hit counter script

مقالات مختارة - نجوى بركات

غطّت سلمى حايك، طارت سلمى حايك

الثلاثاء ١٥ أيار ٢٠١٥ - 06:49

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

غطّت سلمى حايك، طارت سلمى حايك، واشتعلت وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الاجتماعية، بين من يدافعون عنها ومن يهاجمونها. فالمرأة بالنسبة إلى بعضهم انتهازية، لا علاقة لها فعلية بلبنان الذي تحدثت، بعين دامعة وصوت متهدج، عن حبها له وعن كونه وطنها الحبيب. لذا، لا بد من "فضحها" وإظهارها على حقيقتها. أما الحقيقة، فهي أنها هنا فقط لترويج فيلم "النبي"، المقتبس عن كتاب جبران خليل جيران، وهي المتبرّئة أصلاً من أصلها، كما قال كثيرون، مستشهدين بمقابلات قديمة لها، أجابت خلالها، أكثر من مرة، حين كانوا يسألونها عن غرابة اسمها وأصولها، أنها مكسيكية وكفى. هؤلاء أخذوا عليها أيضاً قلة اكتراثها، وكيف أنها تحدثت عن جمال لبنان، فلم تذكر انقطاع الكهرباء، وأزمة فراغ الكرسي الرئاسي، واستشراء الفساد، والأزمة الاقتصادية، و... و...
ثم أتى من يهاجم جبران نفسه، ويذكر بسلبيات شخصيته الانتهازية (هو أيضاً) التي عاشت على حساب النساء، بدءاً من ماري هاسكل، وانتهاء بمي زيادة، مستندين إلى كتب ومراجع قد تكون هي نفسها قابلة للنقاش، مروراً بأن جبران هو أحد المساهمين في تأسيس الحلم اللبناني، إلى جانب الرحابنة وسواهم، وهو الحلم الذي خلق لنا صورة وهمية، فضحتها الحرب، وأثبتت لا واقعيتها. وها إن سلمى حايك وفيلمها ينبشان القبور لإعادة إحياء صورة كاذبة، يروّجها اللبنانيون من أصحاب المشاريع المفلسة ثقافياً وسياسياً.
ثم، في الجهة المقابلة، هنالك جوقة المحتفلين، بلا احتساب، بسلمى حايك، النجمة العالمية التي تريد أن تعيد لبنان إلى الخريطة العالمية، وأن تقدم خدمة لبلدها من خلال إنتاج فيلم متحرك عن "النبي". وهناك كذلك سلمى حايك التي احتلت (بالمعنى الحرفيّ) وسائل الإعلام، خلال أسبوع كامل، فأنست اللبنانيين مصائبهم، واحتُفي بها واستقبلها كبار الصحافيين، وتمّت متابعة أدنى تحركاتها، من سهرة افتتاح الفيلم وعبورها السجادة الحمراء في أسواق بيروت، إلى زيارتها مسقط رأس جبران، ثم مخيماً للنازحين السوريين وتمضيتها يوماً كاملاً معهم.
من نافل القول إن النجمة السينمائية امرأة شديدة الذكاء، واسعة الحيلة، وإن لبنانيتها تظهر ربما هنا، من غير أن نستدلّ بذكائها هذا، على "احتيالها" وانتهازيتها. فالمرأة هذه عانت، ولا ريب، في "العالم الحر"، ما يعانيه من يحملون أسماء عربية لا يتخلون عنها، وهي حتماً حاولت، كأيّ مهاجر عربيّ، أن تُنسي الآخر أصولها، فلا تبقى أسيرة نظرته السلبية إليها، تلك التي تكتفي بالكليشيهات، أو بالقليل من المعطيات لتكوين حكمها الجاهز، فلا الأصول العربية، ولا الأصول اللبنانية، عنصر إيجابي أو "داعم"، كما قد تكون عليه جنسيات أخرى، هذا إن لم تكن "تهمة"، بالتخلّف أو بالإرهاب. ومن يخوض، أو خاض، في وحول تلك البلدان وتعاليها العدائيّ، سيفهم، ولا بدّ، حساسية الموقف، ومعنى السير الدائم بين نارين.
جاءت سلمى حايك برفقة والدها الذي دارت به، أينما حلّت، كأنها تهديه حلمه الذي حققته. كما أنجزت مهمتها منتجة، فروّجت فيلمها، وحاولت بيعه بأفضل ما يكون. وجبران، المعدم الفقير، الذي فتح له العالمُ ذراعيه، استغلّ العالمَ وما أعطُي له قدر ما استطاع، فهو حتماً ليس المصطفى وليس "النبي"، وكتابه هذا الذي يحتل المراتب الأولى في قوائم مبيعات الكتب في العالم، بعد مضي قرون على وفاته، ما زال يخاطب الوجدان البشري، بما يتجاوز صغائر كاتبه المفترضة، أو تناقضاته. أما لبنان، فقد اخترع ككل البلدان والشعوب، رواية له، وحلماً، وأسطورة توهّمها عن نفسه، باذلاً ما في وسعه، كي يجعلها واقعاً في نظر أبنائه، وفي نظرة الآخرين إليه.
وأخيراً لا آخراً، لست من محبي سلمى حايك، أو من المعجبين جداً بجبران خليل جبران، لذا اقتضى التصويب.
 

  • شارك الخبر