hit counter script

مجتمع مدني وثقافة

تقرير للشبكة الآشورية لحقوق الإنسان

الخميس ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 16:29

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

وزعت الشبكة الآشورية لحقوق الإنسان، مركزها جنيف، تقريرا عن "المعتقلين المسيحيين في سجون نظام الأسد"، جاء في مقدمته: "تشكل الأنظمة الاستبدادية والمجموعات الإسلامية المتشددة أبرز مصادر التهديد لوجود الأقليات الإثنية والدينية والفكرية في منطقة الشرق الأوسط. ويتفق هذان العنصران في نظرتهما إلى هذه الأقليات باعتبارها التحدي الأكبر الذي من شأنه أن يقوض أركان الاستبداد والتشدد على حد سواء، لأن مفهوم التعددية والحرية، الذي غالبا ما يرتبط بوجود الأقليات الإثنية والفكرية، يناقض بنية الديكتاتوريات والتشدد القائمة على مبدأي الأحادية والتسلط. لذلك يعمل هذان العنصران بشكل ممنهج، وربما منسق، على إضعاف حضور هذه الأقليات والحد من حريتها وتأثيرها ما أمكن، لإسكاتها وإخضاعها وتغييبها عن المشهد السياسي والوطني عبر استخدام وسائل العنف والترهيب ضدها.

ففي الوقت الذي نكلت فيه جماعة الدولة الإسلامية "داعش" بمسيحيي العراق، ارتكب هذا التنظيم، بالتعاون مع حلفائه من المجموعات المتشددة في سوريا كجبهة النصرة وغيرها، ارتكب أفظع الممارسات بحق المكونات الإثنية والفكرية خصوصا ضد النشطاء الليبراليين والعلمانيين والمدنيين، فاختطفت واعتقلت وقتلت العديد منهم، تماما كما دأب النظام السوري أن يفعل منذ آذار العام 2011 - حسبما وثقت المنظمات الحقوقية السورية، وأكدته لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا في تقاريرها في هذا السياق - مانعين بذلك نشوء تيار ثالث ينحاز اليه الناس لكي يبقى الخيار الوحيد المتاح أمامهم هو: إما الأسد أو داعش.

في سياق متصل فقد كانت ردود فعل النظام السوري على بعض المسيحيين الذين انخرطوا في صفوف الحراك الشعبي المطالب بإنهاء حكم الأسد وإحداث التغيير الديمقراطي في البلاد قاسية جدا، رغم أن نسبة لا يستهان بها من الآشوريين السريان والمسيحيين عموما في سوريا وقفت ولا زالت تقف الى جانب النظام. فقد تعرض هؤلاء للقتل والاعتقال والتعذيب الشديد على أيدي الاجهزة الأمنية الحكومية، وتعرضت بعض القرى والبلدات المسيحية للقصف من قبل الجيش السوري النظامي، في صورة تكشف بنية النظام في سوريا، القائم على التنكيل بأي صوت معارض، الى أي جهة أو دين أو قومية انتمى.

فقد رصدت الشبكة الآشورية لحقوق الإنسان اثنتان وثلاثون حالة اعتقال ضد المواطنين السوريين من أبناء المكون السرياني الآشوري منذ آذار العام 2011. وقد رأينا أن نسلط الضوء على هذه الانتهاكات بالتحديد، رغم قلة عددها نسبيا مقارنة مع حجم الانتهاكات المرتكبة ضد عموم السوريين، لثلاثة أسباب رئيسية:

أولا: لأن تأثير هذه الانتهاكات على المكونات الإثنية الصغيرة (كالسريان الآشوريين) كبير جدا بحيث يؤدي الى إمكانية ضرب وجودها التاريخي في أوطانها من أساسه، وذلك بسبب حالة الرعب التي تسود أفراد هذه المجموعات جراء الانكشاف الأمني والسياسي والاجتماعي الذي يطالها في ظروف الأزمات والتغييرات الكبرى.

ثانيا: لأن كشف هذه الانتهاكات وتعرية مرتكبيها يساهم في الحد من انتشارها وتكرارها، خصوصا فيما يتعلق بالممارسات غير الإنسانية التي يتعرض لها المعتقلون السوريون في سجون السلطات السورية عبر تحميل هذه السلطات المسؤولية القانونية الكاملة عن مصير المعتقلين المحتجزين في المراكز الخاضعة لسيطرتها.

ثالثا: لم تلق الشرائح الصغيرة من مكونات الشعب السوري اهتماما كافيا من قبل المنظمات الحقوقية وبالتالي فإن هذا التقرير يعتبر الاول من نوعه الذي يتخصص بالمعتقلين السريان الآشوريين في سوريا".

وشرحت الشبكة أن التقرير يستند إلى "مجمل المعلومات التي قام بجمعها وتوثيقها فريق الباحثين الميدانيين في الشبكة الآشورية لحقوق الإنسان العامل في سوريا. ويتناول التقرير بالتحليل أنماطا مختلفة من الانتهاكات التي ترتكبها السلطات الحكومية السورية، والميليشيات المسلحة التابعة لها ضد المعتقلين لديها، مبنية على الإفادات والشهادات الحية لبعض ضحايا الاعتقال المفرج عنهم، والتي يورد التقرير أجزاء منها بصيغة اقتباسات. كما يوجز التقرير الاستنتاجات والتوصيات التي أفرزها تحليل المعلومات التي تم جمعها منذ أكثر من ثلاثة أعوام. وقد تم حجب جزء من المعلومات ضمانا لسلامة فريق الشبكة الآشورية، كما تم تغيير جميع أسماء معطي الإفادات من المعتقلين السابقين حفاظا على حياتهم وبناء على رغبتهم".

وجاء في التقرير: "شارك السريان الآشوريون في الحراك الشعبي منذ انطلاقه في آذار العام 2011 كغيرهم من السوريين، من خلال أحزابهم السياسية ومؤسساتهم الشبابية والمدنية والنسائية. وقد قوبل هذا الحراك السلمي بالعنف المفرط من قبل السلطات السورية. فقد وثقت الشبكة الآشورية لحقوق الإنسان اثنتان وثلاثون حالة اعتقال ضد السريان الآشوريين، تم الإفراج عن معظمهم، في حين لازال أربعة آخرون قيد الاعتقال حتى تاريخ إصدار هذا التقرير. وقد ارتكبت جميع حالات الاعتقال هذه من قبل السلطات الحكومية السورية وأجهزتها الأمنية والميليشيات التابعة لها، ووقعت في مدن الحسكة والقامشلي وحلب ودمشق. وطالت هذه الاعتقالات سياسيين وناشطين وقادة رأي في قوى الحراك السياسي والمدني، جميعهم من النخبة المثقفة. وقد ارتكبت أجهزة الأمن الرسمية السورية في معرض اعتقالها لناشطين سريان آشوريين في سوريا أنماطا مختلفة من الانتهاكات، شملت الاعتقال التعسفي، التعذيب الشديد، التجويع، التهديد بالاعتداء الجنسي والمعاملة المهينة وغيرها. وقد بدت هذه الأنماط جلية وواضحة من خلال تحليل ودراسة إفادات المعتقلين أنفسهم".

وبعدما قدم التقرير شرحا مفصلا عن الاعتقالات، عرض الاستنتاجات الآتية:
"1- إن اعتقال النشطاء المدنيين بشكل تعسفي دون إجراءات قضائية ودون محاكمة، واحتجازهم في مراكز غير صحية وغير لائقة، وتعريضهم للتعذيب والمعاملة القاسية والمهينة والحاطة بالكرامة، يشكل خرقا واضحا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من أساسيات القانون الدولي لحقوق الإنسان. ولأن هذه الخروقات تنفذ بشكل ممنهج من قبل السلطات السورية ضد مواطنيها المحتجزين لديها، وترد في سياق هجوم واسع النطاق ضد المدنيين خلال النزاع الداخلي المسلح الدائر على أراضي الجمهورية العربية السورية، فإن هذه الممارسات تعتبر خرقا واضحا لاتفاقيات جنيف الأربعة، خصوصا مادتها الثالثة المشتركة، وهي بالتالي ترقى لأن تعتبر جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وفقا للقانون الدولي الإنساني. 

2- إن ظاهرة اعتقال السلطات السورية لما يقارب الثلاثين قياديا وناشطا سريانيا آشوريا في سوريا تكشف بما لا يدع مجالا للشك أن النظام السوري يعاقب المسيحيين المعارضين له ويعرضهم إلى الاعتقال والمعاملة القاسية والمهينة، وهذا يكذب الاداعات التي تطلقها هذه السلطات حول حمايتها للأقليات، لأن النظام السوري يحمي من المسيحيين فقط اولئك الذين يقفون الى جانبه، أما من يعترض على سياساته فمصيره الاعتقال والتعذيب أو التهجير أو القتل، وهذا ما حدث مع عدد من الناشطين المسيحيين في سوريا منذ آذار العام 2011، كما وثقت المنظمات المعنية، المحلية منها والدولية. 

3- تظهر هذه الاحصائية أن السياسة التي تتبعها الحكومة السورية في اعتقال قادة الحراك المدني في سوريا تؤدي الى إفراغ الساحة السياسية بشكل ممنهج وتدريجي من النشطاء السلميين، والمسيحيين منهم على وجه الخصوص، ربما لتعزيز مزاعم وادعاءات السلطات السورية بأن الحراك الشعبي في مدنها هو حراك إسلامي ديني متطرف. وما يعزز هذا الاستنتاج لدينا هو قيام السلطات السورية بالمقابل بعض الطرف عن القوى المسلحة الإسلامية المتطرفة لتنمو وتتكاثر، ما يبرر للحكومة السورية استبعادها الحل السياسي لإنهاء الازمة من جهة، ويشكل تغطية قانونية تبرر تبنيها الخيار العسكري في مواجهة المطالب الشعبية من جهة أخرى. 

4- ظهر جليا خلال المقابلات مع المعتقلين، وفي أكثر من مدينة ومركز اعتقال، استخدام السلطات السورية للورقة الدينية للضغط على المعتقلين السريان الآشوريين من جهة، وللتمييز ضدهم من جهة أخرى، ما يشكل نمطا خطيرا يجب التوقف عنده، وما يمكن تفسيره على أنه سياسة ممنهجة من قبل السلطات السورية خصوصا وأنه تكرر مرات عدة، وفي محافظات مختلفة، وفي أزمنة مختلفة.

5- ينتمي معظم المعتقلين السريان الآشوريين الى النخبة المثقفة، فيهم أطباء، ومحامون، ومهندسون، ومدرسون، وطلاب جامعيون. وهم أعضاء في أحزاب سياسية ومؤسسات مدنية، ولاعلاقة لهم منطقيا بالحراك المسلح والقوى العسكرية، ما ينفي تهمة دعم الإرهاب التي حاولت السلطات السورية إلصاقها بهم، بعضهم اعتقل ثلاث مرات. وجاء في مقدمة هذه المؤسسات المنظمة الآثورية الديمقراطية ب 21 معتقلا (بينهم أعضاء في تنسيقيات الشباب السريان الآشوريين والشبكة الآشورية لحقوق الإنسان)، حزب الاتحاد السرياني بأربعة معتقلين، وحزب الشعب الديمقراطي بثلاثة معتقلين، ومستقلين اثنين بينهم فتاة.

6- شكلت الضغوط التي مارستها السلطات السورية على المعتقلين السريان الآشوريين الذين تم الافراج عنهم دافعا لتخفي أوتهجير عدد من قياديي وعناصر المؤسسات الشبيابية والمدنية، بسبب الاستدعاء المتكرر لبعضهم من قبل السلطات السورية، ومخاوف آخرين من احتمال إعادة اعتقالهم مجددا، وبسبب محاربة البعض الآخر بلقمة عيشهم. كما تسببت هذه الممارسات والضغوط بانكفاء شريحة واسعة من أبناء هذا المكون وتوقفها عن الانخراط في الشأن العام بسبب المخاوف والتهديدات الأمنية، وبالتالي لم تعد هذه الشريحة مؤثرة في المشهد السياسي الذي بدأت تتصدره، إلى جانب النظام، ميليشيات وقوى محلية أخرى ذات توجهات غير ديمقراطية.

وأخيرا عرض التوصيات التالية:
"الى الحكومة السورية:
1- إطلاق سراح جميع المعتقلين السوريين بشكل فوري، ومنهم المعتقلون السريان الآشوريون، وهم بمعظمهم قادة رأي ونشطاء سياسيون، خصوصا أن هؤلاء لم يرتكبوا أي جرم أو ممارسة تخالف القانون، وفي مقدمة هؤلاء المعتقلين مسؤول المكتب السياسي في المنظمة الآثورية الديمقراطية السيد كبرئيل موشي، الذي أحيل على محكمة الإرهاب، والمعتقل منذ 19 ديسمبر العام 2013. علما أن أيا من المعتقلين السريان الآشوريين لم يستفد من العفو الرئاسي الذي صدر في مطلع حزيران العام 2014.

2- التوقف الفوري عن إخضاع المعتقلين الى العنف والتعذيب والمعاملة القاسية، وفسح المجال أمام المنظمات الدولية المعنية للاطلاع على واقع السجون والمعتقلين في مراكز الاحتجاز الحكومية.

3- الكف عن استخدام الورقة الطائفية التي من شأنها تفكيك بنية المجتمع السوري، وتأليب مكوناته ضد بعضها البعض ما يهدد استقرار البلاد ووحدة مكوناتها المجتمعية.

4- إعادة المعتقلين الذين تم فصلهم من وظائفهم الى أعمالهم بأسرع وقت، والكف عن معاقبة أسر المعتقلين بالعامل المادي ومحاربتهم بلقمة العيش.

5- كشف مصير قدامى المعتقلين السريان الآشورين في سجون السلطات السورية، وفي مقدمتهم ملكي يوسف كورية الذي مضى على اعتقاله ستة وثلاثون عاما، وفهمي زيا نانو الذي مضى على اعتقاله في سجون السلطات السورية أكثر من اثنين وعشرين عاما.

الى مجلس حقوق الإنسان:
- دعوة مجلس الأمن الدولي إلى إصدار قرار ملزم لجميع أطراف النزاع في سوريا يقضي بإرسال بعثة أممية خاصة لتحري أوضاع السجون وكشف الانتهاكات المرتكبة في مراكز الاحتجاز الحكومية، وتلك التابعة لأطراف النزاع الأخرى، في أراضي الجمهورية العربية السورية.
- دعوة مجلس الأمن الى إحالة ملف الجرائم المرتكبة في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية، ومحاسبة المرتكبين فورا للحد من انتشار ثقافة الإفلات من العقاب، ولوقف للانتهاكات المرتكبة في سوريا، والبحث عن وسائل أخرى فاعلة في حال تعذرت هذه الإحالة عبر مجلس الامن.

الى مجلس الأمن الدولي:
-الاطلاع بالدور الأساسي المنوط بمجلس الأمن، والمتمثل بحماية السلم والأمن الدوليين خصوصا لما تمثله الأزمة السورية من تهديد مباشر للسلم والأمن الإقليمي من جهة، والتداعيات المحتملة لهذه الأزمة على السلم والأمن الدوليين من جهة ثانية.
-بذل المزيد من الجهود الجادة من أجل وقف الحرب الدائرة على أراضي الجمهورية العربية السورية منذ أكثر من ثلاثة أعوام، عبر الضغط الجدي على جميع أطراف الصراع، لدفعها الى القبول بحل سياسي شامل ينهي معاناة الشعب السوري، ويضع حدا للأوضاع المتفاقمة في البلاد.
-إحالة ملف الانتهاكات المرتكبة في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية، باعتبارها تشكل جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب وفق توصيف القانون الدولي، من أجل وقف الانتهاكات ومحاسبة المرتكبين بشكل فوري.
-إصدار قرار دولي يلزم أطراف النزاع في سوريا، وفي مقدمها الحكومة السورية، بوقف جميع الممارسات والانتهاكات والارتكابات ضد الأقليات الدينية واللغوية والقومية في سوريا والتي من شأن استمرارها أن يؤدي الى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، وإفراغ المنطقة من مكوناتها الأصلية وفي مقدمتها الأقلية الآشورية المسيحية".
 

  • شارك الخبر