hit counter script

مقالات مختارة - ناصر شرارة

سقوط تدمُر... هل يُنعش حُلم «داعش» بمنفَذ بحري لها من لبنان؟

السبت ١٥ أيار ٢٠١٥ - 06:55

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

اجتازت عربات «داعش» الرباعية الدفع وبأعداد وفيرة مسافة 250 كلم عبر الصحراء من مراكزها في عاصمة دولة الخلافة في الرقّة الى مدينة تدمر. الرحلة لم تستغرق أكثر من أربع ساعات، وحصلت خلال الليل. غالبية الظنّ، حسب محلّلين عسكريين، أنّ مسلّحي «داعش» أطفأوا مصابيح سياراتهم واستخدموا مناظير ليلية لتلمّس طريقهم. وبوصولهم الى تدمر الواقعة في نقطة الوسط من سوريا، دهموا حيّها الشرقي بداية، ثم انسحبوا منه ليشنّوا بعد 24 ساعة هجوماً شاملاً أدّى لسيطرتهم عليها بالكامل، وغنموا كميات كبيرة من الأسلحة التي خلَّفها وراءه الجيش السوري المنسحب الى بلدة فرقلس غرب تدمر.
كالعادة تلا سيطرة «داعش» على تدمر جدل واسع، محوره سؤالان: كيف نجحت قوافل سياراتها العسكرية بالسير ساعات عدّة داخل الصحراء من دون أن تلحظها طائرات التحالف الدولي أو طائرات النظام السوري، فتُبادر الى تدميرها أو تشتيتها؟

والسؤال نفسه كان طُرح عندما نجحت قوافل سيارات «داعش» العسكرية بقطع آلاف الكيلومترات من الأنبار العراقية لتجتاح الرقّة السورية وتعلنها عاصمة دولة خلافتها التي تفوق مساحتها مساحة فرنسا وتزيد بخمسين مرة مضاعفة مساحة لبنان.

ستبقى الإجابة عن هذا السؤال لغزاً ومحلّ سجال اتهامياً. وفي انتظار جلاء إجابة شافية عنه، يتمّ استبداله بسؤال عملي وذي جدوى، وهو أين ستكون ضربة تنظيم «داعش» الثانية، وأيّ مناطق سيختارها ليتمدّد فيها ويضيفها الى جغرافيا دولته المترامية الأطراف والعابرة لحدود سايكس بيكو؟!
تمهيداً للإجابة عن السؤال الأخير لا بدّ من تسجيل ملاحظتين:

- الأولى أنّ أهميّته تكمن بالظرف الدولي الذي تستغله «داعش» أو الذي تتنفَّس منه أوكسجين بقائها وازدهارها الاقتصادي وتوسعها الجغرافي. ومفاد هذه الملاحظة يأتي في متن كلام نقَلته أخيراً شخصية لبنانية عن أحد رموز المحافظين الجدد في اميركا وسفيرها السابق في الامم المتحدة جون بولتون الذي تكلم عن حقائق كبرى باتت تشكل ثوابت في نظرة الغرب لتعامله مع احداث المنطقة.

وأبرز هذه الثوابت نعي مفاعيل سايكس بيكو التي لم تكن أساساً، في رأيه، تُعبّر عن تطلعات شعوب المنطقة بل عن مصالح الاستعمارين الفرنسي والبريطاني في ذاك الزمن، إضافة الى أنها حدود مفروضة على شعوب المنطقة من دون أيّ مسوغ ديموغرافي أو سياسي.

ويضيف بولتن، وهنا بيت القصيد، أننا اليوم نشهد اعادة رسم خرائط الشرق الاوسط. وهذه عملية ستستغرق اكثر من عشر سنوات، وعلى اميركا ألّا تتدخّل فيها، بل يجب أن تنتجها مجتمعات المنطقة بنفسها وذلك حرصاً على مشروعية الحدود الجديدة واستقرارها، مؤكداً أنّ «الصراعات ونتائجها هي التي سترسم كأمر واقع خريطة الحدود الجديدة في المنطقة، وأنّ أميركا لن تتدخل.

ومن الضروري ألّا يتدخل الغرب عن طريق فرض رسم حدود جديدة على نحو ما فعله سايكس - بيكو. بل المطلوب ترك صراعات المنطقة البينيّة ترسم حدودها بنفسها». خلاصة كلام بولتن تًفضي إلى أنّ «داعش» تتحرّك ضمن عدم المحظور الدولي.

- الملاحظة الثانية يؤشر لمضمونها رصد السلوك السابق لـ«داعش» الذي يظهر ماهية المعايير التي ترشد خططها للتمدد والتوسع في اتجاه مناطق جديدة.

وبات معروفاً في هذا السياق، أنّ «داعش» تهتم بالتوسع في اتجاه مناطق تؤمّن لإمارتها، هدفين أساسيّين: أولاً تدمير حدود سايكس - بيكو (هدف عقائدي شرحه البغدادي غير مرة) وثانياً تأمين موارد مالية إضافية لخزينتها، (هدف مصلحي لحظته الاستخبارات الغربية كأولوية للتنظيم دائماً).
ووفق خبراء عسكريين ومتابعين لظاهرة «داعش»، فإنّ التشخيص القادر على توقع الهدف التالي بعد تدمر، يجب أن يلحظ موقع هدفيها الآنفين داخله، بالإضافة الى ما يُقدّمه موقع تدمر الاستراتيجي لها من خيارات عسكرية للانطلاق منه نحو مناطق جديدة.

خيارات بينها الوصول إلى بحر لبنان

تقف «داعش» الآن في نقطة تمثل وسط سوريا. ويتيح لها ذلك رزمة خيارات على مستوى انتقاء هدفها التالي. في مقابلها انسحَبَ الجيش السوري الى بلدة الفرقلس التي أصبحت حدود النظام مع البادية السورية، وهي تبعد من تدمر مئة كلم. الخطوة التالية المتوقعة لـ«داعش»، ستكون محاولتها طرد الجيش السوري من الفرقلس، وحينها ستصبح خياراتها لجهة هدفها التالي أوضح لوجستياً واستراتيجياً.

وستحدّد هل تتمدّد في اتجاه الحدود السورية مع الأردن (أقل من 135 كلم صحراوية)، أم تلتفت الى الوراء فتُسيطر على دير الزُّور التي أصبحت حاميتها من الجيش السوري مقطوعة الصِّلة بدمشق بعد سيطرة «داعش» على تدمر، أم تتّجه الى دمشق حيث المسافة بين الفرقلس والغوطة الشرقية 80 كلم صحراوية أيضاً، لكنّها ضمن هذا الخيار ستصطدم بألدّ أعدائها «جيش الاسلام» المسيطر على تلك المنطقة؟ ام تتّجه نحو العمق الحمصي لتتصل بجبال القلمون حيث لها جيوب فيه خصوصاً في جهته الشمالية.

لكلّ خيار من هذه الخيارات ميزات ونواقص. وحده خيار تمدّد «داعش» في اتجاه الحدود اللبنانية يؤمّن لها الهدفين الأمثلَين في استراتيجيتها المرشدة لعمليات توسعها: كسر حدود سايكس - بيكو، والمصلحة الاقتصادية الاستراتيجية المتمثّلة بامتلاك ممٍرّ تفتقده على البحر من خلال السيطرة على نقطة ساحلية شمالية أو على ميناء طرابلس.

وثائق

تؤكّد إفادات موقوفين بارزين من «داعش» لدى المخابرات اللبنانية، أنّ في تفكيرها الاستراتيجي هدفاً أساساً يقف وراء رغبتها بالوصول الى القلمون والريف الحمصي اللصيق بالحدود اللبنانية، وهو سيطرتها على ممرٍّ بحري لإمارتها في طرابلس اللبنانية او على خط الساحل اللبناني الشمالي.

وكانت «داعش» اعتبرت لفترة أنّ طرابلس هي هدفها الاسهل لتكون المنفذ الأول لإمارتها على البحر المتوسط نظراَ لاستعصاء تحقيق هذا الهدف في منطقة الساحل السوري.

وفي شباط الماضي، كشف قائد الجيش العماد جان قهوجي لصحيفة «لو فيغارو» الفرنسية ما اعتبره الهدف الأساس لـ»داعش» وفق ما أفاد به موقوفوها الكبار (عماد جمعة واحمد ميقاتي) وهو حصراً إشعال فتنة شيعية - سنّية في لبنان، وفي الأساس «تريد «داعش» الوصول الى البحر اللبناني في الشمال، وليس لديها مثل هذا الممر لا في العراق ولا في سوريا».

في وزارة الدفاع الفرنسية ينظرون دائماً بجدية الى إمكان أن تكون «داعش» تفكر بكسر حدود سايكس - بيكو مع لبنان والتمدّد الى خط الساحل الشمالي فيه من اجل الحصول على ممرٍّ بحري نظراً لصلة هذا الهدف باحتياجاتها الاستراتيجية الاقتصادية والتسليحية.

وكانت مصادر لبنانية نقلت عن محافل في وزارة الدفاع الفرنسية أنّ «باريس قد تلجأ لفرض حصار على بحر طرابلس في حال سيطرت «داعش» على مينائها». والسؤال الراهن: هل ينعش استيلاء «داعش» على تدمر حلمها باستغلال امكانية التمدّد منها الى الريف الحمصي اللصيق بلبنان، بغية الاقتراب من هدف إنشاء إمارة في شمال لبنان تمدّها بممرٍّ بحري؟»

سيناريو افتراضي

خبراء عسكريون رسموا لـ«الجمهورية» سيناريو متوقعاً نظرياً على الأقل لتمدّد «داعش» في اتجاه لبنان، ومفاده أنّ تتجه سياراتها الرباعية الدفع من الفرقلس غرباً نحو شرق حمص وتحتاج لذلك قطع مسافة 50 كلم صحراوية. ثمّ تلتف جنوباً متحاشية حمص المدينة في اتجاه بلدة القُصير، حيث ستعمد فيها لمواجهة ثأر مع «حزب الله».

وفي حال نجاحها فيها تتّجه نحو سهل عكار أولاً عبر جرود القلمون الشمالية المقابلة للنبك وقارة حيث تتمتع بحضور في هذه المنطقة حالياً. وثانياً عبر الهرمل، وهنا سيكون أمامها منازَلة أخرى وأخيرة، إن اجتازتها يصبح الطريق مفتوحاً أمامها في اتجاه امتلاك ميناء على البحر اللبناني.

وتعتقد مصادر مطّلعة على تفكير الفصائل السلفية في سوريا، أنّ توجّه «داعش» من تدمر وقرفلس الى الحدود مع لبنان، يحمل هدفاً آخر مهمّاً لها ولكلّ فصائل المعارضة السورية، وهو استعادة القُصير. وهذا الهدف شكّل خلال الحرب النفسية التي شهدتها مرحلة اقتراب حرب القلمون هدفاً معنوياً أساسياً لـ»جبهة النصرة».

وترى المصادر أنّ هزيمة «حزب الله» في سوريا تبدأ في حال نجح فصيل معارض سوري باستعادة حيّ واحد في القُصير، لأنّ ذلك سيهزّ استمرار تماسك قاعدة الحزب الاجتماعية وراء هدف القتال في سوريا.

  • شارك الخبر