحد الزعماء اللبنانيين في العام ١٨٥٧ جاء فيها: "لقد أصبحت أمورنا في هذه الأيام تابعة لإنكلترا وفرنسا، وإنه إذا ضرب أحدهم رفيقه تصير المسألة إنكليزية – فرنسية، وربما قامت هاتان الدولتان من أجل فنجان قهوة يُهرَقُ على الأرض في لبنان". واليوم تَزَايَدَ عدد فناجين القهوة ومعها الدول المنخرطة في الشأن اللبناني الداخلي إلى عدة اضعاف.

وتتجلى الميزة المشتركة الثالثة، ظاهرياً وبالعلن، في نظامه السياسي المُسمى ديموقراطي – برلماني، وفي مؤسساته الدستورية وكل ما يستلزمه من الناحية التطبيقية، لجهة إجراء إنتخابات وتداول السلطة وغيرها من لوازم الأنظمة الديموقراطية. اما باطنياً وفي المستتر فتتصدر الديكتاتورية عند حكامه في سياساتهم وقراراتهم وإدارتهم لمؤسسات الدولة ولأحزابهم.

يتشارك لبنان مع بعض دول العالم الثالث هذه السِمات الثلاث في العمل السياسي الداخلي. لكن ومن منطلق التميّز والتفرّد اللبناني، فإن اللعبة السياسية اللبنانية تشتمل على ميزة خاصة عن بقية أمم الأرض، وأعني بذلك تعدّد الديكتاتوريات ضمن الوطن الواحد. فلكل طائفة لبنانية مهما كان حجمها ديكتاتور أو إثنين، يمارسون سلطتهم المطلقة داخل هذه الطائفة من دون مراقبة ومساءلة ومحاسبة، وهي لا تُؤمّن فقط النفوذ والسيطرة بل ايضاً الملجأ الحصين كلما لاحَ خطر ما. وهذا ما حصل منذ قرون وما يزال مستمراً، وآخر تجلياته ما نتج عن حراك ١٧تشرين ٢٠١٩.

التاريخ شاهد على نضال الشعوب السلمي أو العسكري للتخلص من هذه الأنظمة، منها من إنتصر والبعض ما يزال يحاول بإنتظار الظروف المناسبة لذلك. ومن هنا فإن الخلاص الوحيد من هذه الدكتاتوريات الطائفية هو قيام الثوار الجائعين والمقهورين من كل طائفة بالإنتفاضة والثورة على زعمائهم، ويمكن ان تكون العملية متوازية، أي في نفس التوقيت، أو متتالية أي طائفة وراء طائفة. وهذا يستدعي التنسيق الكامل بين المجموعات الثورية، وهذه العملية وتيرتها أسرع وأضمن من المؤتمرات الدولية في التوصل لحل نهائي لبناء دولة حقيقية، فالمؤتمرات الدولية ستكون نتيجتها "تسوية" تتضمن تاريخ تصنيع وتاريخ إنتهاء صلاحية.

في ٢٨حزيران ١٧٨٧، حين وصل مؤتمر صياغة الدستور الأميركي الى طريق مسدود في المناقشات الساخنة حول مسألة التمثيل النيابي في الكونغرس، ومع إرتفاع الحدَّة والإنفعال في المناقشات، إقترح بنجامين فرانكلين وهو من أبرز مؤسسي الولايات المتحدة ان يلجأ المجلس الى الصلاة بحثاً عن الحكمة السياسية التي فاتتهم حتى اللحظة (فرانك لامبرت في كتابه الدين في السياسة الأميركية). وهذه الدعوة يُمكن ان توجّه الى أصحاب القرار والسلطة في لبنان، لعل وعسى ان يُلهمهم الرب الرحمة والحكمة.

  • شارك الخبر