hit counter script

خاص - اماندا معوض

قصص عن احلام مكسورة

الثلاثاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٤ - 06:15

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

يستقبلون الضيف بصدرٍ رحب. يرتبكون عند دخوله الدار لشدة بساطة المكان. تختلط رائحة القهوة بعطر الثياب المنشورة على الشرفة. صوت صلاةٍ يطغى على أصوات الأولاد في حين أن تلفاز ضخم يحاول التقاط موجةٍ ما. تأتي الأخت البكر بمكنسة قديمة لتنظف بها ما بقي من فرم باقة بقدونس. يجلسون أرضاً على طراريح قطنية، فاسحين المجال أمام الضيف كي يجلس على الأثاث المتواضع.
وحده محمد، إبن السنة والنصف، بقي يلعب على الحصيرة الممتدة على كامل غرفة الجلوس. وحده محمد لا يعرف صوت القصف ولا صوت المدفعيات. فمنذ ولادته لدى دايةٍ عربية في لبنان، لم يعرف إلا مناخ منطقة الدورة حيث يقطن. من بين اثنين وعشرين فرداً من عائلة سورية نازحة من ريف دمشق، وحده محمد بقي بلا هوية. لدى محمد أخت إسمها زهرة، منذ سنتين لم تدخل المدرسة، "فالإمكانيات قليلة" حسب قول الوالدة. أما الولد الثالث هاني، إبن الأربع سنوات، فلم يحصل هذه السنة مثل أولاد جيله، على شنطته المدرسية الأولى. لم يتخل عن تعلقه ليس فقط بالأم بل بالإثنين وعشرين فرداً الذين يعيش معهم جميعاً تحت سقفٍ واحد، منذ سنتين.
يصرخ محمد عندما يسترسل احدهم في الحديث ولا يعيره الإنتباه. عيناه المكحلتان تنظر إلى الجميع، تفتش عما يضحكها. أما عيون الكبار فحالها ليست بأفضل. خالة محمد الأولى "لم تلحق استعمال جهاز زفافها" وفق قول الجدة لموقع "ليبانون فايلز". فهي خسرت زوجها في القصف في قرية مجاورة لريف دمشق، بعد أسبوع واحد من زواجها. وما أصعب من الموت إلا الفقدان، فقد أجبر خال محمد على الإنضمام إلى جيش النظام كجندي إحتياطي، ومنذ سنتين لا يعرفون عنه خبرا. والد محمد ذهب مؤخراً إلى سوريا وقد منع من دخول لبنان مجدداً، تبعاً للسياسة الجديدة المعتمدة على الحدود اللبنانية-السورية.
في سياق الحديث، تروي زهرة، أم محمد، الصعوبات اليومية التي تعيشها في لبنان، "قيمة إيجار البيت 800 دولار أميركي، ولا يمكننا تأمينه شهرياً" موضحةً أن "كثيراً ما ننكسر على شهرين أو أكثر ويأتي صاحب الملك طالباً منا إخلاء الشقة". غير أنها تؤكد لموقع "ليبانون فايلز" أن "التوفيق من رب العالمين". تعمل زهرة في تنظيف البيوت بعض الأحيان، لكن لا يمكنها ترك البيت وأولادها لمدة طويلة. في المقابل، يعمل زوج زهرة وأخواها الإثنان في ورش عمار الأبنية وفي طرش البيوت، كي يؤمنون فقط لقمة عيش العائلة، فالباقي كله تفاصيل، بالنسبة إليهم.
من جهة أخرى، تؤكد فاطمة، خالة محمد، "أننا اعتدنا على المضايقات، فأصحاب المحلات التجارية في المنطقة يتذمرون عندما ندخل لنشتري غرضٍ ما، "ما حدا جبلنا التعتير إلا إنتو السوريين"، "كل شي عم بصير بلبنان من وراكن"، مضيفةً أن "رسائل قصيرة على الموبايل تُبعث أحياناً طالبةً منا إخلاء المنطقة في أسرع وقت، لكن لا مكان نذهب إليه"... من جهتها، ترى جدة محمد أن "السوريين أمثالنا أجبروا على النزوح إلى لبنان، لم تكن هذه رغبتهم، فلا داعي للعتب وإلقاء اللوم كله عليهم".
أما بالنسبة للإعاشات التي تؤمنها المنظمات الدولية، فقد أوضحت زهرة أنها "تقتصر على المواد الغذائية أي الأرز والعدس والمعلبات وغيرها الكثير، لكنها لا تؤمن الحليب وحفاضات الأطفال، رغم أننا طلبنا منهم ذلك".
في إطار ظاهرة النزوح السوري، فقد تخطى عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية الدولية في لبنان المليون و200 ألف لاجئ، فيما يرجح أن يكون العدد فاق المليونين. ظاهرةٌ إنعكاساتها ضخمة ليس فقط على لبنان، إنما على الشعب السوري بكامله. إذ أن أعداد اللاجئين الذين يعيشون تحت خط الفقر هائلة، إضافةً إلى إرتفاع نسبة الأمية في الجيل الجديد.
يقترب محمد من والدته ويلقي رأسه في حضنها، لعله يحلم بالسلام في بلده "الأم".
 

  • شارك الخبر