hit counter script

باقلامهم - دافيد عيسى - كاتب وسياسي

"عاصفة الحزم"... وارتدادتها اللبنانية

الثلاثاء ١٥ نيسان ٢٠١٥ - 00:12

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

منطقة الشرق الأوسط في حالة غليان وتحول، وفي حركة احداث لا تهدأ بوتيرة سريعة يصعب اللحاق بها. وما يكاد حدث يندلع هنا حتى يقع حدث مباغت هناك يخطف الأضواء ويحوّل الأنظار. وهذا ما حدث في اليمن عندما تطورت الأزمة السياسية الداخلية ومن دون مقدمات إلى نزاع اقليمي وحرب عسكرية ليصبح " اليمن السعيد" تعيساً وغارقاً في الدم والدمار والفوضى ويتحول إلى مركز للصراع الدائم في المنطقة بوجهيه الديني والقومي كصراع "سني – شيعي" أو صراع "عربي – ايراني".
فجأة، لم يعد تنظيم " داعش " واخواته يحتلون صدارة الأحداث والاخطار، وتراجع الوضع في سوريا والعراق عن سلم الأولويات والاهتمامات بالرغم من خطورته لأن احداث اليمن شكلت نقطة تحول وانعطافة حادة في مسار الأحداث واعادت خلط الأوراق واحدثت تعديلاً في ميزان القوى في المنطقة.
وبعدما كانت الحرب ضد الارهاب تشكل مركز استقطاب دولي – اقليمي في إطار تحالف واسع بقيادة اميركية، جاءت الحرب في اليمن تحت عنوان " عاصفة الحزم " لتشكل مركز استقطاب "عربي – اسلامي" بقيادة سعودية. وهذا التحالف أخذ على عاتقه مهمة مواجهة "المشروع الايراني" في المنطقة العربية والذي بلغ أرض اليمن وطرق باب السعودية والخليج، وبات في يد ايران مفتاح التحكم بالممرات والمنافذ البحرية الرئيسية في مضيق باب المندب الذي تمر عبره أكثر من ثلث حركة النفط والتجارة العالمية.
هذه التطورات الدراماتيكية في اليمن زادت الاوضاع في المنطقة تعقيداً وتوتراً ودفعت بالصراع "السني – الشيعي" إلى مراحل ومستويات متقدمة ولكن الأبرز والأهم فيها كان هذا التحول الكبير عند المملكة العربية السعودية التي لم تُعرف يوماً انها "دولة حرب", وانما اتسمت سياستها دوماً بالتروي والتحفظ, ولعبت في أغلب الأوقات ادوار من وراء الستار او من خطوط خلفية, ولم يحدث ان لعبت دور المواجهة العسكرية على الخطوط الأمامية.
وهذا يعني ان السعودية استشعرت خطراً داهماً لا يمكن تجاهله اضطرها إلى اللجوء للخيار العسكري. السعودية وجدت نفسها مطوقة بمشاكل وضغوط من ثلاث جهات، من العراق واليمن والبحرين، في اليمن الذي يُعد حديقتها الخلفية فقدت زمام المبادرة عندما انهارت مبادرتها السياسية للحل تحت عنوان " المبادرة الخليجية " وتقدّم الحوثيون للسيطرة على العاصمة صنعاء وبعد ذلك في اتجاه عدن العاصمة الثانية التي استحدثتها الرياض واقامت فيها مقراً للرئيس اليمني منصور هادي. ومن ثم باتجاه باب المندب على إيقاع مناورات غير مسبوقة للحوثيين عند الحدود اليمنية مع السعودية.
كل هذه التطورات المتسارعة ادى الى استدراج السعودية إلى المستنقع اليمني, وإلى ان تخرج عن طورها وتتخلى عن هدوئها وتكشف عن وجه غاضب وأنياب مكشرة.
ومما لا شك فيه ان اليمن دخل مرحلة جديدة، وما بعد " عاصفة الحزم " لن يكون مثلما كان قبلها. والوضع الاقليمي برمته دخل ايضاً في مرحلة جديدة يصعب التكهن بمسارها ونهاياتها. فحرب اليمن ستؤجج الصراع المذهبي اكثر واكثر وتكون سببآ اضافيآ لسلسلة حروب ومواجهات لا تنتهي بكل اسف في سنوات طويلة.
وإلى ان يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود واتجاه الأوضاع، فان لبنان كان من بين المتضررين الرئيسيين من حرب اليمن رغم ما يفصل بين البلدين من مسافة جغرافية . وأول نتيجة مباشرة لهذا الضرر كان تمديد فترة الانتظار والمراوحة التي يقبع فيها لبنان منذ أربع سنوات أي منذ اندلاع الحرب في سوريا، وتمديد الفراغ في رئاسة الجمهورية حتى اشعار آخر يصعب تحديده بعدما انهارت مقولة التفاهم "السعودي – الايراني" الذي كان من المتوقع ان يترجم في لبنان توافقاً على رئيس جديد للجمهورية.
ولكن تداعيات الحدث اليمني في لبنان ذهبت إلى أكثر من ذلك وفاقت كل تصوّر وتوقّع، وذلك ان حرب اليمن كانت سبباً إضافياً في تأجيج الانقسامات المذهبية وتسعير الخلافات وتهديد الأستقرار الحكومي، والاطاحة بما تحقق على صعيد الحوار بين (المستقبل وحزب الله) من انجازات متواضعة تمحورت حول حركة تنفيس الاحتقان المذهبي ( السني- الشيعي) في البلاد.
كان ينقص لبنان المكتوي بنار الحرب السورية حرباً جديدة وصراعاً جديداً في المنطقة العربية حتى تزداد مشاكله صعوبة وتعقيداً ويتعمق الانقسام الوطني والمذهبي فيه أكثر وتعود السجالات والمشادات السياسية والحكومية إلى الاحتدام بين (تيار المستقبل وحزب الله) وتزداد لغة الفرز على أساس محاور اقليمية ومذهبية .
فإذا كان تيار المستقبل اخطاء في مسارعته إلى " التهليل " للتحالف الجديد الذي تقوده السعودية ولم يتردد في اشهار تأييده "لعاصفة الحزم" وتسرّع في بناء آمال ورهانات كبيرة عليه يمكن ان تصح أو لا تصح ، فان حزب الله ارتكب خطأ اكبر بدخوله طرفاً مباشراً في حرب اليمن مؤيدآ الحراك الحوثي ومهاجماً السعوديين بكلام قاسي وتهديد مبطن.
وبلغة الصدق والصراحة التي توجهنا بها دائماً إلى كل القوى والاطراف السياسية في لبنان ومن منطلق الحريص اتوجه اليوم الى حزب الله، واقول بكل موضوعية ان سماحة السيد حسن نصرالله لم يكن موفقاً في خطابه المتعلق باليمن تحديدآ وهو الذي اعتاد في اغلب الاحيان على خطابات هادفة تتسم بالحجة والاقناع وتخاطب العقول قبل المشاعر والعواطف والعصبيات وتخلو من التوتر والانفعالات ...
ونحن نسأل بكل محبة بعد كلام السيد نصرالله عن مصلحة لبنان في الهجوم الكلامي على المملكة العربية السعودية وفي اذكاء التوتر والصراع المذهبي في المنطقة...
ويبقى السؤال الأهم هل أخذ امين عام حزب الله بعين الاعتبار في مواقفه الاخيرة مصالح اكثر من نصف مليون مواطن لبناني من مختلف الطوائف يعملون على الرحب والسعة في الخليج ويرفدون لبنان واقتصاده باسباب القوة والصمود الاقتصادي والمالي ، وهل سهى عن باله ان هذه الدول كانت الملجأ والملاذ الآمن للبنانيين على امتداد عقود الحرب وكانت السند للبنان واهله في كل الحروب والتجارب المرّة التي اجتازها. وكذلك اخطأ بعض وزراء "حزب الله" في توجيه انتقادات قاسية لرئيس الحكومة تمام سلام بسبب المواقف التي اعلنها في قمة شرم الشيخ, بالرغم من ان خطاب رئيس الحكومة صيغ بلهجة معتدلة وموقف متزن يأخذ في الاعتبار دور لبنان وعلاقاته العربية والتزامه بميثاق الجامعة العربية، وحيث ان لبنان ليس في مقدوره ولا في مصلحته الخروج على الاجماع العربي وانتهاج سياسة منفردة والسير عكس التيار في العالم العربي والاسلامي.
في الختام لا بد من القول لتيار المستقبل ولحزب الله وبكل صدق ومن اجل المصلحة الوطنية, ان لبنان بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى لغة الاعتدال والتهدئة ونبذ لغة التطرف والتوتير والمذهبية ، وإذا كان تمسّك الجميع بالحوار والحكومة لا سيما "حزب الله وتيار المستقبل" وهذا يشكّل علامة مضيئة وسط هذه الأجواء المكفهرّة فان هذا " التشبث " وحده لا يكفي إذا لم يترجم بسياسة المرونة والاعتدال وخطوات عملية تبدأ عند البعض بعدم السقوط مجدداً في رهانات وحسابات خاطئة وبالتعاطي مع وقائع وليس مع أوهام، وتبدأ عند البعض الآخر بالتواضع وخفض سقف الطموحات وعدم الاعتداد بـ " فائض القوة "...
 

  • شارك الخبر