hit counter script

مقالات مختارة - محمد الصادق

بدائل الإسلام السياسي في الخليج

الثلاثاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 06:20

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

العربي الجديد

في ورشة عمل نظمها المعهد الملكي البريطاني (شاتام هاوس) للشؤون الدولية، تم تناول مستقبل الحركات القومية والعلمانية في الخليج، وإذا ما كانت القومية قادرة على تشكيل بديل عن الإسلام السياسي في الخليج. في الواقع، وقبل الخوض في تاريخ التيارات العلمانية في الخليج العربي، أو في تاريخ الحركات القومية واليسارية، عموماً، وما هي المعوقات أمام صعودها، ينبغي فحص ما يخفي السؤال المركزي للحلقة.
تم طرح السؤال التالي: ما بديل الإسلام السياسي في الخليج العربي؟ ينبغي، في البداية، تسجيل اعتراض مبدئي على العنوان الأساسي للورشة؛ لأنه يُعطي انطباعاً وكأن الإسلام السياسي هو الأصل، وهو الخيار الفطري لهذه الجماعة البشرية، وأننا، إذ نبحث، اليوم، عن بديل له، فذلك للنتيجة الكارثية التي نراها في المشرق العربي، من بزوغ لتنظيمات تكفيرية، كداعش، يتم تحميل أسباب ظهورها للإسلام السياسي، أو لظهور ميليشيات مذهبية، كعصائب أهل الحق، تخوض حروباً أهلية، ما يستدعي التفكير في البحث عن بديل الآن، وعلى عجل، فيتم بذلك تجاهل احتلال العراق، و انهيار الدولة الوطنية في الهلال الخصيب والنتائج المرافقة له.
القومية العربية علاج لمشكلة الهوية السياسية في الوطن العربي، وليست حلاً لجميع مشكلات الأمة العربية الاقتصادية والتنموية، ولا حتى تجيب عن شكل نظام الحكم، وهي تقوم بثلاث وظائف رئيسية، في هذه المرحلة. تُعرَّف الأغلبية داخل الأمة العربية، وتُعرّف من هو المواطن، وتضمن التماسك الاجتماعي، فتمنع الانزلاق نحو الحروب الأهلية؛ لأنها سوف تحسم الصراع الهوياتي داخل الدولة الوطنية، وتلغي فكرة التحاصص على أساس طائفي، من خلال إعادة تعريف المواطن ذاته فرداً عربياً داخل كل قطر، وكذلك تُشكل مظلة للعملية السياسية داخل الوطن، بحيث يمكن بعدها التأسيس لديمقراطيةٍ يكون التنافس فيها على برامج عمل سياسية، تحكمها أغلبية سياسية، وليس أغلبية دينية، كما يفعل باقتدار الإسلام السياسي في كل من إيران والعراق.
بالعودة إلى تاريخ الحركات القومية في الخليج العربي، نجد أن خطابها السياسي كان متقدماً جداً في مطالبه الإصلاحية، مقارنة بما نحن عليه الآن، فقد كانت الديمقراطية، والحريات العامة، والعدالة الاجتماعية والمساواة، من أبرز عناصر الخطاب القومي واليساري، ولم يكن المجتمع في تلك المرحلة منقسماً عمودياً بين سنة وشيعة، ولم تكن الأوطان مهددة بالتفتت، بل كانت أحلام الوحدة والتكامل تراود أبناء ذلك الجيل، على عكس عصرنا الذي يمكن وصفه بامتياز بـ"عصر الطائفية"؛ فأقصى ما يمكن للإسلاميين تقديمه هو التعايش، بين السنة والشيعة، وفق حصة كل طائفة داخل كل دولة في المنطقة، هذا في وقت لا تكون فيه غلبة ساحقة لأحدهم، لأنه متى ما تأكد أحدهما من إمكانية سحق الآخر، فإنه لا يفوت الفرصة أبداً.
"
لم تنخرط الأحزاب القومية واليسارية في مواجهة داخلية مع الإسلام السياسي، أو حتى مع الليبرالية العربية، إلا حينما عملت هذه الجماعتان رأس حربة ضد المشروع القومي، في دعم "الأنظمة الرجعية"
"
في مطلع الخمسينيات الميلادية، ظهرت أول ظواهر العلمانية السياسية في المجمتع السعودي، من خلال الحركة القومية والتيارات اليسارية التي اقتحمت الفضاء العام، بفضل الكاريزما التي تحلى بها الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، صاحب مشروع الوحدة العربية، وقد ساهم المدرسون والعمال العرب المنخرطون في تنظيمات وأحزاب قومية ويسارية في تثقيف هؤلاء الشبان المتأثرين بالقومية العربية. وكانت الأحزاب الشيوعية أول من بدأ العمل السياسي، في مطلع الخمسينبات، ثم لحقت بها الحركة القومية التي كانت انعكاساً للحركة العمالية التي عرفتها شركة أرامكو السعودية، وكان من بين أبرز الأسماء التي قدمت للسعودية رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية، فاروق القدومي، حيث كان يعمل في الشركة نفسها، ورئيس مكتب الطلاب القوميين في العراق، كمال فاخوري. دخلت هذه التنظيمات بوابة العمل السياسي، من خلال الزخم الذي وفرته ثورة يوليو 1952 في مصر، والدور التحرّري الذي كان عبد الناصر يمثله لهؤلاء الشبان، في مواجهته المشروع الاستعماري في الوطن العربي، فتحولت، إثر ذلك، المظاهرات والإضرابات لعمل سياسي، بعد أن كانت عملاً مطلبياً، حيث رفعت وثيقة إلى السلطة السياسية، تُطالب بعدم التجديد لاتفاقية قاعدة الظهران مع الأميركان، وقد وقع عليها 5000 مواطن، بحسب ما ذكر لي أحد المشاركين في تلك المظاهرات.
وكانت تلك الأحزاب القومية واليسارية تحمل مشروعاً سياسياً علمانياً، فيما يتعلق بنظام الحكم فقط، وليس مشروعاً يهدف إلى علمنة المجتمع، على الطريقة الأتاتوركية والبورقيبية، فهي لم تضع في برامجها السياسية، واستهدافاتها، تغيير بنية المجتمع التقليدي الذي كانت تعيش فيه، لكنها سعت إلى تغيير ظروفه الاقتصادية والاجتماعية، أولاً، قبل التفكير بتغيير ثقافته، من خلال الإصلاح السياسي ورفع مستوى الوعي. لهذا، لم تنخرط الأحزاب القومية واليسارية في مواجهة داخلية مع الإسلام السياسي، أو حتى مع الليبرالية العربية، إلا حينما عملت هذه الجماعتان رأس حربة ضد المشروع القومي، في دعم "الأنظمة الرجعية"، بحسب تعبيرها، والتي كانت تتواطأ مع القوى الاستعمارية، وفق أدبيات اليسار. بهذا المعنى، كانت تُرسم خطوط المواجهة مع هذه القوى الاجتماعية والسياسية، وليس من باب المنافسة على تشكيل ثقافة المجتمع، كما كان يعمل الإسلام السياسي، بسياسة المراحل التي كان يتبعها استراتيجية عمل محلي، من الدعوة إلى التدين والعمل الدعوي، وصولاً إلى التمكين في سبيل الوصول إلى الحكم، ثم فرض نموذج إسلامي للحكم.
إذن، نستخلص مما سبق أن الإسلام السياسي، وإن بدا وكأنه المحرك الرئيسي للجمهور في الوطن العربي، بسبب المساحة التي أتاحتها له الأنظمة العربية والنظام الإيراني، مكنته من كسب مساحات اجتماعية واسعة، إلا أنه، في النهاية، فشل في تحويل هذا الجمهور إلى جماعة منظمة قادرة على الدفع بمشروعه السياسي، لكي يكون بديلاً ناجعاً، بل ما حدث هو العكس. ويعود غياب الاحزاب العلمانية والقومية عن المشهد إلى انكسار الحركة الناصرية، وغياب حرية العمل السياسي وحدود مساحة التنظم المدني، في ظل حرية تامة للمشاريع الطائفية في المنطقة.
 

  • شارك الخبر