hit counter script

مقالات مختارة - دافيد عيسى

أجنحة الأرز... علامة النجاح والتحدّي اللبناني.

الإثنين ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 08:36

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

يطيب لي ان أبتعد عن السياسة ومناخها الثقيل وصورتها البشعة وأجوائها الملبدة والكلام السياسي الممجوج الذي نسمعه يومياً وأصبح يشكل قرفاً واشمئزازاً عند الناس للحديث عن أشياء جميلة وتسليط الضوء على صور وجوانب مشرقة ونجاحات لبنانية تبعث على الارتياح والأمل بمستقبل أفضل. وهذا دور يجب ان يركز عليه الاعلام والمثقفين والناشطين في المجتمع المدني في الدرجة الاولى انطلاقاً من مبدأ تشجيع الاوادم والقيمين على مؤسسات الدولة في هذا البلد.
من قال ان الادارات والمؤسسات اللبنانية كلها تنبعث منها روائح الفساد والفضائح ولماذا لا نرى إلا الجانب السيء من الصورة والنصف الفارغ من الكوب ولماذا الحديث دائماً عن السيئات والسلبيات ولماذا الاحجام عن تشجيع المواهب والكفاءات ولماذا نشكو دائماً من الفساد ولا نتكلم مرة عن الاصلاح ولا نرى المصلحين ولماذا لا نضيء شمعة عوضاً من لعن الظلام...
نعم لدينا طاقات ممتازة في إداراتنا لدينا رؤساء مجالس إدارة نفتخر بهم ولدينا مدراء عامون على قدر كبير من الاحترام والعلم والاستقامة ونظافة الكف يفتخر بهم وطنهم وهم موضع تقدير واحترام لدى معظم اللبنانيين. من هنا يجب التمييز بين الفاسدين والذين يرتشون ويقومون بصفقات وسمسرات في وزاراتهم وإداراتهم وبين الاوادم والمميزين والشفافين في ادائهم اليومي والاخلاقي والوظيفي.
سنبقى كلنا امل ورغم كل شيء ان الكثير من المؤسسات في لبنان ستبقى بخير ولن تنال منها الأيادي الفاسدة والتي اعتادت على الرشوة والابتزاز طالما لا تزال هذه "الخميرة" الصالحة موجودة في إداراتنا ومؤسساتنا متحدية كل الفساد والمفسدين.
سيبقى هذا البلد الصغير بحجمه كبيراً بتاريخه وحضارته وانسانه. معروفاً بإنسانه المتميّز الطموح الذي لديه من الموهبة وروح المبادرة والمغامرة ما يمكّنه من المنافسة واثبات الوجود وادراك المراتب العليا أينما حلّ ووُجد.
بدأت بهذه المقدمة لأتحدث عن نجاحات مؤسسة لبنانية رائدة وطنية تحمل على اجنحتها صورة الارزة اللبنانية رمز الصمود اللبناني عنيت بها شركة طيران الشرق الاوسط والتي يرأسها محمد الحوت وهو واحد ممن أثبتوا نجاحاً وأحرزوا انجازات في المجال الذي عمل فيه والمسؤولية التي تسلمها على رأس "الميدل ايست" حتى غدا مثلاً يقتدى به داخل مؤسسات الدولة اللبنانية واداراتها الرسمية والعامة.
وما يدفعني اليوم إلى هذا الكلام عن احدى مؤسساتنا الوطنية " الميدل إيست " هو التكريم اللافت الذي ناله رئيس مجلس إدارة الشركة محمد الحوت هذا الشهر من الدولة الفرنسية حيث قلّد فيه السفير الفرنسي في لبنان بإسم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الحوت وسام جوقة الشرف من رتبة ضابط تكريماً له وتقديراً لما قام به في خدمة العلاقات بين فرنسا ولبنان.
لم يكن الحوت ليحظى بهذه الالتفاتة والمبادرة الفرنسية للمرة الثانية على التوالي بعدما نال ايضاً عام 2006 وسام جوقة الشرف من رتبة فارس، لو لم يكن يستحق هذا التكريم وما يعنيه من إقرار بنجاحاته وما أعطاه للبنان وللعلاقات اللبنانية – الفرنسية من زخم ودفع على المستويين التجاري والثقافي لما فيه خير ومصلحة البلدين الشقيقين.
محمد الحوت تسلم رئاسة مجلس إدارة الميدل إيست في العام 1998 وكانت الشركة يومها مثقلة بالديون وتقف على شفير الهاوية، فعمل على إرساء سياسة اعادة الهيكلية والتطوير واضعاًَ حداً للخسائر المتراكمة التي فاقت 670 مليون دولار على مدى اكثر من عشرين سنة. وعلى الرغم من المشاكل الأمنية والسياسية الخطيرة التي مر بها لبنان منذ العام 2002 وحتى اليوم نجح باعادة الشركة إلى الربحية وتغطية كل الخسائر وتوزيع انصبة أرباح. وبدل ان تكون الميدل إيست عبئاً كبيراً على مصرف لبنان وعلى الدولة اللبنانية فقد أضحت استثماراً ممتازاً وجيداً ومجدياً.
وهنا واذا كان الشيء بالشيء يذكر فلا بد من التحدث عن الدور الفعال والكبير لحاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة من خلال دعمه المطلق لهذه الشركة الوطنية والثقة الكبيرة التي وضعها في شخص محمد الحوت وهذا ما اسهم في هذا النجاح مثبتاً أنه صاحب خيارات وقرارات صائبة ويضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وان رهانه على محمد الحوت كان في محله خصوصاً بعد النتائج التي أدت إلى انتشال " الميدل إيست " من القعر والصعود بها إلى القمة.
استمرت الشركة في ارتقاء سلم النجاح والتقدم بعدما عملت على تحسين خدماتها وأنهت بنجاح تنفيذ الخطة الإصلاحية التي هدفت إلى تحديث وإعادة هيكلية الشركة وتجديد الأسطول الجويّ وتوسيع شبكة الرحلات وتحسين نوعية الخدمات إضافة إلى تدريب وتطوير العاملين في الجوّ وعلى الارض.
واستطاعت "الميدل إيست" ان تصبح الأكثر حداثة في العالم وان تنال مع شركاتها التابعة أعلى الشهادات الفرنسية المصادق عليها أوروبياً والتي ثبتت تميزها في مجال السلامة. ولكي تضمن لبيروت موقعها كمركز ثقافي متميّز في الشرق الأوسط بدأت الميدل إيست اعمال بناء المركز الأقليمي للتدريب على الطيران الذي تنطلق أولى نشاطاته ربيع 2015 بعدما تكون انتهت أعمال بناء المركز الجديد للشحن الجويّ وفق مواصفات الأمان الأوروبية... وهذا سيكون حدثاً نوعياً ونقطة تحول ليس في تاريخ شركة "الميدل إيست" فحسب وانما ايضاً في دور لبنان ومركزه في عالم الطيران مع تحوله مركز جذب إقليمي بوجود مركز متخصص على ارضه لتدريب طياري ومضيفي ومهندسي الطيران في العالم العربي وشمال افريقيا.
كذلك اقامت "الميدل ايست" تحالفاً استراتيجياً مع شركة " آير فرانس" وعززت الروابط بين بيروت وباريس عبر 14 رحلة اسبوعياً. وتعزّز هذا التحالف في العام 2011 بالتوقيع على اتفاقية تسمح لـ " الميدل إيست" بالانضمام إلى تحالف " سكاي تيم". وهنا تجدر الاشارة الى انه لم يكن الانضمام إلى " سكاي تيم" ممكناً لو لم تكن " الميدل إيست" أحد أبرز الناقلين في الشرق الأوسط وغرب افريقيا، ولتصبح بفعل هذا الانضمام جزءاً من شبكة عالمية متكاملة. وقد نجحت عملية الانضمام هذه بفضل الإرادة والتصميم والتطلع إلى تدعيم موقع الشركة الوطنية في الأسواق العالمية للطيران وتنمية قدراتها إضافة إلى توسيع وتعزيز حركة الطيران بين لبنان وفرنسا، وتمتين الروابط الثقافية وأواصر الصداقة بين الشعبيّ اللبناني والفرنسي.
كل هذه النجاحات والانجازات يقف وراءها رجل يعمل بصمت بعيداً عن الاضواء والاستعراضات والمسرحيات والفلكلور اسمه محمد الحوت، هذا الرجل الذي تعاطى مع "الميدل إيست" على انها شركة وطنية قبل ان تكون شركة تجارية وان لها دور واسهام في دور لبنان كوطن رسالة وجسر ثقافي بين الشرق والغرب وهذا كان سرّ نجاحه...
عمل محمد الحوت بكفاءة ومهنية عالية وشفافية مطلقة وامتلك روح المسؤولية والمبادرة. وساعده في ذلك ثقة ودعم واحتضان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة له خصوصاً بعدما نجح سلامة في إبعاد التدخلات السياسية والطائفية عن هذه الشركة الوطنية تماماً كما فعل في ادارته الحكيمة لمصرف لبنان...
رياض سلامه صمام الامان النقدي والمالي وراعي المؤسسات الناجحة والرابحة في لبنان أتاح ايضاً لمحمد الحوت فرصة معاونته في تنفيذ مشروع المدرسة العليا للاعمال من خلال تعيينه عضواً في مجلس الأمناء والذي يرأسها سلامه مع السفير الفرنسي والتي أطلقها الرئيس جاك شيراك والرئيس الشهيد رفيق الحريري وكانت ثمرة التعاون اللبناني – الفرنسي لتصبح مدرسة فرنكفونية متميزة في إدارة المؤسسات وركناً أساسياً في المشهد الجامعي الاقليمي مجسّدة الشراكة الحقيقية والفنية بين لبنان وفرنسا وذلك استناداً إلى أدائه ونجاحه وتطويره لشركة الـ " الميدل إيست ".
نال محمد الحوت عن استحقاق وجدارة وساماً فرنسياً رفيعاً هو الثاني، فهنيئاً لمحمد الحوت بهذا التكريم، وهنيئاً للبنان بشباب ورجالات نجحوا وأبدعوا وتفوقوا واثبتوا ان في لبنان انساناً وعنصراً بشرياً ناجحاً على رغم ان الدولة في لبنان وللأسف دولة فاشلة وضعيفة بسبب عجز السياسيين واحقادهم وحبهم لذاتهم وتفضيل مصالحهم على مصالح الوطن العليا.
أقول بكل أسف انه لمن المحزن والمخزي ان دولتنا لا تعرف كيف تكرّم ابناءها وتوفر لهم الأرضية اللازمة والدعم والامكانات كي يُزهروا ويُثمروا وينجحوا فنراهم يكرمون ويقدرون دائماً من دول خارجية صديقة عوضاً ان تكون الدولة اللبنانية هي السباقة إلى تكريمهم .
وفي الختام يبقى السؤال الأخير: محمد الحوت كرمته الدولة الفرنسية مرتين متى تكرمه الدولة اللبنانية؟
 

  • شارك الخبر