hit counter script

مجتمع مدني وثقافة

عريجي رعى ندوة عن كتاب "الشرخ...من مار مارون الى الفراغ" لأنطوان فرنسيس

الأربعاء ١٥ شباط ٢٠١٦ - 16:53

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أقيمت في مدرسة سيدة اللويزة ذوق مصبح ندوة عن كتاب "الشرخ...من مار مارون إلى الفراغ" للكاتب أنطوان فرنسيس، برعاية وزير الثقافة ريمون عريجي، وفي حضور النائب البطريركي العام على منطقة الجبة المطران مارون العمار ممثلا البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، الرئيس حسين الحسيني، النواب: اسطفان الدويهي، اميل رحمة، زياد اسود ممثلا العماد ميشال عون، مرشد صعب ممثلا النائبين ستريدا جعجع وإيلي كروز، طوني مراد ممثلا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، العميد الركن فؤاد مرعب ممثلا قائد الجيش العماد جان قهوجي، العقيد وديع خاطر ممثلا المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، العقيد الركن شربل حداد ممثلا مدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد الركن ادمون فاضل، خليل الخوري ممثلا نقيب الصحافة عوني الكعكي ونقيب المحررين الياس عون.

بداية، استهل الاحتفال بالنشيد الوطني ثم قدم الندوة الصحافي جورج عرب الذي تحدث عن الكاتب أنطوان فرنسيس فقال: "أدرك الكاتب أنطوان فرنسيس بفطرة الانتماء والهوية روحانية "قنوبين" التي تجسد وحدة الموارنة بأبهى تجلياتها، روحانية جعلت شعبها في الوادي الارض الملجأ، يشعر معها أن لا أحد من خلق الله بإمكانه أن يصل إليه كما يقول أبو تاريخنا البطريرك العلامة اسطفان الدويهي. ومن الطبيعي أن يكون الكاتب أنطوان فرنسيس، إبن الديمان وسليل قنوبين على صلة وثيقة بهذه الروحانية التوحيدية التي شكلت إحدى علامات الكنيسة المارونية الفارقة".

ثم كانت كلمة لنقيب المحررين الياس عون، فقال: "لغيري ان يغوص في اعماق هذا الكتاب ويكتشف خفاياه. ولغيري ان يركز كلامه على ما جنته يدا مؤلفه. ان القديس مارون يستحق كل تكريم. وانطلاقا كان كتاب "الشرخ: من مار مارون... الى الفراغ" في اجزائه الاربعة للزميل انطوان فرنسيس.
رحلة طويلة معبدة بالرياحين تارة ومحفوفة بالاشواك تارة اخرى قطعها المؤلف باحثا ومراجعا ومدققا في تاريخ المارونية الدينية والاجتماعية والسياسية. والمتعبد لربه مار مارون ترك لأتباعه تاريخا مليئا بالتقوى والصبر والايمان. واتباعه اضطهدوا في الازمنة الغابرة. ومع ذلك نشروا ديانتهم في شتى اصقاع الكون التي عاشوا في احضانها".

ولفت الى ان "الموارنة احتلوا في لبنان المناصب العالية، وفي دنيا الاغتراب احرزوا تفوقا على المستوى العالمي"، مشيرا الى أنهم "اسسوا امبراطوريات في التجارة والمال في البلدان القريبة والنائية حاملين معهم العلم والمهارة".

وقال: "كان لهم الفضل الواسع في قيام دولة الاستقلال، وفضل الريادة في تثقيف الاجيال اللبنانية الصاعدة، والدور المميز في رأب الصدع بين الافرقاء اللبنانيين المتناحرين على الساحة اللبنانية. والبطريرك الماروني الياس الحويك ترأس وفدا الى باريس عام 1920 للمطالبة باستقلال لبنان بعدما فوضه رؤساء الطوائف عندنا بذلك.
كانوا من رواد النهضة العربية. ولا نهاية لاسهاماتهم في نشر المعرفة وقيام العمران في الاقطار العربية. لقد استثمروا في مختلف مجالات الاستثمار، واينع استثمارهم عمرانا وصحافة".

ثم كانت كلمة المطران العمار الذي قال: "قرأت هذا الكتاب للصديق والأخ العزيز أنطوان فرنسيس بشهية كبيرة نظرا لأسلوبه الرشيق، وتعابيره السهلة، ومضمونه الشيق. وإن استعمل الكاتب السرد التاريخي السياسي الإجتماعي الممنهج للأحداث، وعلق عليها بأسلوبه المتسائل الهادف، نلاحظ أنه موجود في كل سطر، وكل حادثة، وكل مرحلة من مراحل هذا الكتاب، ونعرف أنه يحاول أن يوصلنا إلى ما يدعوه "الشرخ". وكأن به يود أن يقول لنا بأن مسيرة التاريخ، وإن تغيرت فيها الظروف المكانية والزمانية، لكنها لم تتبدل كثيرا، ولم تتغير لغاية الآن الأهداف التي جعلت قايين يقتل أخاه هابيل، وكان الشرخ الأول. فلو نظرنا الى تاريخ أي أمة أو دولة من الدول لوجدنا فيه الشرخ متجذرا في الكثير من مراحله، ولو بأشكال متغيرة ومتفاوتة".

اضاف: "إن ما يحاول أن يظهره السيد أنطوان فرنسيس في كتابه هذا ليس غريبا عن الواقع السياسي والإجتماعي للجماعة المارونية في هذا الشرق منذ ظهورها ولغاية الآن، وعلى الرغم من ذلك ما زالت هذه الجماعة ثابتة في الشرق وانتقلت منه إلى كل العالم. وهذا ما يدعونا لكي نسأل: "هل الحضور السياسي المتخبط والعسكري المنهزم في أكثر الأحيان هو الذي رسخ المارونية في الشرق أم غير ذلك؟".

وتطرق الى حياة مار مارون لافتا الى أنه "كان متوحدا يعيش التقشف في العراء، يصلي إلى الرب، ويطلب شفاعته من أجل المحتاجين والمرضى. فلم يكن رجلا سياسيا أو قائدا حربيا أو فيلسوفا أو مفكرا ممن يذكرهم التاريخ السياسي، والعسكري، والفكري، بل كان متعبدا لله يستلهمه لكي يشهد لوجوده على الأرض، وبالتالي إذا انتسبت الكنيسة المارونية إليه، فلكي تستلهم مسيرته الروحية وشفاعته لأبنائها، وليس من أجل التمسك بخط سياسي أحبت أن تسير بهديه في حياتها على الأرض".

وقال: "اذا تبنى أبناء مارون هذه الروحانية، فهذا لا يعني أبدا بأنهم معصومون من الشرخ السياسي والإجتماعي. إن الشرخ في السياسة، وفي الرؤية، وحتى في الروحانية أحيانا مرافق لأبناء الكنيسة عموما منذ نشأتها".

واردف: "إستنادا إلى هذه الظواهر التاريخية أرى الاتي:
1- جاءت تسمية الأخ العزيز أنطوان لكتابه "الشرخ" بعد اطلاع واسع على تاريخ الحضارات، والثقافات، والمجتمعات، والأديان، وأنا أعرف عمق ثقافته، وشموليتها، وقدرته الكبيرة على استخلاص العبر والنتائج من أحداث التاريخ، كما أتذوق شاعريته التي تستلهم الوقائع وتطير متنقلة بين الأحداث، والحضارات، والثقافات، والديانات لتجني رحيقها، وتحوله عسلا يزداد حكمة كل من استذوقه، وتنتعش منه ذاكرة كل من جاور النسيان.
2- أرى جيدا أن ما أراد أن يظهره الكاتب في هذا الكتاب جاء واضحا لا لبس فيه، وهو يلقي الضوء على ناحية مهمة من تاريخ أبناء مارون، ولكن يمكن أن يطبق الكاتب هذه الناحية السياسية على التاريخ السياسي لكثير من الأمم أو المجموعات التي يشبه وجودها وجود أبناء مارون مكانيا، وزمنيا، واجتماعيا، وبالتالي لم يعد هذا الشرخ صفة لأبناء مارون وحدهم بل أيضا للكثير من أمثالهم.
3- من يقرأ هذا الكتاب يتساءل: "كيف يمكن أن يصمد أبناء مارون في هذا الشرق، منذ حوالي 1300 سنة (مار يوحنا مارون) أو 1600 سنة (مار مارون)، بعد هذه السلسلة المتعددة من "الشرخ" في مجتمعهم، وبعد الإجتياحات المتكررة لمنطقتهم، وبعد الإضطهادات الكثيرة عليهم من الأصدقاء أحيانا، والغرباء غالبا، وها نحن نراهم في لبنان والشرق وقد انتشروا في كل العالم؟".

وتابع العمار: "إن من ينظر إلى أبناء مارون بعين الناقد السياسي الواقعي لمجتمعهم، يراهم ربما سائرين إلى الزوال، ولكن من ينظر إلى أبناء مارون ككنيسة مارونية إنطاكية سريانية، تنفتح أمامه أبواب الرجاء، ويتعمق إيمانه بالله الذي عليه أسست هذه الكنيسة الثابتة، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها (متى 16: 18).
إن الكنيسة المارونية التي تبنت روحانية مار مارون لتعيش إيمانها بالله الثالوثي: آب وإبن وروح قدس، هي الكنيسة التي تفاخر بأن الشرخ الذي أصاب أخواتها لم يصبها يوما، وإن اهتزت في بعض حقبات التاريخ المظلمة، ولكنها كانت تعود وتثبت في وجه الصعوبات معلنة أن إيمانها إيمان بطرس، وإيمان بطرس إيمانها، وكان أبناؤها المنقسمين سياسيا يعودون إلى حضنها الأبوي معترفين أن ما يوحدهم هو أهم بكثير مما يفرقهم".

وكانت كلمة للمؤرخ الياس القطار قال فيها: "تشكل دراسة انطوان فرنسيس للشرخ الماروني شرخا ايجابيا في التقليد المعهود في الكتابة عن الموارنة، فشئنا ام ابينا يقودنا الى حالة فكرية تلزمنا الوقوف بدقة امام معطيات تاريخية يذهب العديد من المؤرخين الموارنة او المؤرخين لهم الى تبني ما سبق ذكره وكأنه حقائق لا متنازع عليها، فالتاريخ الماروني بحاجة لإعادة نظر نقدية ما بحث فيه انطوان فرنسيس وجها من وجوهه، واهم ما في الموضوع انه بحث حتى الضالعين بهذا التاريخ، على الوقوف مليا امام هذا التاريخ واعادة تحليله والاجتهاد فيه. فهو يطرح اسئلة وتساؤلات تثير حشرية الباحثين وكل شعب وكل فرد لا يطرح اسئلة على ذاته شعب وفرد لا يتطور.
الوحدة هي نقيض الشرخ، ولعل الكاتب عنون كتابه بلفظة الشرخ لما لهذا المصطلح من وقع يهز وجدان المستمع".

وتناول اشكالية الشرخ التي تحدث عنها الكاتب وعن حلمه "بأن يرى الموارنة موحدين"، وقال: "هذا الحلم يراودني شخصيا بشرط ان لا تكون الوحدة اصطفافا بدويا قبليا تعصبيا وإلغاء للآخر وللتمايز الفكري ولأحلام المستقبل، وان تأتي نتيجة تداول عاقل وعقلاني لا نتيجة توجه غرائزي وان لا تأتي عن طريق القمع المثقل بالدماء. كما جرى بالامس القريب عندما تغاوت بعض ميليشيات الحرب اللبنانية بالدعوة الى وحدة البندقية فكان ما كان مما نذكره من شلالات دم واحقاد لا زلنا ندفع ثمنها حتى الآن".

وتحدث عن محطات الشرخ التي استخلصها الكاتب في تاريخ الموارنة منذ القرون الوسطى الى التاريخ الحديث.

وقال: "المشكلة ان الحرب انتهت ولم تفرز الا قيادات الحرب، فأين القيادات الجديدة التي تتميز بالرؤيا الجديدة والافاق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية البعيدة وتمتنع عن استباحة كل شيء من دون وازع ديني مسيحي لكي يبقى المسيحيون في الشرق".


وأشار أخيرا الى أن الكتاب الهدف منه "محاولة فكرية نقدية للمسار التاريخي السياسي الماروني وشرح لمسألة مستعصية تستوحي التاريخ وان يكن الاستيحاء مشبع بالمعلومات التاريخية فهو قراءة سياسية لواقع معروف الكاتب لا يسعى لكتابة التاريخ بل يستنجد بالتاريخ لشرح المسألة التي تؤرقه".

وختم: "أليس الثبات في الايمان المسيحي فخر للموارنة بحيث لم يسجل منذ القرن السابع الميلادي حتى اليوم تحول موارنة الى الاسلام بعكس كافة المذاهب والطوائف المسيحية الاخرى؟".

ثم ألقى حسن حمادة كلمة أشاد فيها بداية بالقديس مارون و"الظاهرة الانسانية العظيمة إذ تشكل قيمة تحتضن قيما أولها المحبة والسلام حولناها مع الزمن إلى مجرد تحزب أو مادة للكراهية نرفض المحبة ونعادي السلام".
واعتبر أن نهضة المسيحية "ضرورة وجودية لاستمرارنا على قيد الحياة"، مشيرا إلى أن "الخطوة الأولى في سياق النهضة المصالحة الانسانية الكبرى وأولها رفع الظلم الذي يفتك بالدين وأن يتصالح كل منا مع دينه". ولفت إلى أن "رواد النهضة في القرن التاسع عشر في طليعتهم مسيحيون اقحاح تصالحوا مع دينهم بالتعارف الصادق فكان الشعار الذي أطلقه المعلم بطرس البستاني "الدين لله والوطن للجميع" وهو العنوان الذي استنهض السوريين في حرب التحرير الوطنية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي سنة 1925 اضطر الاستعمار معها أن يقدم لنا دستور 1926 العلماني العصري المنفتح وهو نسخة طبق الأصل عن دستور الجمهورية الثالثة الاكثر تقدما وحداثة".

ورأى أن "لا ينهض لبنان ومشرقنا سوى عنوان الدين لله والوطن للجميع".
وقال: "إن قداسة البابا يوحنا بولس الثاني خصنا كلبنانيين. جميعا وكمسيحيين فقط بإرشاد رسولي، معتبرا لبنان رسالة للعالم أجمع وليس دولة كباقي الدول ولو أننا استفدنا منه لما كان البابا بنديكتوس السادس عشر قد اضطر ليوجه إلينا إرشادا ثانيا".
وختم حمادة: "ما الحملات التي تتعرض لها الكنيسة من قبل الصهيونية العالمية سوى التجسيد الواضح لكون عدو لبنان هو نفسه عدو الكنيسة وعدو مشرقنا هو عدو الكنيسة".

أما راعي الحفل فقال: "نلتقي الليلة حول كتاب يطرح اشكالية شائكة... في كتابه "الشرخ"، يضيء الكاتب أنطوان فرنسيس على محطات وتواريخ وتحولات في التاريخ الماروني عبر قراءة سياسية- اجتماعية- جغرافية...بجرأة في المقاربة وموضوعية في البحث وسعة اطلاع، ما جعل من هذا الكتاب بحثا يعول عليه في دراسات مسارات المارونية.
سيرة الموارنة اكتنفتها العواصف والمآسي منذ ترحالهم من ضفتي نهر العاصي وسهول سوريا الى وادي القداسة وقمم جبال لبنان وأعالي يانوح، مقر البطريركية الأول...
عن المارونية: "ثورة وحرية" في كتابه، يقول الاب ميشال حايك: "إنها قصة طويلة عمرها حوالي ستة عشر قرنا... هي أعتق السير في هذا الشرق باستمرارها وعنادها حول مطلب واحد: الحرية!"
في كتاب "الشرخ" قرأنا فصولا غير زاهية حول الصراعات والانقسامات الدامية التي شابت تاريخ المسيحيين ولعل من ابرزها تداعيات مقررات المجمع الخلقيدوني الكبير، منتصف القرن الخامس، والتي شتت الكنائس المسيحية، إضافة إلى الصراعات المسيحية إبان الحروب الصليبية والتي استمرت فصولها بشكل أو بآخر، وصولا إلى ما نحن عليه اليوم في المنطقة وفي لبنان من وضع مأزوم يتهدد وجودنا".

أضاف: "استوقفني عنوان الكتاب "الشرخ دلالة على ما شاب العلاقات المارونية-المارونية منذ البدايات وللأسف لغاية اليوم. أسباب كثيرة دفعت نحو تلك المآسي بسبب سوء التقدير وغياب الرؤية الشاملة الموضوعية لدى بعض القيادات المسيحية على مدى التواريخ استغلتها قوى خارجية لإزكاء الشرذمة طمعا بالنفوذ! المهم أن نستخلص العبر التاريخية.
اليوم، الحضور المسيحي في هذا الشرق على المحك... انها دعوة للتبصر والعقلانية بحس من المسؤولية الوطنية حفاظا على وطن جهد المسيحيون كثيرا لقيامه".

وتابع عريجي: "التفتيت هو شعار المرحلة وليس حكرا على الوضع الماروني، فمنطقة الشرق الاوسط والمحيط العربي بأكمله، يعيش حالا مأزومة أفلتت فيها كل ضوابط الاخلاق والانسانية وتضاربت مصالح التمذهب الضيقة مع صراعات الاديان وحسابات النفوذ الجيوسياسية الدولية في منطقة حساسة من هذا العالم.
إن "لعبة الامم" مستمرة فصولها وتغطي ساحات المنطقة العربية، مولدة "الفوضى الخلاقة" الرهيبة، المدمرة للنظم والكيانات ولقيم الاديان والحضارات.
شرذمة المنطقة وتفتيتها من خلال إشعال أحقاد انقسامات المذهبة والتطييف، حصل نتيجة انكفاء الدولة المدنية الحاضنة لصهر المكونات والشرائح الشعبية ولتغييب الفكر السياسي- المدني.
وفي كتاب الأستاذ فرنسيس اضاءات كثيرة باهية حول الدور الذي لعبه آباء الكنيسة والموارنة خلال الأزمنة على الصعد الدينية والثقافية والتربوية دلالة على روح الانفتاح الوسيعة الآفاق التي وسمت فكر آباء الكنيسة المارونية....نستعيد من الذاكرة، المقررات التاريخية التي صدرت عن المجمع اللبناني الشهير في هذا المكان بالذات في العام 1736، ومن بينها الزامية تأسيس مدرسة في كل ضيعة، في حنوة الدير، وصيفا تحت السنديانة...إن هذا القرار الرؤيوي شكل تحولا بالمسار المسيحي الماروني في لبنان".

وقال: "لعل أخطر ما يهدد مستقبل الجماعات هو التقوقع المدمر وراء تشرذمات الطائفة الواحدة. لقد لعب المسيحيون الدور التأسيسي في قيامة الكيان اللبناني الجامع لكل المكونات الوطنية، وليس مسموحا التراجع عن هذا الدور...
خلاص الجميع في تدعيم وتحصين الدولة المدنية الحاضنة لمواطنين متساوين في مشروع وطني جامع.
إننا نؤمن بديمقراطية مشاركة ميثاقية تاريخية قام عليها لبنان، بعيدا عن مهاترات العددية ومعادلة الأرقام. فالوجود والدور المسيحي يتجاوزان هذه المسألة إلى جوهر آخر هو علة وجود لبنان.
ولعل افظع ما نعانيه اليوم تفريغ موقع رئاسة الجمهورية! حاجتنا مصيرية إلى انتخاب رئيس ذي حيثية سياسية، "رئيس مواطن" يؤمن انتظام المؤسسات ويحمي مصالح الدولة وحقوق التساوي أمام الدستور.
إنها مسؤوليتنا جميعا في إعادة بناء وتحصين دولة القانون، والمواطنة الصحيحة.
في مسار بناء الأوطان، تلوح لحظات وفرص تاريخية، تقضي الحكمة والواقعية بالتقاطها لخير الوطن".

وختم: "أستعيد من فكر الأب ميشال حايك: "مشروع الموارنة، بناء مساحة حرية ولقاء، في وطن تتلاقى فيه الثقافات والاديان والحضارات".
اذا كان لبنان بلد الحلم والواقع معا، لنجعل من أحلامنا واقعا وطنيا انسانيا".

وكانت الكلمة الختامية للكاتب بدأها بالقول: "قاسيا جدا يبدو اللون الاحمر الذي يصب في بعد اسود، راسما خارطة لبنان كشرخ صخري عميق، على غلاف هذا الكتاب تخاله نهر دماء ينساب بلا كلل عبر التاريخ الماروني الطويل لكنه بلا ادنى شك شرخ يتجه نحو الالتحام. الدماء في تاريخنا غزيرة: بعضها سال عبثيا، بعضها زهق بسبب خلافات سياسية ومعظمها فاض على مذبح الشهادة في سبيل المعتقد والايمان او دفاعا عن الحرية، وحفاظا على الكيانية واستقلالية الجبل اللبناني، الذي لجأت اليه الجماعة المارونية الهاربة من الاضطهاد البيزنطي عام 685 للميلاد، فأضحى وطنها الحبيب، الذي تمسكت به تمسكها بالحياة، ودافعت عنه حتى الشهادة ولم تزل".

وتطرق الى "الهجرة المارونية الجماعية الاولى من سهول سوريا الخصبة عام 685، الى الجبال لبنان العصية القاحلة"، معتبرا أنه "في تلك السنة تحولت المارونية من حالة زهد وتقشف وتعبد وصلاة، الى حالة استقلالية رافضة للطغيان. تمردت تلك الجماعة المسيحية على السلطة المسيحية الجائرة، وهاجرت الى جبل لبنان، فأعطت بحضورها هذا الجبل بعده التاريخي كأرض للحرية. منذ القرن السابع حول الوجود الماروني الجبال الصخرية القاحلة، الى ملجأ للمظلومين والمضطهدين في هذه البقعة المعذبة من العالم".

وختم: "هذا الكتاب ليس كتاب تاريخ جديدا، انه قراءة عصرية لتاريخ الطائفة المارونية من منظار سياسي، اجتماعي، جغرافي، شمولي، من دون اهمال المنظار الديني الذي كان ركيزة المنهج الذي اعتمده كبارنا، المؤرخون الموارنة الاجلاء. ليس هدفي نكء الجراح بل تلمس درب تبعد الجماعة عن حدود الشرخ وتجنبها السقوط في الهاوية".
 

  • شارك الخبر