hit counter script

باقلامهم - روبير فرنجيه

"حاجي تحلل وحياتك..."

الأربعاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٤ - 06:24

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

في حياتنا اليومية تكثر التحليلات التي نصفها بعاميتنا مرات: "التحاليل" من المستشفى حيث نخضع مرات الى فحص للدم...ويذهب الاختبار الى أبعد إما الزرع وإما التحليل وانتقالاً من مختبر الدم الى البرامج الحوارية التي لا تختبر دم الضيف بين خفيف وثقيل. فالأهم أو الهم عند بعضها لا سيما الصباحية في عدد كبير من المحطات:
تأمين موزاييك موضوعي بين الضيوف من هنا وهناك. من الثامن ومن الرابع عشر من آذار لتترسخ موضوعيتها ومهنيتها وتكثر نسب حضورها.
وتشكيلة المحللين باتت معروفة ومحدودة الى حد أن تداول الأسماء في لغة المحاورين هي "هيدا بيطلع الصبح" و"هيدا ما بيطلع" وبذلك يداوم المحلل الجديد في سبعة ايام بين مواقع التلفزيونات القريبة والبعيدة في السياسة والجغرافيا. وبالأمس دنا مني إبني وسألني كم سنة هو اختصاص المحلل في لبنان؟ بماذا أجيبه! هل أصارحه ان عليه ان يؤمن نحو 50 اطلالة تلفزيونية ليمتهن التحليل. هل أقول له ان عليه ان يكون أنتسب لعشرة أحزاب واستقال أو أُقيل منها ليحترف التحليل. هل أقول له ان عليه ان يكون متفرغاً ولم أقصد عاطلاً عن العمل ليلبي دعوات البرامج السياسية ويشارك في النظريات والتنظير ويحلل خطاب أوباما ويكشف نوايا ايران ويفضح خطة الروس؟؟؟
لكن أبني لم يمطرني باستجواباته واكتفى معلقاً: يبدو ان الجامعة التي تخرجهم ممتازة فهم يعرفون الشاردة والواردة. ولديهم اجابة على كل سؤال. عندئذ استفزني قوله وسألته وكيف عرفت باجتهادهم فرد واثقاً: هل سمعتهم مرة يقولون:"ما بعرف" جواباً على سؤال من زميلك الأعلامي. هل سمعت أي محلل (من الطارئين) يقول: "كعيت"؟؟
فكرت لحظة بما قاله "غدي" أبني المشاغب ووجدت ان الحق معه وان كان ليس معه حق. فالمحلل الجديد في لبنان يعرف "البير وغطاه". يعرف متى ستنتهي الحرب في سوريا تخميناً ومتى سننتخب رئيس جمهورية تكهناً ومتى ستعود موجة الانفجارات توقعاً. بل أبعد من ذلك بكثير هم اي "جماعة التحليل" يملكون معلومات وثيقة من البيت الأبيض ولديهم جواسيسهم في "المطبخ الداعشي" يسربون لهم الأخبار وفي المملكة العربية السعودية عندهم من يزودهم بالتوجهات العامة ومن سوريا ايضاً.
ان سألهم المحاور عن المسيحيين في العراق يجيبون:"هذه هي أرقاهم وهذا هو مستقبلهم" وان سألهم عن العراق جوابهم تحت إبطهم:" هذا هو العراق قبل صدام وهذا هو العراق ما بعده".
وان كان الموضوع السياسة الأميركية يرتجلون قراءة سريعة للموقف الأميركي وتحولاته من وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت الى وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس الى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الى الخارجية الأميركية اليوم التي يخترقها حضرة المحلل بكمية المعلومات الواصلة سراً من الكونغرس الى يديه أولاً.
وأظرف ما في احاديثهم عدا استشهادهم بأمثال فيما هي من شعر المتنبي مثلاً وعدا الاستفتاءات الوهمية التي يستندون اليها هناك نبش العناوين العالمية لصحف ومجلات تصدر في الغرب فحين يستقوون بها تظنهم اشتركوا فيها سوياً وثمة طائرة اعتمدتها شركة التوزيع لأيصال نُسخاً من هذه الصحف والمجلات من المانيا وبلجيكا واميركا وفرنسا الى هؤلاء المحللين.
كل ذلك وانا أشرح لأبني هذه الحالة لئلا يفاجئني يوماً بعد نيله شهادة البكالوريا بانه يريد أن يحصل على اجازة جامعية في التحليل السياسي. وأقول له بانه في المقابل لدينا اسماء مضيئة في الصحافة السياسية وفي السياسيين المطلعين في قراءة الأحداث واستعراضها ونقدها وتفنيدها ولكي لا أطيل معه الشرح وأمنعه عن تعداد اسماء المحللين وغير المحللين قلت له مستشهداً بأغنية لزياد الرحباني: "حاجي تحلل وحياتك تسلملي تحليلاتك...".
فرد عليها فوراً وبمزاح لقد حللت جوابك انها اغنية "عايشي وحدها بلاك".
 

  • شارك الخبر