hit counter script

مقالات مختارة - عبدالله بوحبيب

كي لا يخسر العرب كل شيء

الخميس ١٥ تشرين الأول ٢٠١٤ - 07:07

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

السفير

يسجل التاريخ أن عصور الخلافتين الأموية والعباسية مارست التعددية الدينية والإثنية. كما يحفظ تاريخ العرب المكانة الكبيرة لمفكرين وشعراء وأدباء وعلماء مسيحيين وفرس وكذلك يهود. رأى معظم الخلفاء أن التنوع غنىً، والاعتراف بالآخر المختلف يقوّي الخلافة وسلطتها. وبالفعل فإن ممارسة خلافة العباسيين التنوع أقام عصر النهضة والإشعاع في زمن كانت أوروبا تغوص في عصور الظلمة والتخلف. لم تقتصر المساهمة العربية في الإبداع على كل العقول المتاحة وقتذاك، بل كانت سباقة في نقل الفلسفة والآداب الإغريقية إلى العربية ومنها انتقل معظمها إلى الغرب.
استمر الانفتاح العربي والإسلامي على الآخرين حتى القرن الماضي، حيث كنا نشاهد حفلات أم كلثوم والأفلام المصرية بطابع عصري نافس الإنتاجات الغربية في حقلي الغناء والسينما، ناهيك بالنشر وتعميم الثقافة في مناحيها المختلفة.
ومن دون أن نغفل أن ما حدث في القرن الحالي له جذوره في القرن الماضي وفي الكثير من المجتمعات العربية، فإن الهروب من التحديث والرجوع إلى الفلسفة يعيد العالم العربي إلى عصور ولّت. بدلاً من أن تتكيّف هذه الجماعات مع العولمة والتقدم الدولي السريع في المجالات والحقول كلها، شددت على رفض الآخر المختلف وكفّرته وحللت قتله وجردته من ممتلكاته وشردته عن أرض لم يعرف سواها. ومع ان هذه الجماعات حتماً لا تمثل معظم أبناء طائفتها، إلا ان المعتدلين والليبراليين منهم، وهم المتضررون الأول من إلغاء التنوع، تباطأوا في إدانة هذه الأعمال وبرر قسم منهم ما يقوم به المتطرفون.
في العالم اليوم حوالي ملياري مسيحي ومليار ونصف المليار من المسلمين يعيشون في كل أنحاء العالم علاقات متوترة وبعضها عاصف. ولا يقتصر هذا التوتر على القارات التي يسكنها معظم أهل الديانتين السماويتين، فالمشاكل مع الإسلام المتطرف أو الإرهابي وصلت إلى الصين والهند وغزت إفريقيا وشرذمتها. وبات هذا التطرف اليوم يهدد النظام العربي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الأولى، وقد يكون هذا مبتغى المتطرفين.
وبالرغم من أن امتداد النفوذ الإيراني في البلدان العربية والاجتياح الأميركي للعراق أعطيا شيئاً من التبرير لقيام هذه الجماعات المتطرفة وامتداداتها، إلا ان هذه الحركات لم تترعرع في طهران وواشنطن. وبالإضافة إلى عشرات ألوف المقاتلين من سوريا، أتى معظم المقاتلين الأجانب إليها من بلدان عربية أنظمتها سلطوية، في عصر الديموقراطية والعولمة والتقدم والاختراعات المتسارعة. كذلك أتت هذه الجماعات من بلدان غربية ديموقراطية فشلت في إدماج المسلمين في مواطنة حقيقية، وسمحت لمبشرين منهم بالدعوة إلى التطرف في ظلّ حرية الدين والمعتقد، فظهرت مدارس في عواصم الغرب تدعو إلى الإرهاب ورفض الآخر المختلف.
إن نظرة سريعة إلى أصول المقاتلين الأجانب في سوريا، بحسب ما نشرته جريدة «واشنطن بوست» الأميركية والبالغ عددهم حوالي 15 ألف مجاهد، يبين ان حوالي 2500 منهم قدموا من أوروبا الغربية وضمنهم 700 عنصر من فرنسا. وقدم أيضاً حوالي 11500 مقاتل من الدول العربية ومنهم 80 في المئة قدموا من تونس والسعودية والأردن والمغرب.
إن مباشرة الدول العربية الأكثر محافظة دينياً الحملة على هؤلاء التكفيريين المتطرفين، وإنْ متأخرة، يبشر بالخير. لكن ديناميكية التغيير في هذه الدول بطيئة وإذا أرادوا لجهدهم أن يفلح في المدى الطويل، عليهم ان يسرّعوا في تنفيذ قراراتهم وإلا سبق السيف العذل.
من ناحية أخرى، يعرف الأميركيون والأوروبيون كل هذا وأكثر وبدأت صحفهم ومجلاتهم ووسائل إعلامهم المرئي والمسموع تناقش هذا الواقع الأليم وتطالب حكامها بالتروي والتحفظ من الوقوع في الوحول العربية. من هنا، تقديرات الرئيس الأميركي باراك اوباما، ان الحرب على داعش قد تطول لأكثر من ثلاث سنوات، قد يكون تفاؤلاً ليس في محله.
وبالرغم من الرغبة الشعبية الأميركية بالابتعاد عن مشاكل المنطقة المزمنة، حذرت وسائل إعلام لبنانية وعربية من العودة الأميركية والأوروبية إلى المنطقة بتبريرات تخفيفية. وربما كانت خلفيات المحذرين اليسارية وتصرف العالم الغربي تاريخياً يبرر تخوفهم، إلا أن الاتجاه الشعبي الرسمي والسياسي في الغرب، وخاصة الولايات المتحدة يسير نحو التقليل من الانخراط في مشاكل المنطقة وليس زيادتها.
في اختصار، على أهل النظام العربي أن يوقظوا أنفسهم ويتفقوا على محاربة التطرف في بلدانهم، وإن استلزم تغيير المناهج التعليمية التي تمارَس منذ عقود لا بل قرون طويلة. إن استمرار هذه الحالة الأمنية والخلافات العربية المتجذرة ستعيد العالم العربي إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى وربما إلى أبعد، بينما يصبح القرار خارجها وفي الدول الإقليمية، الإسلامية منها، ومعها إسرائيل.
 

  • شارك الخبر