hit counter script

الحدث - المهندس هنري صفير

جمهورية الشغور ودولة الشلل

الثلاثاء ١٥ حزيران ٢٠١٥ - 09:24

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

يكفي أن أستعرضَ عيِّنةً ممَن يأمّون دارَتي كلّ يوم، وخصوصاً من أهلي في كسروان، لِيكوّنَ القارئُ من خلال أسئلتهم، وردودهم، وشكاويهم، وتحليلاتهم، واستنتاجاتهم، ويأسهم، صورةً ولو جزئيةً عن المأساة التي يعيشها الوطن ويتخبَّطُ فيها المواطن:
- أحدُهم جاءَني يسأل، وقد كان مُقبلاً على معاملاتِ انتقالٍ إرثية وكان عليه أن يدفعَ مبلغاً من الرسوم والضرائب، فسألني لِمَن في رأيكَ اني أدفع رسوماً وضرائب ما دامت الفوضى عارمة، وشلل المؤسسات مُطبقاً على جميع مفاصل الدولة؟
- وآخرُ قصَدَني وهو يبدو في حالة يأسٍ فأخبَرَني: لقد أنفقتُ جنى عمري كلّه فلم يكفي لتشييد بنايةٍ في "بلّونة" فاستدنتُ مبلغاً غير يسيرٍ من أحد المصارف لاستكمالِها، واليومَ بعد انقضاءِ شهورٍ على انجازها أجدُ نفسي مُثقلاً بالديون، بينما اني عاجزٌ عن بيعِ أي شقةٍ في البناية. واستطردَ قائلاً أن الجمودَ الاقتصادي يسيطرُ على السوق بينما لا تجمد فائدة الدَين ولا ترحم وهي لا تمرض ولا تنام.
قلتُ في نفسي فيما الزائر يشكو من الجمود الاقتصادي، ان هذا المصطلح أصبح في لبنان على كلّ شفةٍ ولِسان، وهو يدلُّ على حقيقةِ الجمود التي ولَّدَتها تراكماتٌ مزمنة، وسياسةٌ نقدية ومالية مُجحِفة.
ولكنَّ المفارقة أنه
كلّما توجّهتُ الى بيروت تُحاصرني على الطريق زحمةُ سيرٍ خانقة تٌوحي بحركةٍ ونشاط، وتعبّرُ عن تناقضٍ فاضحٍ بين حقيقة ِ الواقع والمظهر الخادع.
- زارَني أيضاً أحدٌ من بينِ العمال المصروفين من كازينو لبنان، وسألتُه هل كان الأفضلُ لكَ أن تبقى في الكازينو أم أن تقبضَ تعويضاً وإن كبيرا؟
تنهَّدَ تنهدةً عميقة وقال: الكازينو أصبح في أسوأ حال، يسكنه الفراغ، حتى صالات المَيسر فيه أضحَتْ شِبه فارغة بعد ان كانت تضيقُ باللبنانيين.
- وآخرٌ من الزائرين كان يشكو من انقطاع المياه عن كثيرٍ من قرى كسروان ومن شِحِّها في بعضها الآخر. سألني: أليسَ في أرضِنا الكثير من الينابيع مما يكفي لترتوي منطقة كسروان، وما يفيضُ لتُسهِمَ منطقتنا في إرواءِ غيرها من المناطق؟
شأنُنا في كسروان شأنُ اللبنانيين الآخرين: نشكو من فرطِ ظلمِ الدولة وإهمالِها وإذا خصَّتنا يوماً بمشروعٍ إنمائي فيقبعُ المشروع في الأدراج ويبقى حبراً على ورقٍ زمناً طويلاً حتى يتآكله الغبار ويطويه النسيان.
- لِزائرٍ آخر وهو عضوٌ في المجلس البلدي في جونيه توجَّهتُ وسألتُه عن مشروعِ المرفأ السياحي؟ هزَّ رأسَهُ وقال: "اللهُ أعلَم"!.
- وما زالَ بعض الزائرين يردِّدون أين نحن من وضع الكهرباء في كسروان؟
لدينا في الذوق معملٌ حراري وننعمُ بقسطٍ قليلٍ من الكهرباء أقلّ بكثير مما ينعمُ به أهل العاصمة!.
وكلنا يتذكر أن الحكومة وعدَتنا ان تعمَّ الكهرباء لبنان عند ربيع 1993 وكان هذا وعدٌ من وعود الربيع.
***
والسؤالُ الكبير كان ولا يزال: ماذا تعطي الدولة المواطن في مقابل ما تأخذه منه؟
الدولةُ لا تعطي المواطنين شيئاً، وإن طالَبوها بشيءٍ من حقوقِهم عليها، صمَّتْ أذنَيها غير مبالية بهم وبما يطالبون، زاعمةً أن في الاقتصاص من الناس رَدعاً وإصلاحاً.
هل الحكومات وُجِدَت لخيرِ المواطنين، أم وُلِدَ المواطنون للانصياعِ
لدولةِ "الأونباشية".
الوضعُ الاقتصادي المتردّي في لبنان، نموذج من نماذج جمهورية الشغور ودولة شلل المؤسسات، ما دفعَ الهيئات الاقتصادية بمشاركة الاتحاد العمالي العام ونقابات المِهن الحرّة، والمجتمع المدني الى لقاءٍ وطني عام، عابر الانتماءات السياسية والطائفية والقطاعية، أطلَقَت فيه صرخةً مدوّيةً في وجه الطبقة السياسية، أوقِفوا الانتحار الجماعي...
هلاّ يخوضُ اللبنانيون ثورةً يُنقذون من خلالِها لبنان ويحققون حلمهم بجمهوريةٍ جديدة.
 

  • شارك الخبر