hit counter script
شريط الأحداث

ليبانون فايلز - باقلامهم باقلامهم - المركز اللبناني للدراسات والنشر

أنقرة وسياسات " فرق تَسد" في ليبيا

الثلاثاء ٢٧ أيلول ٢٠٢٢ - 00:03

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تؤدي أنقرة داخل الازمة الليبية دورا معطلا للحلول، و بات واضحا أنه يهدف الى زعزعة  الاستقرار في هذا البلد الذي يعتبره الرئيس التركي رجب طيب أردغان أنه جزء من الارث التاريخي لنفوذ تركيا العثمانية.

والواقع أن أردوغان ينظر إلى ليبيا من ثقب باب قصور السلاطين العثمانيين، ويعتقد بعمق أن هذا المجد العثماني القديم، يتوجب إعادة إحيائه، وذلك عبر أساليب، وأن كانت تحاول أن  تبدو حديثة؛ الا أنها تخدم ذات الاهداف العثمانية البالية القديمة.

ومن منظور الاردوغانية العثمانية، فإن السيطرة من قبل تركيا على ليبيا، يعد واحدا من الاهداف الهامة التي لا بد من تحقيقها فيما لو أرادت تركيا إعادة احياء مجد الامبراطورية العثمانية .

وتتبع تركيا في هذه اللحظة التي تتسم بعودة الصراع الداخلي في ليبيا إلى الاحتدام، سياسات خلط الاوراق في ليبيا، ولكن هذه المرة عبر ممارسة "مناورات متداخلة ومختلفة"؛ فيها "ما هو سياسي"، كإستقبال أردوغان لاول مرة عقيلة صالح حليف خليفة حفتر و"الزعيم الشرقي " (نسبة لشرق ليبيا) في أنقرة، وفيها "ما هو عسكري" كطرد الميليشيات التابعة لفتحي باشاغا من طرابلس الغرب حينما حاول جعل حكومته تستقر فيها، وفيها "ما هو اقتصادي وتسليحي واستخباراتي" ، الخ.

وتهدف كل هذه المناورات التركية المركبة والمستحدثة الى تحقيق غير هدف في وقت واحد؛ أبرزها التالي :

- تعطيل عملية التسوية الداخلية في ليبيا، لان أنقرة ليس لها مصلحة بتسوية ليبية لا تتم في أنقرة أو تحت جناحي تركيا .

- وخدمة لنفس المبدأ الوارد أعلاه، تعمل أنقرة على تعزيز حالة عدم اليقين السياسي  والامني لدى كل القوى الليبية الداخلية، والهدف من ذلك جعل كل القوى الليبية لديها حاجة للعلاقة مع الدور التركي الاكثر حضورا امنيا وعسكريا واقتصاديا وسياسيا، على الارض في ليبيا .

وفي إطار سعيها لجعل معظم القوى الليبية في حالة تبعية لتركيا؛ فتح أردوغان مؤخرا باب أنقرة امام إستقبال زعماء من شرق ليبيا، بعد أن كانت علاقات أنقرة الليبية محصورة بغرب ليبيا .

وهذا الهدف التركي، هو الذي يفسر لماذا استقبلت أنقرة مؤخرا كل من عقيلة صالح رئيس برلمان طبرق، وعبد هلال الالقي نائب رئيس المجلس الرئاسي.

في الظاهر يوحي أردوغان من خلال استقباله هاتين الشخصيتين، أنه يسعى لعقد تسوية بين مكونين ليبيين قادرين على إنتاج تسوية ليبية داخلية فيما لو توافقا؛ وهما البرلمان والمجلس الرئاسي؛ ولكن في العمق، فإن ما يريده أردوغان هو ربط كل مفاصل الحركة الداخلية الليبية بأنقرة، وذلك من أجل تعطيل الحل، وليس من أجل إبرام تسوية، ومن أجل تأجيج الصراعات بينها، وليس من أجل إرساء تفاهمات بينها .

ويلاحظ انه بعد استقبال انقرة لعقيلة صالح ثار في ليبيا سؤال كبير، وهو عما إذا كان لقاء أردوغان بعقيلة صالح حليف قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، يعني أن أردوغان أدار ظهره لحلفائه في غرب ليبيا، وبدأ رحلة مصالحة وتحالف مع الشرق الليبي؟؟. واكثر من ذلك، تساءل طارحو هذا السؤال عما إذا كان لقائه بعقيلة صالح، يعني أن أردوغان أدار ظهره لحكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها الدبيبة، لصالح دعم حكومة باشاغا التي عينها

برلمان طبرق المعبّر عن شرق ليبيا والمنقاد من عقيلة صالح وحليفه حفتر؟؟

والواقع أن هذه التساؤلات تحمل تبسيطا لاسباب إنفتاح أردوغان الآن على شرق ليبيا! ؛ وكل القصة هنا تقع في أن أردوغان يقود في هذه المرحلة في ليبيا سياسات معقدة ومركبة، وتسعى لتحقيق أهداف إستراتيجية تتجاوز مجرد البحث عن بسط نفوذ وما شابه.

وداخل الاهداف الاستراتيجية غير المعلنة التي تتحكم بوجهة نظر رؤية أنقرة لدورها في ليبيا، يوجد هدف مركزي يتوجب على الجانب العربي التنبه له بجدية؛ وعنوان هذا الهدف هو إضعاف أواصر العلاقة التاريخية بين ليبيا وبعدها العربي الطبيعي؛ وذلك من خلال جعل العلاقة الليبية التركية تبدو بنظر الليبيين، وذلك بالاستناد الى تقوية الحضور التركي في ليبيا، أهم من علاقات ليبيا العربية، سواء مع مصر أو مع دول المغرب العربي و الخليج، الخ .

وعليه فإن أكثر طرف معني بمواجهة هذا المشروع التركي في ليبيا، هو الجامعة العربية التي يعتبر الحفاظ على الهوية العربية لليبيا وعلى موقعها الاستراتيجي داخل بيئتها العربية، هو من صميم دورها ومهامها .

والواقع أن إستقبالات أنقرة الاخيرة للمسؤولين الليبيين، أرادت توجيه رسائل بالجملة إلى البيئة العربية والى العالم والى الداخل الليبي. ويمكن فكفكة جزئيات هذه الرسائل التركية من خلال عرض نقاطها الرئيسة، وهي تندرج على النحو التالي :

أراد أردوغان من توالي زيارات رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح إلى تركيا،  نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد هلال الالقي ومن ثم رئيس المجلس الرئاسي خالد المشري، تحقيق هدف يتمثل بفتح الباب أمام حصول أوسع حركة إجتماعات ومشاورات ممكنة بين القادة الليبيين من كل الفئات، وبين تركيا، وذلك على الاراضي التركية. وهدف أنقرة من ذلك تقديم نفسها في صورة أنها مرجعية الشأن الليبي سواء على المستوى الاقليمي أو الدولي..

كما أراد أردوغان القول أنه بعد الفشل الدولي في حلحلة الازمة الليبية؛ وبعد فشل مصر ومعها العرب، في جمع الدبيبة وباشاغا في القاهرة، فإن الطرف الوحيد القادر على جمع التناقضات الليبية هو تركيا .

وإستتباعا؛ وضمن نفس هذه النقطة، فإنه في ظل هذه المرحلة بالذات التي تتميز بإنشغال دول القرار العالمي بأزمة أوكرانيا، فإن أنقرة تطلع إلى أن تستغل لصالحها هذا الفراغ الدولي الكبير الحاصل حاليا في ليبيا، والذي تتوقع أنقرة أنه سيتزايد خلال فصل الشتاء، حيث ان موضوع تدفئة أوروبا، وليس ليبيا أو غيرها، سيكون الشغل الشاغل للعالم .

الامر الآخر الرئيسي الذي يحرك الاندفاعة السياسية الحالية لاردوغان بإتجاه ليبيا؛ هو قناعة موجودة لدى القيادة التركية، مفادها أن أنقرة نجحت في ظل الفترة السابقة من أزمة ليبيا، بعقد إتفاقيات تعاون إستراتيجي إقتصادي وعسكري وأمني مع حكومة السراج المعترف بها دوليا. وهذا يعني - حسبما يقول هذا التحليل- أنه بإمكان أردوغان في ظل تجدد الخلافات البينية في ليبيا، إستكمال عملية إحراز المزيد من إتفاقيات التعاون الاستراتيجي بين أنقرة وليبيا، وجعل هذه االاتفاقيات أمرا واقعا يجب على أي نظام سياسي

مستقبلي جديد في ليبيا التعامل معه. كما أن أردوغان يريد من فتح باب أنقرة لاستقبال كل ممثلي أطياف الازمة الليبية، تسليط الضوء على نفسه بوصفه "مايسترو" قادر على إدارة حوار ليبي وطني بين جميع الفئات الليبية.

وهناك تسريبات مصدرها أوساط سياسية تركية، تفيد بأن أنقرة ترى أنه مع وجود حاجة دولية للاهتمام بمشاكل أخرى حادة تقع خارج المنطقة، فإن هناك إمكانية وفرصة كبيرة لاردوغان بأن ينتزع من واشنطن وأوروبا "تفويض أمر واقع" بإدارة الازمة الليبية .

وهذا التوجه هو الذي يفسر لماذا تحاول أنقرة في هذه الفترة توسيع تكتيكات علاقاتها داخل ليبيا، ذلك لانها تريد الظهور بصفة أن لديها رصيد داخل ليبي يمنحها مقومات نيل تفويض دولي لتولي حل أزمة ليبيا .. ومن هنا أطلقت أنقرة مجموعة مناوراتها الاخيرة التي تظهرها بأنها تدعم الحلول الشرعية وتؤيد بخاصة المباحثات القائمة بين مجلس النواب الليبي في طبرق والمجلس الاعلى للدولة حول تشكيل القاعدة الدستورية؛ وأنها تدعم توحيد شرق ليبيا وغربها، وأنها مستعدة لان تكون جسر حوار بين الطرفين، ولكن ما تريده أنقره بالفعل في هذه المرحلة، هو إبقاء الانقسام قائم بين الحكومتين في ليبيا، لان ذلك يعزز دورها كقوة إقليمية يحتاجها أطراف الصراع الليبي .

وإنطلاقا من هذه الاستراتيجية التي تريد الانتقال من مرحلة بسط النفوذ التركي على جزء من ليبيا (غرب ليبيا) لمرحلة بسط النفوذ التركي على كل ليبيا  (الشرق أيضا)، جاءت جملة مناورات أردوغان السياسية الاخيرة ، خاصة منها إستقبال أنقرة لعقيله صالح والالقي والمشري، الخ..

  • شارك الخبر