hit counter script

باقلامهم - روني الأسعد

"كلن يعني كلن": التعميم صحيح لأنه واقع ونسبي

الأربعاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٥ - 06:42

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تم رفع شعار "كلن يعني كلن" في إحدى التحركات السابقة التي رافقت إنعقاد جلسة منح الثقة لحكومة نجيب ميقاتي في 2032014 (صورة). إلا أنه، آنذاك، لم يثر تساؤلات كالتي يثيرها اليوم. ربما، على الأرجح، بسبب قلة الحضور والزخم الشعبي بشكل أساسي، أو لأن الناس (والإعلام) لم تجد فيه ما يثيرهم أو يستفزهم. بل على العكس تماما، إذ أن الحكومة نفسها، ومن خلال أسماء بعض الوزراء والتسوية التي أفضت الى تشكيلها (بعد وقت طويل وتصلّب حاد في المواقف)، هي ما إستفز الناس. وقبل ذلك، تم التطرق إلى معنى مماثل لمضمون هذا الشعار في حراك إسقاط النظام الطائفي (2011)، وذلك من خلال إشكالية إضافة كلمة "رموزه" أو"جميع رموزه" على شعار "الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي".
درع حمائي - إستقلالي
المهم من عرض هذه الأمثلة هو الإضاءة على انه كان هناك دوما إنقسام حول هذا الشعار، بين المنظمين أنفسهم وليس فقط بين الناس. الفئة الأولى، لا مانع لديها بالمطلق من رفع هذا الشعار (أو صور جميع الزعماء السياسيين الأساسيين) من حيث المضمون، إلا أنها قد تتريث في ذلك لأسباب تكتيكية محضة من حيث الشكل، لئلا يتم إستفزاز جماهير هذه الزعماء، إذ أن المطلوب أساسا هو إستقطابهم. وفي المقابل، وبالعكس، فئة أخرى من المنظمين كانت ترفضه بالمطلق من حيث المضمون، ولكنها تتحجّج بأنه تكتيك غير ذكي في الشكل، وذلك دفاعا و (أو) خوفا من تشويه صورة أو سمعة أحد الزعماء، أولهم (ودائما) كان السيد نصرالله وثانيهم العماد عون. والآن، وبموضوع الفساد الحكومي بشكل عام والظاهر حاليا بموضوع النفايات، أضيف إسم جديد هو سمير جعجع، أقله بالنسبة للجمهور القواتي وليس للمنظمين (تماما كما كان الحال مع إستياء الجمهور العوني من "التعميم" في مسألة التمديد لمجلس النواب). إن رفض هذه الفئة من المنظمين ومن العديد من الناس لرفع شعار "كلن يعني كلن" الآن، بحجة عدم التعميم، لا يجب أن يكون أمرا مستغرباً، إذ أنهم هم أنفسهم رفضوا ذكر أسماء بعض الزعماء (زعمائهم)، حتى بموضوع علاقتهم ودورهم بالنظام الطائفي (الذي، وبالمناسبة، يطالب البعض منهم بإسقاطه!)، بالرغم من انها علاقة واضحة فاضحة جذرية وعضوية لا لبس فيها، ولا تحتاج الى إثبات، ولا كشف حساب ولا ديوان محاسبة، فما بالك بموضوع الفساد!
ما يهمنا في هذا الإطار هو أن هذا الشعار ليس شعاراً هجومياً بقدر ما هو شعارٌ دفاعيٌ-حمائيٌ في الأساس، وُجد ليستنجد به الحراك ويحمي نفسه من عدة خصوم:
أولاً، يحمي هذا الشعار الحراك من وقاحة وخبث الزعماء وقدرتهم الهائلة والسهلة والوقحة في إستيعاب أي تحرك شعبي مناهض لسياساتهم. وذلك إما على الطريقة الأبوية، أو توسّل الطائفية، أو تبني الشعار نفسه والتبجح بأنهم من أبطاله ومنذ زمن، وإما عبر التعاطف الشكلي-الإعلامي-التسويفي مع مطالب الحراك. أو من خلال الركون الى تبريرات وأعذار مختلفة أمام جمهورهم، يغطون فيها تقصيرهم وقلة تحملهم لمسؤولياتهم و (أو) عدم القيام بها من الأساس أو بشفافية، كذريعة الوضع السياسي-الطائفي المعقد والحساس، أو الوضع الأمني، أو الوضع الإقليمي. وقد تصل الوقاحة الى درجة الإتهام الذاتي والعلني لأنفسهم بالفساد (للزعماء "الجريئين") وكأن المسألة تكون بذلك قد حلّت برأيهم. وبناء على هذه الحجج والأساليب، يصبح الزعيم غير مسؤولا، لا امام نفسه ولا أمام القضاء ولا أمام جمهوره عن ما حصل ويحصل، ويُخرِج نفسه بنفسه من ال "كلن".
ثانيا، هذا الشعار يحمي الحراك ومنظميه من كذب وتقية العديد من مناصري الزعماء ويكشف مدى جديتهم فعليا في تبني شعار المحاسبة ودعم مسار التغيير الديمقراطي السلمي الذي سيصطدم حكما بموقع ألوهية الزعيم. إذ تجد العديد منهم يعبّرون علنا عن إقتناعهم بالمطالب وضرورة تحقيقها شرط عدم المسّ بزعيمهم او تحميله المسؤولية، وكأن الأزمات المتعاقبة والقادمة، كالنفايات الآن وعلى سبيل المثال، هبطت فجأة من السماء.
ثالثا، يحمي هذا الشعار المنظمين الصادقين من إنتهازية البعض، وبخاصة المتسلقين منهم، والذي يدعي بعضهم السقف العالي (مثل إسقاط النظام، أو الدعوة الى ثورة مسلحة...). ويكشف مدى جديتهم وإستقلاليتهم وإيمانهم فعلاً بأهداف وآفاق التحركات وإستعدادهم للذهاب الى الأخير في هذه المعركة القاسية والطويلة. فأي تحرك ذات بعد لاطائفي - حقوقي، يُنسَب، حتى ولو من خلال الكاميرا والصورة (المؤثر الأكبر في أذهان الناس)، الى أي من الإصطفافين أو من الأحزاب الأساسية، سيقتل في مهده. أهمية إستقلالية الحراك توازي، لا بل، أهم من وجوده حتى.
هو إذن، يشكل خط الأساس وخط الإنطلاق-السياسي-الدفاعي-الإستقلالي للحراك ومنظميه ويؤمّن له حصانته وميزته.
كشف الفساد المالي للزعماء ومحاسبتهم أمر شبه مستحيل.
يقول العديد من الناس، والبعض منهم من المنظمين الفعالين والمشاركين "المياومين" بالحراك، عن سوء أو عن حسن نية، أن لا أحد من الحراك، قادر على إثبات تهمة السرقات المالية والفساد على أي من الزعماء الستة الكبار ( بشكل عام نبيه بري، وليد جنبلاط وسعد الحريري. وبشكل خاص حسن نصرالله، ميشال عون وسمير جعجع)، ولا حتى على أي من "أزلامهم" (رجال ونساء) من نواب ووزراء ومدراء عامين وقيادات أمنية وعسكرية، ومسؤولي الإدارات الرسمية والرقابية والأكاديمية والإعلامية وغيرهم، إلا في بعض حالات المحاسبة الإستثنائية لبعض الموظفين "الصغار"، والتي لم تكن لتتحقق لولا رفع هؤلاء الزعماء الغطاء عنهم لأسباب سياسية-شخصية-إنتقامية. وعليه، ومع عدم توفر دليل حسّي، لا يجوز التعميم، الذي بنظرهم يؤدي الى تجهيل المسؤوليات وبالتالي عدم المحاسبة.
أولا، نسي هؤلاء المتسائلون (أو تناسوا!)، أن هؤلاء الزعماء، وإن لم يكن بعضهم في مواقع السلطة بشكل مباشر، ولكن من خلال أزلامهم المذكورين أعلاه والمعينين من قبلهم، بهدف الحفاظ على مصالح هؤلاء الزعماء وترجمة مزاجهم ورغباتهم الى أفعال سياسية-قانونية-إدارية (كإصدار القوانين والمراسيم والقرارت التنفيذية والتدابير الإجرائية...). نسوا أن هؤلاء الزعماء هم من يقرّ فعليا السياسات العامة للحكومات ومراسيمها وقوانين مجلس النواب. هذه السياسات هي نفسها التي تتم من خلالها عملية التعيين والمحاصصة والسرقة، إما مباشرة وإما من خلال ثغرات مقصودة في الإجراءات القانونية نفسها.
ثانيا، هؤلاء الزعماء هم أنفسهم من يقرون القوانين التي من المفترض أن تؤمّن شروط المراقبة والمحاسبة عبر تفريغها من مضمونها او إضعاف موادها ومناعتها امام حصانتهم وإمتيازاتهم. والأهم، أنهم هم أنفسهم من يعينون أغلب القضاة ذات المراتب العليا والأساسية في المحاكم والنيابات العامة الذين يفترض منهم أن يحققوا ويحاسبوا بإستقلالية وبعدل بناءاً على هذه القوانين. وهم أنفسهم من يعينون رؤساء وأعضاء المؤسسات الموكلة بالمحاسبة الرسمية (ديوان المحاسبة، التفتيش المركزي،....) هذا عدا عن إرتباط العديد من هذه المؤسسات أصلا، قانونيا وإداريا، بالمؤسسة السياسية التنفيذية، الواجب مراقبتها ومحاسبتها حسب القانون.
ثالثا، نسوا أيضا أن هؤلاء هم انفسهم من يعينون قادة القوى العسكرية والأمنية وقادة المخافر وكافة القطاعات الأمنية المولجة بتطبيق سير العدالة كما وباقي أعضاء الإدارات الرسمية والمرافق العامة... وبالتالي، تغدو عملية كشف فسادهم ومحاسبتهم (قضائيا وتحقيقه أمنيا) امراً شبه مستحيل. فالزعماء-الآلهة، تعاملوا مع الدولة اللبنانية على أنها غنيمة حربية-سياسية لهم، وتعاملوا مع الدستور والقوانين والمؤسسات العامة كسبايا سياسية-طائفية خاصة بهم وبحزبهم وجماعتهم. هذا عدا الخيار الميليشياوي الذي قد يعتمده الزعيم كملاذ آخر (وليس أخير) للترهيب والتنكيل ضد كل من يتصدى لمسؤولياته في المحاسبة (شعبية كانت أم رسمية). وعليه، كيف يمكن، أقله في الظروف الحالية، كشف فساد الزعماء المتمسكين تقريبا في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها وبرقاب الناس؟ وكيف يمكن -ومن سيتجرأ- محاسبتهم؟ بالرغم من أن ملفات الفساد والأزمات مستشرية وظاهرة من خلال العديد من الحقوق المهدورة وغير المؤمّنة، أقله منذ ما بعد الحرب الأهلية، وليس فقط موضوع النفايات.
غداً القسم الثاني:
كل زعيم يسعى لتحقيق المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة هو فاسد
 

  • شارك الخبر