hit counter script

ليبانون فايلز - خاص خاص - علاء الخوري

التركيبة الطائفية اللبنانية: احباط مسيحي تراجع سني وتمدد شيعي

الأربعاء ١٢ أيار ٢٠٢١ - 00:06

  • x
  • ع
  • ع
  • ع
اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يختبئ المسيحيون خلف دستور الطائف ليستروا عورات أحزابهم وأجنداتها المنقسمة، ويؤكد بعضهم أن هذا الدستور سلب الكثير من الحقوق التي كانت بيدهم قبل الحرب الاهلية والمبنية على الميثاق الوطني الذي ارتضاه المسيحيون والمسلمون فيما بينهم.
اليوم تبرز قوة الثنائي الشيعي على عكس الاحزاب والتيارات من الطوائف الأخرى لسبب أقوى من الدستور، وتجسدت هذه القوة في وحدة الموقف بين حزب الله وحركة أمل من أجل المصلحة العليا للطائفة، فبات من السهل على الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تفويض الرئيس نبيه بري للبت بأي استحقاق سياسي له علاقة بالطرف الآخر في الدولة، ويظهر الثنائي كوحدة لا تتجزأ عند الحديث عن دورة جمارك أو ضباط أو اساتذة وغيرها من الامور التي يسعى الثنائي الى تحصيل ما أمكن من الحقوق، وفي التفاوض على الحكومة وشكلها وعدد الوزراء تتحدث أمل بلسان الحزب والعكس صحيح، فيتنازل الرئيس الحريري عن وزارة المال للطائفة الشيعية ولو خرق بهذه الخطوة المبادرة الفرنسية او الارادة الأميركية - السعودية، فالرجل لا يستطيع أن يقامر على الميثاقية بغياب الطائفة الشيعية داخل الحكومة ولا يستطيع خرقها أو اللعب بارقام تمثيل الثنائي على تلك الساحة، فالوحدة انتصار وهذا ما دأب على انتهاجه حزب الله والحركة بالتكافل والتضامن بينهما، وكل تفاصيل المعارك والاشكالات والتباينات لدى القاعدة "مقدور عليه"، طالما ان الامور الجوهرية التي تمس بكيان الطائفة الشيعية مقدسة ومتفق عليها.
أما الطائفة السنية ما بعد الطائف، فيمكن تقسيم دورها داخل السلطة الدستورية والتشريعية اللبنانية الى مرحلتين الاولى قبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري والثانية بعد زلزال ال 2005 ودخول الرئيس سعد الحريري المعترك السياسي كزعيم لهذه الطائفة.
في المرحلة الاولى جاء الحريري الاب مدعوما بصلاحيات استثنائية كرسها الطائف للسلطة التنفيذية، تمكن الرجل من الحفاظ عليها من خلال فهمه التركيبة اللبنانية القائمة على قوة الطائفة كمدخل جوهري لقوته على الصعيد الوطني. لم يستطع احد منافسة الحريري الاب على زعامة الطائفة التي كانت صفا واحدا خلف تيار المستقبل فكان الحريري الاقوى على الساحة اللبنانية عبر تفاهمه مع حزب الله المشغول بأمن الحدود جنوبا فيما تفاهم مع الرئيس نبيه بري على ادارة الدولة، وقد ساهم ضعف العنصر المسيحي بغياب الاحزاب الكبيرة كالقوات والكتائب والعونيين آنذاك بقوة هذا الحلف وتمكنه من السيطرة على مفاصل الدولة، ويمكن القول ان هذه المرحلة كانت ذهبية بالنسبة للطائفتين السنية والشيعية في لبنان بفعل تقاسم المصالح بشكل متين واستغلال غياب الاحزاب المسيحية الاساسية عن المشهد اللبناني.
ما بعد شباط ال 2005 تبدل الموقف وكان النظام السوري يحضر لنسف القوة السنية في لبنان بالتزامن مع صعود نجم ايران في المنطقة وعودة حزب الله الى الداخل عقب التحرير عام 2000. ولاشك بأن الغبن الذي لحق بالمسيحيين استنفر قياداتها التي اطلقت النفير العام مع نداء المطارنة الموارنة الشهير عام 2000 وما تلاه من احداث راكمت الأزمة التي انفجرت بموت الرئيس رفيق الحريري وتسلم نجله سعد زعامة المستقبل.
المرحلة الثانية جاءت على عكس الاولى، انتكاسات بالجملة اصابت الطائفة السُنية مع ارتباك واضح في ادارة السياسة العامة في البلاد من قبل رئيس المستقبل، ساهمت بصعود مشاريع زعامات بديلة ومن مدارس مختلفة عن تلك التقليدية التي كان يمثلها الرئيس عمر كرامي او الرئيس سليم الحص، فكان للرئيس نجيب ميقاتي مشروعه كما برز جناح "الخوارج" داخل التيار الازرق من الوزير السابق اشرف ريفي الخارج من عباءة بيت الوسط الى الوزير السابق نهاد المشنوق وغيرهم من الشخصيات التي انتفضت على سياسة الرئيس سعد الحريري، وصولا الى شقيق الرئيس سعد الحريري بهاء الذي دخل حديثا المعترك اللبناني وهو ينتظر ساعة الصفر للاعلان عن طموحه السياسي في لبنان.
خسرت الطائفة السنية دورها السياسي مع تعدد المشاريع وبروز شخصيات منافسة لزعامة الطائفة، وهذا الامر انعكس سلبا على دورها الذي تراجع كثيرا لصالح أطراف أُخرى. وعلى الرغم من الصلاحيات الدستورية التي أعطاها الطائف لرئيس الحكومة الا أن الانقسام في البيت الواحد أفقد الرئاسة الثالثة الكثير من الصلاحيات "الميثاقية"، وقد تمكنت الاطراف المستفيدة من هذا الواقع بالضغط لايصال شخصيات تدور في محورها وتنفذ أجندتها، ويعلم الشارع السني جيدا بأن الرهان على الدستور لاسترجاع الصلاحيات غير ممكن في ظل غياب وحدة الصف.
أما الشارع المسيحي فتخطى مرحلة الانقسام والخسائر ووصل الى حالة الاحباط بعد فقدانه كل مقومات الصمود من اجل انتزاع ما تبقى له من صلاحيات في هذه الجمهورية.
هذا الشارع الذي أوصل "الرئيس القوي" الى سدة الرئاسة وبقناعة تامة يكررها في اطلالاته رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، يؤكد اليوم أنه غير معني بهذه الدولة وهمه الوحيد الهجرة بعد أن وصل مستوى طموحه الى البحث عن ربطة الخبز والوقوف امام محطات الوقود بحثا عن ما تبقى من البنزين.
الحجة المسيحية الدائمة لتبرير أخطاء قادة هذا الشارع كانت الدستور الذي أخذ الكثير من صلاحيات الرئاسة الاولى. حتى التيار الوطني الحر يصف موقع الرئاسة في مجالسه الخاصة بأنه "باش كاتب" لا يمكنه فعل أي شيء طالما أن المواد الدستورية واضحة وقد قيدته وأعطت صلاحياته الى مجلس الوزراء. ولكن ثمة من ينادي بالميثاقية التي لا تزال قائمة وهي في جوهر الدستور، وان تمكنت اي طائفة من ممارستها لحافظت على صلاحياتها من دون منة من أحد وهي غير مجبرة على عقد تحالفات للحفاظ على وجودها في هذا البلد الصغير. فوحدة الصف المسيحي قادرة على تعطيل مجلسي النواب والوزراء، ووحدة المكون المسيحي يمكنها أيضا تحويل موقع الرئاسة الاولى الى "مفصل" لا يمكن لأحد أن يتخطاه، اذ يكفي أن يمتنع 64 نائبا داخل مجلس النواب عن التصويت لأي مشروع قرار أو الاعتكاف عن جلسة تشتم فيها رائحة الخلل في الميزان الطائفي ليشل عمل المجلس النيابي ويتوقف العمل التشريعي.
التركيبة الطائفية اللبنانية والتي كرسها الدستور، تكمن في وحدة الطائفة أولا لتكون معبرا لصون صلاحياتها وعدم التفريط بها، أما تعدد الرؤوس والمرجعيات فيبتر كل الصلاحيات وينتقص من دور السلطات الدستورية، وهذا ما نراه اليوم في التركيبة اللبنانية حيث تظهر قوة الطائفة بوحدتها.

  • شارك الخبر