hit counter script

خاص - أماندا معوض

عشوائية لوحات الإعلانات خطر يتطلّب المعالجة والتنظيم!

الأربعاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٤ - 07:44

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

إذا كنت من سكان هذا البلد الصغير لبنان، فأنت حتماً تستخدم طرقاته المكتظّة، ليس بالسيارات فحسب، بل باللوحات الإعلانية. إذ أن زحمة السير الخانقة التي يحاول اللبنانيون التعايش معها يومياً، انعكست إكتظاظاً في قطاع الإعلانات. لا ضجر إطلاقاً حين يحاصَر اللبنانيون لساعاتٍ عدة في سياراتهم، فاللوحات والشاشات الإعلانية تقوم بعرض مواد كافية لما يشبع العين وأكثر. فالحملة التنظيمية التي قامت بها وزارة الداخلية والبلديات خلال عامي 2011 و2012، قد أسفرت عن إزالة عدد هائل من اللوحات على الطرقات الرئيسية والفرعية اللبنانية. إلا أن التضخّم في سوق الإعلانات ما زال يشكل خطراً كبيراً على سلامة السائقين على الطرقات اللبنانية، ويخالف المعايير العالمية للسلامة العامة. إذ أن الإعلانات، وخاصةً المتحركة منها، تشتّت إنتباه السائق وتجعله خاضعاً لسلطتها، فتصل أحياناً إلى التسبّب بحوادث سير كثيرة.

المرسوم رقم 8861
في الإطار القانوني، يشكّل المرسوم رقم 8861 الصادر عن مجلس الوزراء عام 1996 الوثيقة التنظيمية لهذا القطاع. فهو يفصّل قياسات اللوحات وأماكن وضعها والمسافة التي يجب أن تفصل بين اللوحة والأخرى، كما يحدّد آلية أخذ التراخيص وتجديدها. غير أنه لم يأتِ على ذكر تنظيم اللوحات الخاصة التي تُستخدم عشوائياً في الوقت الحاضر دون حسيبٍ ولا رقيب ،ولم يحدّد كيفية إحتساب القيمة الضريبية التي يتوجّب على صاحب اللوحة تسديدها للبلدية.
في هذا السياق، اعتبر رئيس بلدية الجديدة أنطوان جبارة في حديثٍ لموقع "ليبانون فايلز" أن المرسوم 8861 "غير قابل للتطبيق في وقتنا الحالي"، موضحاً أن المرسوم عمره حوالي العشرين سنة، وأن الزمن تغيّر وقد دخلت التكنولوجيا هذا القطاع.

يوافقه الرأي الرئيس التنفيذي لشركة الإعلانات "Regie Plus" جورج شهوان، والذي أكد لـ"ليبانون فايلز" أن "المرسوم بحاجة للتعديل ليتماشى مع التطوّر العالمي، مع الأخذ بعين الإعتبار الأمور التي نعاني منها كَمُعلنين".

* جورج شهوان - رئيس مجلس إدارة ريجي بلاس

من جهته، أكد نائب رئيس بلدية الفنار طوني عون في مقابلة مع "ليبانون فايلز"، أن "المرسوم لا يطبّق، والبلدية تحاول قدر الإمكان أن تراعي النصّ، إلا أننا إذا أردنا تطبيقه حرفياً، فلا يمكننا تركيب أي لوحة إعلانية في لبنان"، موضحاً أن "المئة متر بين اللوحة والأخرى، ومسافة الأربعة أمتار عن الطريق، هي مسافات شاسعة غير موجودة على الطرقات اللبنانية".

في المقابل، رأى رئيس بلدية الدكوانة أنطوان شختورة أن "المرسوم يطبّق بحدود ألـ80 في المئة، وقد نُضطر أحياناً بأن نقبل بمسافة 80 أو 90 متراً بين اللوحة والأخرى بدل 100 متر، وذلك بسبب التنظيم المدني غير المساعد في معظم الأحيان". ولفت إلى أن "بلدية الدكوانة تلاحق الشركات المخالفة وتمارس رقابتها بشكل جيد".

أسعار الإعلانات مقابل الرسوم الضريبية
من جهة أخرى، تتفاوت أسعار الإعلانات بين شركة وأخرى، وتتأثّر بعوامل عدّة مثل الموقع الجغرافي وحجم اللوحة. وفي هذا المجال أكدت مديرة التسويق في شركة الإعلانات "PanoPlus" أوغيت شدياق لموقعنا، أن "أسعار الإعلانات تبدأ من 3000 دولار أميركي وترتفع حسب المنطقة، فالأسعار في الأشرفيه مثلاً أعلى (4000$) من الأسعار في جونيه (3000$)، كذلك بالنسبة لحجم اللوحة ومدّة وضع الإعلان (نهار واحد، أسبوع ، شهر...)، وأشارت مديرة قسم المحاسبة في الشركة ذاتها جيهان بو شمعون إلى أن "الرسوم الضريبية تحدّد من البلديات سنوياً، فكل بلدية تزوّدنا بجدول سنة تكليف رسوم الإستثمار، ونتعامل معها على هذا الأساس".
وتختلف الرسوم بين بلدية وأخرى، إلا أنها تبقى بسيطة بالنسبة لعائدات شركات الإعلانات. وشرح رئيس بلدية الفنار طوني عون أن "بلدية الفنار هي من البلديات التي تأخذ رسوماً عالية على الإعلانات، إذ أنها تحتسب الرسوم بطريقة منصفة"، موضحاً أن "فريق من المهندسين يخمّن سعر متر الأرض (1000$ أميركي في الفنار تقريباً) والمساحة التي ستأخذها اللوحة، وبالتالي، فإن الرسم يرتفع حوالي المليوني ليرة لبنانية سنوياً، فيما لا يتعدّى ألـ400 ألف ليرة في بلديات أخرى".

أما في الشق الإداري، فقد لفتت جيهان بو شمعون إلى "الفوضى التي تعمّ معاملات طلب التراخيص وطريقة احتساب الرسوم بين مختلف البلديات"، مشيرة إلى أن "ورقة طلب الترخيص تختلف بين منطقة وأخرى، علماً أنها ستصب كلها في وزارة الداخلية"، مشدّدة على ضرورة "توحيد طريقة احتساب الرسوم بين المناطق".
وأشار عون إلى أن "المشكلة الرئيسية في قطاع الإعلانات اليوم، هي أن الملف يُحوّل إلى وزارة الداخلية، الأمر الذي يسبّب تأخيراً في إصدار التراخيص بسبب الضغط الكبير على الموظفين في الوزارة. في حين أنه يمكن لهذه المعاملات أن تحمي مصالح الشركات"، وبدوره لفت شهوان إلى "الإستنسابية لدى رؤساء البلديات، كل واحدٍ قوي في بلديته". وطالب وزارة المال ب"توحيد احتساب الرسوم، على أن تكون مدروسة على مستوى جميع المناطق".


قطاع الإعلانات نحو التراجع
وبالتالي، تأتي العشوائية في وضع اللوحات الخاصة لتضرب هذا القطاع وتزيد من نسبة التلوّث البصري. وأكد جبارة أنه "يحق لكل شخص أن يضع لوحة إعلانية خاصة أمام محله، مقابل دفع رسم بلدي سنوي لا يتعدّى ألـ300 ألف ليرة لبنانية". فكل من يحلو له، يدفع الرسم البلدي البسيط، و"عصفورين بحجر واحد"، هو يستفيد من عرض إعلانه على مدار الساعة وينافس الشركات المعلنة، ناهيك عن الشركات الكبيرة التي تثبّت شاشة إعلان خاصة بها.
في الإطار ذاته، أوضح شهوان أنه يجب "تنظيم الإعلانات الخاصة بطريقة ذكية لأنها تنافس وتضرب سوق الشركات المعلنة"، عن طريق إعاقة وضع اللوحات الإعلانية الممتلَكة من قبل هذه الشركات. فبدل من أن تستفيد الدولة من وضع هذه اللوحات الخاصة، وتأخذ القيمة الضريبية التي تستحقّها وتستخدمها كمورد تمويل للخزينة على المستوى الوطني، وللبلديات على المستوى المحلي، فإنها تسمح بتثبيت لوحات وشاشات خاصة مقابل رسوم زهيدة الثمن. ولذلك، من الطبيعي أن يتزايد عدد هذه اللوحات بشكل كبير، وخير مثالٍ على ذلك أوتوستراد الزلقا، جل الديب وانطلياس.
وعلى خطٍ موازٍ، أشار شهوان إلى أن "المهنة تمرّ بأزمة في لبنان بسبب الوضع الإقتصادي في البلد من جهة، وبسبب ازدياد عدد شاشات الإعلانات أو الـLed Screens على الطرقات من جهةٍ أخرى، وفي ظل غياب التنظيم الواضح لها، ازداد العدد بشكل كبير جداً، ومثل أي سلعة تجارية، هي أيضاً تخضع لمبدأ العرض والطلب، فقيمة الإعلان على الشاشات تنخفض بشكل دائم". من جهتها، أكدت شدياق أن "هناك عرفٌ معتمد بين الشركات المعلنة وهو أن يمرّ على الشاشات، 8 إعلانات خلال 64 ثانية (أي 8 ثوانٍ للإعلان الواحد)، إلا أن بعض الشركات قرّرت وضع 6 إعلانات، بدافع المنافسة، الأمر الذي يجبرنا على تخفيض الأسعار أحياناً".

في سياقٍ مختلف، أكدت شدياق أن "البلديات ترى في بعض الأحيان أن مكان اللوحة لا يشكل خطراً على السلامة العامة". وهذا ما كان جواب عون عند سؤاله عن وضع 3 لوحات متقاربة وعلى كوع خطر في منطقة الفنار، مضيفاً أننا نتكلم عن طريق داخلي وليس عن طريق عام.
ويبقى السؤال المطروح: ما هي معايير تهديد السلامة العامة ؟ من يحدد هذه المعايير وعلى أي أساس؟ كيف يتم تحديد عوامل عدم تلويث نظر المواطنين وتشتيت إنتباه السائقين على الطرقات اللبنانية؟ لا جواب على هذه الأسئلة، لأن سوق الإعلانات مثل معظم القطاعات في لبنان، تعمّها الفوضى والإهمال. فهناك إشاعات عن حملة تنظيم في المستقبل القريب... فهل نتأمل في أن تصبح طرقاتنا سالمة و"نظيفة" ؟
 

  • شارك الخبر