hit counter script

مقالات مختارة - محمد وهبة

بين اليونان ولبنان: بيخلق من الشبه اثنين... وأكثر

الأربعاء ١٥ تموز ٢٠١٥ - 06:56

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

أوجه الشبه بين حالتي اليونان ولبنان لا تكمن في المؤشرات المالية السلبية، بل في كون مصدر هذه المؤشرات متشابهاً، والضغوط «التهويلية» تكاد تكون واحدة، وكذلك المقترحات حولها متقاربة إلى درجة التطابق... بل يصل الشبه في أحاديث الصالونات المحلية إلى حدّ نعت المستشارة الألمانية بأنها «السنيورة ميركل» ونعت رئيس وزراء اليونان بأنه «نحاس». ربما الفارق «الظاهر» بين الحالتين أن الأزمة في اليونان انفجرت، فيما لا تزال في لبنان بمثابة البركان غير الناشط


تجتاح المؤشرات السلبية لبنان واليونان. فالأول يعاني من دين معلن يصل إلى 137% من الناتج المحلي الإجمالي، ويمكن أن يصل إلى 180% من الدين المستتر (أي الدين الحكومي المعلن مضافةً إليه الديون على مصرف لبنان، وديون مجلس الإنماء والإعمار...)، فيما يصل الدين العام اليوناني إلى 177% من الناتج. وفي كلا البلدين عجز في الموازنة وعجز في الميزان التجاري. البطالة في اليونان تبلغ 27.5% وتصل إلى 60% بين الشباب، أما معدلاتها في لبنان فغير دقيقة، رغم أن تقديرات البنك الدولي تشير إلى أنها تجاوزت 20% عموماً وتصل بين الشباب إلى 50%.

لا تكفي هذه المؤشرات السلبية لقراءة أوجه الشبه بين أزمة اليونان المنفجرة، وأزمة لبنان الكامنة التي يحذّر صندوق النقد الدولي من انفجارها. وجه الشبه الفعلي بين لبنان واليونان، بحسب تشخيص الوزير السابق شربل نحاس، هو أن كلاهما استعملا التدفقات النقدية لتمويل عجزهما وتمويل كلفة ديونهما حتى أصبحا رهائن لعبة التدفقات. اندفعا بقوّة في اتجاه رفع أسعار الفائدة لاستقطاب التدفقات النقدية من الأسواق الخارجية وتمويل العجز المالي في الموازنة. في اليونان كانت أسعار الفائدة أعلى بـ4 نقاط مئوية مما هي عليه في بعض دول أوروبا مثل ألمانيا، ثم تراكمت الديون على اليونان لتصبح 350 مليار يورو وتخلّفت أخيراً عن سداد 1.5 مليار يورو لصندوق النقد الدولي، ويستحق عليها دين بقيمة 3.5 مليارات يورو خلال الشهر الجاري. في لبنان، كان تمويل الدين العام وكلفة إنفاق ما بعد الحرب الأهلية يجري بأسعار فائدة وصلت إلى 40% في الفترة الأولى، ثم انخفضت إلى 12% في النصف الثاني من التسعينيات، وهي شبه مستقرّة خلال السنوات السبع الأخيرة وتراوح حول 6%. هذه المستويات المرتفعة من الفوائد مقارنة مع فوائد عالمية على الدولار تصل إلى صفر في المئة، كانت هي الأداة لتمويل العجز السنوي وكلفة خدمة الدين العام. فقد استغلّ لبنان القيود التي تمنع على اللبنانيين فتح حسابات في مصارف خارجية، وشجّع الهجرة للعمل في الخارج طمعاً بتحويلات المغتربين التي تتجاوز حالياً 7 مليارات دولار سنوياً.


هناك منتفعون يظهرون كمدافعين عن اقتصاد بلدانهم فيما هم يدافعون
عن جيوبهم

«في صلب هذا النموذج في اليونان ولبنان، كان هناك منتفعون، يظهرون كمدافعين عن اقتصاد بلدانهم، فيما هم في حقيقة الأمر مستفيدون يدافعون عن جيوبهم» يقول شربل نحاس. هؤلاء المنتفعون هم الدائنون أنفسهم في كلا البلدين. في لبنان، غالبية الدين محلّي، أي إن غالبية الدائنين هم مقيمون في لبنان. وفي اليونان، غالبية الدائنين هم أوروبيون، سواء أكانوا حكومات أم مجموعات مالية اتحادية أم مصارف خاصة أم حاملي سندات.
اقتصاديون أمثال جوزف ستيغلتز وبول برغمان، تحدّثوا عن أزمة يونانية أدّت إلى أضرار بلغت حدودها القصوى، وأن الإجراءات التقشفية الإضافية التي تسعى إليها الترويكا (صندوق النقد الدولي، الاتحاد الأوروبي، البنك المركزي الأوروبي) ليست إلا ممارسة للضغوط السياسية على اليونان. بمعنى ما، المقصود هو الاستعمار السياسي لليونان من قبل الدائنين ورعاتهم السياسيين. بروغمان تحدّثت عن «نقطة اللاعودة»، وستيغلتز أشار إلى «أن الأمر يتعلق بالقوة والسلطة والديمقراطية أكثر منه بالاقتصاد والمال… لا يمكن التفكير في ما هو كارثي أكثر من الآتي: البطالة بين الشباب تتجاوز 60%!».
في رأي شربل نحاس، هناك تماهٍ واضح في اليونان ولبنان، ولا سيما على صعيد ممارسات المجموعات المنتفعة مهما سمّيت، سواء هيئات اقتصادية أو غيرها. فهذه المجموعات التي قامت بتحرّك للضغط على اليونانيين للتصويت بـ»نعم» للمزيد من إجراءات التقشف، هي نفسها نزلت أخيراً إلى «البيال» في لبنان «للصراخ»، خوفاً على أموال المنتفعين وليس خوفاً على اقتصاد لبنان ومدخرات عمّاله. «هذا التشابه بين الهيئات ودورها في لعبة الدين والعجز والإجراءات التقشفية لم يكن وليد الصدفة، بل هو نموذج بحدّ ذاته لممارسات الدائنين ورغباتهم السياسية» يقول نحاس.
وفي سياق هذا النموذج المبني على «استدامة» الاستدانة وجعلها أولوية الأولويات وتسخير الاقتصاد خدمة للدين، يقول نحاس، باعت اليونان أصولاً عديدة بأسعار بخسة، فيما لم يطوّر لبنان أي أصول ليبيعها، وبالتالي لم يكن لديه كهرباء ولا مياه ولا اتصالات ولا نقل عام (...) بل ما زال يناقش طرق بيع حقوق إنشاء وتطوير هذه الأصول لبيعها بأسعار بخسة أيضاً خدمة لحفنة من أصحاب رؤوس الأموال وشركائهم السياسيين. «في لبنان لم يكن الأمر مجرّد صدفة أن نبقى بلا كهرباء وبلا بنية تحتية، والسبب في هذا الأمر واضح، هو التوقف عن تخصيص الاعتمادات المالية اللازمة للاستثمارات العامة».
يشير نحاس إلى أن أولوية الاستدانة في لبنان أدّت إلى إلغاء الاستثمارات العامة، وتجميد الأجور والرواتب، ومنع التوظيف. وهذه الإجراءات هي نفسها التي فرضت على اليونان منذ سنوات، وبات مطلوباً منها «قتل» الامتيازات لمئات الجزر اليونانية التي تمثّل عنصر الاستقطاب السياحي الأكبر والتدفقات الخارجية الأساسية.
في لبنان جرى التسويق لتجميد الأجور وإلغاء الاستثمارات العامة ومنع التوظيف، تحت عناوين ترشيق الإدارة العامة والتقشّف، ثم خرجت نظريات على هامش هذا الشعار تشير إلى ضرورة توسيع النمو الاقتصادي لتصبح وتيرته أعلى من وتيرة نمو الدين، فيصغر الثاني يوماً بعد يوم «ليختفي لاحقاً»! كذلك انطلق الترويج للخصخصة على أنها الحلّ الأمثل للحفاظ على استدامة الدين، وأن الدولة هي تاجر فاشل ومفلس عليه أن يبيع أصوله لسداد ديونه، وأن يترك القطاع الخاص يتصرّف بهذه الأصول «بمعرفته»... وقد استعمل التهويل لإمرار هذه الافكار وتنفيذها، «فلم يكن ممكناً فرض الضرائب على توظيف الأموال في الدين العام، ولم يكن ممكناً فرض الضرائب على المضاربات العقارية، ولم يكن ممكناً فرض الضرائب على دخل الشركات... لأن أي مسّ أو تغيير في هذا الأمر يمثّل تغييراً بنيوياً في النموذج وفي شبكة المنتفعين منه، وكان يقال إن الثقة ستسقط مع هذا التغيير، وإن الليرة ستنهار». يعتقد نحاس أن كل هذه الضغوط تشبه ما حصل مع اليونان، التي هوّل عليها بالخروج من الاتحاد الأوروبي إن جاء التصويت رافضاً للإجراءات التقشفية، وأن عليها الرضوخ لرغبات الترويكا أو «الكبار»، وإلا فإن الانهيار سيلحق بها.
كان النقاش في لبنان، يقول نحاس، يتسم بمستوى عالٍ من «التجهيل». لم يبرز في هذه المعمعة سوى فرصة واحدة بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية التي «دفشت» التدفقات النقدية إلى لبنان من دون اللجوء إلى رفع أسعار الفائدة وارتفع حجم التدفقات إلى أكثر بكثير من حاجة لبنان. وبالتالي كان يمكن استعمال هذه المبالغ لتوظيفها في عملية توسيع الاقتصاد وتوفير الحوافز الكافية لخلق نمو من النوعية الجيدة وخلق فرص عمل إضافية، وتحقيق نوع من المساواة الاقتصادية والاجتماعية بين المنتجين وبين المضاربين ــ الريعيين، إلا أن «جشع» المنتفعين من مصارف ومضاربين عقاريين وسياسيين، جعلهم يمعنون في استعمال النموذج السابق لتوظيف هذه المبالغ في الناتج الريعي، أي في الدين العام وسندات الخزينة وشهادات الإيداع الصادرة عن مصرف لبنان. اليونان سقطت بسبب كل ذلك، وصندوق النقد الدولي يحذّرنا من السقوط أيضاً.
 

  • شارك الخبر