hit counter script

مقالات مختارة - عبد الله بوحبيب

بين السيّئ والأسوأ

الأربعاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٥ - 07:15

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

السفير

الخيارات السياسية في لبنان والمشرق العربي تنحصر، في معظم الأحيان، بين السيّئ والأسوأ، ولم تكن منذ القرن الماضي بين الجيد والسيّئ.
الخيار مثلاً في دول الانتفاضات العربية، ليبيا وسوريا واليمن، تحيّر المواطن العربي في أيهما الأسوأ: حكم الحزب الواحد والرجل الواحد أم الوضع الحالي؟ بالنسبة إلى عراق صدام حسين يتساءل المرء: هل الحالة الراهنة في العراق المرشحة لأن تؤدي إلى التقسيم والفوضى، تصنف بالسيئ أو الأسوأ؟
كذلك تصلح المقاربة لمعظم الأنظمة العربية المستقرة نسبياً، حيث يعتبر القاصي والداني أن البديل من كل من هذه الأنظمة هو الأسوأ، وأن التمدّد السريع لتنظيم «داعش» نجح بامتياز في إطالة عمر الأنظمة هذه، لأن جميع المعنيين صنّفوا التنظيم في مرتبة الأسوأ.
في لبنان، يصعب في الانقسام السياسي والمذهبي والطائفي العمودي الذي يخلط الحابل بالنابل، تحديد السيئ والأسوأ. مثلاً في أزمة الشغور الرئاسي، هناك مَن يعتبر انتخاب رئيس توافقي للجمهورية على شاكلة السلف هو الأسوأ، بينما يعطيه آخرون منزلة السيئ.
÷ في أزمة النفايات، أتفهّم أولاً الرفض الشعبي بعدم الاقتناع بالاستمرار في التعاقد مع شركة «سوكلين» لحل أزمة النفايات المستعصية. الضجة التي تجلّت مع بداية الأزمة والشائعات عن الفساد والرشوات وتوزيع الحصص التي رافقتها، باتت حديث السهرات والصالونات والندوات التفكيرية. رغم ذلك، لم يقتنع المعنيون أن عليهم التفتيش عن شركة أو طريقة أخرى، أو عن تقنية جديدة ونظيفة، أو حتى عن آلية حديثة للخلاص من الزبالة.
÷ ثانياً، يتصرف المسؤولون كأن بيروت هي المدينة الوحيدة التي «تنتج» زبالة، فلم يحاولوا التعرف على كيفية حل مشكلة النفايات في بلدات ومدن أخرى. يتصرفون كأنها موجودة في بيروت فقط، وللمعنيين «وكالة حصرية» بجمعها، ومن ثم احتكار الحصحصة كحق لن يتخلوا عنه.
÷ ثالثاً، لم أقرأ أو أسمع مرة واحدة، أن أحداً من المسؤولين حاول التعرّف أو قام بتقييم النجاح أو الفشل الذي حققته بعض البلديات في عملية فرز وتسبيخ الزبالة في قراها ومناطقها وبكلفة، كما يدعون، أقل بكثير ممّا تفرضه الدولة عليهم لحساب «سوكلين».
÷ رابعاً، في علم السياسة فإن انطباعات الناس أقوى عملياً من الحقيقة، خاصة عندما تغيب الحقيقة عن الناس كما هي الحال في شأن «سوكلين» وشركات الفرز والمراقبة المتفرعة منها، والتي يُشاع أنها حصلت على عشرات ملايين الدولارات منذ أن ابتدأت «سوكلين» تعاقدها مع الدولة في العام 1997.
÷ خامساً، رغم الشائعات والأقاويل، لم ينف أحد من المعنيين الاتهامات والانطباعات الشعبية لتبرير الاستمرار في استخدام «سوكلين»، علماً أن السكوت في حالات كهذه يؤكّد الشائعات والاتهامات والانطباعات التي تتحوّل تدريجاً في أوساط الرأي العام إلى حقيقة.
÷ سادساً، أتفهّم أيضاً رفض أهالي القرى والمناطق مقترحات الدولة لإيجاد مطامر في بلداتهم، خاصة وأنهم مقتنعون بصحة الانطباعات عن الفساد المتعلق بملف النفايات والاستفادة مالياً وتشغيلياً من وضع زبالتهم في تلك القرى.
÷ سابعاً، ما يحدث في لبنان من افتقاد لهيبة الدولة لم يسبق أن وقع مثيله في عهد الوصاية السورية، ولا خلال الحرب الأهلية، أو خلال الجمهورية الثانية (1943 ـ 1989). وأن ما تفتقده السلطة لا تستطيع استرجاعه بالطاقم السياسي ذاته. لذلك يصعب، لا بل يستحيل على هذه الدولة فرض قرارها في شأن المطامر على المواطنين.
÷ ثامنا وأخيراً، يطلعنا الإعلام اللبناني منذ أكثر من أسبوعين على مشروع لتصدير الزبالة إلى أفريقيا. المسوّقون لهذه الشائعة يعرفون من دون شك أن المناخ الدولي لشؤون البيئة لن يسمح بذلك، لكنهم يستمرون في إشاعتها بقصد ترسيخ الباطل في عقول المواطنين بان شركات كـ «سوكلين» لا تنهب المواطن والدولة والبلديات فحسب، إنما أيضاً كلفتها المالية والصحية وتقنياتها وكل أعمالها وأعمال الشركات المتفرعة منها معقولة وان الهبّة الشعبية ضدها غير منصفة.
يبدو كأن دولتنا الموقرة نجحت في حصر خيار اللبنانيين في شأن «قضية» الزبالة بين السيئ والأسوأ: إمّا تتعاقد مع «سوكلين» وأخواتها أو أن تبقى الزبالة في شوارعنا وبيوتنا.
 

  • شارك الخبر