hit counter script

مقالات مختارة - نزار عبد القادر

ابعاد التدخل الروسي

الجمعة ١٥ تشرين الأول ٢٠١٥ - 06:20

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الديار

تحرك بوتين مرة جديدة بشكل فاجأ فيه ادارة الرئيس باراك اوباما وكل القيادات الاوروبية والشرق اوسطية. ويبدو بأنه من الصعب مع انطلاق المرحلة الاولى للعمليات الجوية الروسية في سوريا الحكم حول اذا ما كان هذا التحرك يؤشر الى حكمة موسكو الاستراتيجية او الى ردة فعل على حالة الاحباط التي يشعر بها نتيجة العقوبات المفروضة عليه بسبب الازمة الاوكرانية وضمه شبه جزيرة القرم الى الاتحاد الروسي. ويستغرب عدد من الاستراتيجيين انخراط بوتين في عمل عسكري جديد، وذلك قبل ان ينهي الازمة الاوكرانية التي افتعلها بقراره الذاتي.
هناك عدد من الاسئلة التي قد يكون من المبكر الاجابة عليها في هذه المرحلة المبكرة وابرزها:
هل تشكّل العملية العسكرية في سوريا كسباً حقيقياً في الجييوبوليتيك السوري والشرق اوسطي؟ هل جاء تحرك بوتين من اجل تعبئة حالة الفراغ التي خلّفها غياب وجود استراتيجية اميركية واضحة وفاعلة تجاه الازمة في سوريا؟ هل وجد بوتين ان هناك فرصة سانحة لتشكيل محور يضم دمشق وطهران وبغداد وموسكو لمواجهة المحور الذي يضم انقرة والرياض وواشنطن، والمدعوم اوروبياً من اجل تقاسم النفوذ في منطقة الشرق الاوسط؟ هل يشكل التدخل في سوريا عملية التفاف على محاولات حلف شمالي الاطلسي لتطويق روسيا، ومحاصرتها داخل حدودها؟ هل عادت الاحلام باستعادة ما خسرته موسكو من مواقع نفوذ بعد انفراط الاتحاد السوفياتي، ام انه يأتي نتية شعورها بالضعف نتيجة الركود الاقتصادي والذي بات يهدد صورة بوتين وموقعه في السلطة؟
ربط بوتين قرار التدخل العسكري في سوريا بضرورة مواجهة التطرف والارهاب الاسلامي ومنع مخاطره على الاستقرار داخل روسيا، والتي سبق لها ان واجهت في السنين الماضية مثل هذا التهديد. لكن في الحقيقة لم تنطل هذه المناورة على احد، حيث ربط عدد من الخبراء التحرك العسكري الروسي بالرد على استراتيحية الدول الغربية الهادفة الى اضعاف روسيا وعزلتها من خلال نظام العقوبات الذي فرض عليها على خلفية تدخلها في اوكرانيا واحتلالها لاجزاء واسعة من الارض الاوكرانية. ويمكن في هذا السياق اعتبار الاعمال العسكرية الروسية داخل سوريا بأنها تشكل محاولة مباشرة لابعاد نظر العالم عن تدخلها في اوكرانيا، وضمها لشبه جزيرة القرم الى اراضيها لكن يبقى من الطبيعي البحث عن الاسباب المتعلقة بحرص موسكو على حفظ مصالحها الحيوية في سوريا، والعلاقات العسكرية القوية القائمة بين البلدين منذ ايام الاتحاد السوفايتي. وهنا لا بد من ذكر اهمية قاعدة طرطوس البحرية بالنسبة للتواجد البحري الروسي في البحر الابيض المتوسط، حيث تبقى هذه القاعدة الملجأ الوحيد للسفن الروسية سواء للتموين او للراحة.
استمرت موسكو في دعمها العسكري لنظام بشار الاسد طيلة فترة الازمة التي اندلعت في عام 2011، ومدته بكل انواع السلاح والذخائر التي احتاجها في حربه الطويلة ضد مختلف فصائل المعارضة. واعتقدت موسكو بان تدخل ايران وحلفائها في الحرب الى جانب النظام سيكون كافيا لتدعيم وجوده. وتقوية صموده في المدن الرئيسية وفي المنطقة الساحلية. لكن بدا في الاشهر الستة الاولى من عام 2015 بان قوى النظام قد وهنت، وبان التدخل الايراني لم يعد كافيا لحماية النظام ومنع خسارته لمزيد من المواقع والمدن الحيوية في مختلف الجبهات، وخصوصا في المناطق الشمالية - الغربية يبدو بان موسكو باتت تخشى من امكانية الاختراق من جسر الشغور في محافظة ادلب باتجاه اللاذقية. كما باتت تخشى امكانية تهديد مدينتي حماه وحمص، وبالتالي امكانية تطويق الساحل السوري من الشمال والشرق، مع ما يترتب على ذلك من مخاطر على قاعدة طرطوس البحرية نفسها.
ان اي اختراق من الشمال او من الشرق باتجاه الساحل السوري سيعني خسارة موسكو للقاعدة البحرية، وسيترتب على ذلك نتائج استراتيجية سيئة بالنسبة للمصالح الروسية في سوريا، وبالتالي حرمان الاسطول الروسي في المتوسط من القاعدة الوحيدة المتبقية له.
في العودة الى اهداف التدخل الروسي، فقد اعطى بوتين الاولوية لمحاربة الارهاب، وهذا يعني ضرب تنظيمي «الدولة الاسلامية» و«النصرة» ولكن يبدو بوضوح بان معظم الغارات التي نفذها الطيران الروسي قد صبت حممها على مواقع المعارضة المعتدلة، بما فيها «الجيش السوري الحر». تحدثت المصادر البريطانية والغربية عن انها استطاعت ان تحصي بانه من اصل 57 طلعة جوية فان طلعتين فقط قد استهدفتا مواقع «الدولة الاسلامية» بينما صبت كل الطلعات الاخرى قنابلها ضد مواقع الفصائل المعارضة المعتدلة. وتؤشر هذه المعلومات الى ان الدوافع الاساسية للتدخل الروسي العسكري تتركز على مساعدة نظام بشار الاسد، ودعم قدراته العسكرية لاستعادة المواقع الحيوية التي خسرتها في الاشهر الستة الماضية ويأتي هذا التدخل بهذه القوة بهدف خلق واقع جديد على الارض مستغلة بذلك ضعف الموقف الاميركي والاوروبي، ورفضهم تطوير اية استراتيجية فعلية من اجل انهاء الازمة السورية.
صحيح بأن الدول الغربية كانت وستبقى مهتمة بحماية شعوبها وتأمين مصالحها على المستويين الاوروبي والدولي من خلال مواجهة الطموحات الروسية على الصعيدين التكتي والاستراتيجي وخصوصا في اوكرانيا والبلطيق. اما في سوريا فان اولوية الدول الغربية فتقتصر على تدمير او احتواء «الدولة الاسلامية» وبقية التنظيمات الارهابية والحؤول دون تسرب الارهاب الى داخل مجتمعاتها.
في البداية (السنوات الاربع الاولى للصراع في سوريا) انصبت هموم الدول الغربية على احتواء هذه التهديدات الارهابية ضمن دول المنطقة ولكن مع مرور الزمن خرجت الامور داخل سوريا والعراق عن السيطرة وبدا للعواصم الغربية بأن خطر الارهاب وازمة تدفق اللاجئين السوريين الى اوروبا قد تحولا لى تهديد مباشر لمعظم الدول الاوروبية.
تقف الدول الغربية الآن امام معضلة مزدوجة الابعاد، حيث يقتضي الوضع احتواء الهجمة الروسية في سوريا والحؤول دون تهديدها للدول الحليفة للغرب بما فيها حدود الناتو مع تركيا من جهة ومواجهة الارهاب الاصولي المتمثل «بالدولة الاسلامية» و«النصرة» وتحديد موجة نزوح اللاجئين السوريين من جهة ثانية. يضاف الى ذلك شعور الغرب بالمسؤولية الاخلاقية لمنع استمرار هذه المجزرة المستمرة في سوريا وبالتالي البحث عن حل يؤمن قيام حكم انتقالي بديل لنظام بشار الاسد.
لكن لم تستطع الدول الغربية حتى الان وبالرغم من التدخل العسكري الروسي الكثيف بلورة استراتيجية واضحة وفاعلة لمواجهة كل التدهور الحاصل داخل سوريا وترجمة الاهداف التي تحدثت عنها في الماضي الى برنامج عمل يضع حدا للمأساة والتي باتت تنذر بمزيد من القتل والدمار جراء التدخل الروسي من المؤكد بأنه لم يعد من الممكن الطلب الى روسيا لوقف عملياتها الجوية والصاروخية في سوريا وهذا الامر يضع الغرب امام خيار واحد يتركز على محاورة روسيا وايران من اجل البحث عن الحل السياسي المنشود.
 

  • شارك الخبر