hit counter script

باقلامهم - سعيد البستاني

على شرفتي ... رصاصة

الأربعاء ١٥ أيلول ٢٠١٤ - 06:59

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

كنت مغتبطاً ذات مساءٍ بقراءة كتاب "عهد المتصرفين في لبنان" للمؤلف لحد خاطر، والصادر عن منشورات الجامعة اللبنانية عام 1967 (يوم كان للجامعة منشورات قبل أن تصبح مركزاً للنشر السياسي المتبادل)، لما فيه من معلومات دقيقة وطريفة من جهة، ولسهولة أسلوبه وقيمته التاريخية من جهة أخرى.
وفيما كنت أفكر كيف فاتني هذا الكتاب كل هذا الوقت على الرغم من وجوده في منزلنا، إذا بشيء يرتطم بأرض الشرفة محدثاً صوتاً قوياً. مهلاً، أنا أعرف هذا الصوت، لا لم أنسه بعد. قمت من قيلولتي وذهبت بإتجاه الشرفة وأنا على يقين بما سأجد. ها هي، رصاصة كلاشينكوف ساخنة، محزّزة بفعل إحتكاكها بحلزات الفوّهة، ملوّثة ببقايا بارود يبدو انه سيئ النوعية، ملتوية الرأس بسبب إرتطامها.
إلتقطّها ولم أكن قد سمعت صوت إطلاق رصاص. قمت بتقليب المحطات، فعلمت أن أحدهم أطلّ بعد طول غياب عن الشاشة والوطن، فكان لا بد من هذه "العرادة". و"العرادة" أو "العراضة" هذه كانت في تاريخ جبل لبنان، أهم مظهرٍ من مظاهر الحفاوة وحسن إستقبال الضيوف الكبار. فكان يصطفّ الرجال كتف الى كتف بخط مستقيم، ويبدأون بإطلاق النار من بنادقهم القديمة المسماة "مجهرية" والمحشوة بالبارود فقط. وقد قيض لي رؤية صورة قديمة لعراضة جرت في دير القمرعام 1914 لدى إستقبال الأهالي للكاتب الفرنسي الشهير " موريس باريس". (Maurice Barres)
تتوالى الإطلالات لشخصيات مختلفة وتتوالى معها الإستعراضات النارية، حاملة معها التأييد والمبايعة والعهد والوفاء، وحاملة معها الكثير من الكراهية والعداء والمقت والنكاية للآخرين المختلفين بالسياسة والرياسة. يروى قديماً أن أحد مشايخ الموحدين الدروز كان يملك "شروالاً" واحداً لا غير، فقام بإحراقه على سطح منزله لينوِّر به ترحيباً بقدوم أحد الأمراء الإرسلانيين الى المنطقة. ولما أتى الأمير في اليوم التالي الى منزله ليشكره على فعلته قال له الشيخ: ياحيفي عليك يا مير، انا ما حرقتش شروالي لرحًب فيك، أنا حرقتو نكاية بجاري بو حسين.
تمرالأيام وتستمر الظهورات التلفزيونية مترافقة دوماً مع عواصف رصاصية، وتضج مواقع التواصل الإجتماعي بأفلامٍ لأشخاصٍ يطلقون النارعن عمد بإتجاه مناطق آهلة ... بالخصوم.
عزيزي مطلق النار الى أي لون إنتميت: هل لي أن أسألك أي إنعدام مسؤولية تربيت عليها، وأي إنفصام في الشخصية تعيش. أي كبت يتآكلك، ولماذا تحاول إزدراء الآخرين.
أخالك لست رجلاً بما يكفي لكي تذهب الى الجبهة، ولست إمرأة بما يكفي لكي تستبدل الرصاصة بزلغوطة. هل جرّبت وزرت المناطق التي أطلقت النار باتجاهها فوراً بعد انتهائك من "سيرك" الذكورة والرجولة ؟؟ حسناً، ستجد نفسك كمن مارس عادته السرية وذهب بعدها ليتفرّج على الفتيات. ستجد أن "ما حدا قاريك" وأن الحياة غير مكترثةٍ بك وبأمثالك، وان الزهو والإعتداد بالنفس لا يتعدى كونه مرآةً ترى بها نفسك كما تحب أن تكون، لا كما أنت في الواقع.
إذا كنت تريد إيصال رسالة ما، فإعلم علم اليقين ان ما تريد قوله لا يصل الى مسمع من يفترض به أن يسمع. أما إذا كنت خائفاً فمن الأفضل أن تطلب من الآخرين أن يفهموك بدل أن تخيفهم، لأنهم متى خافوا يصبحون بدورهم مخيفين، في بلدٍ كل طوائفه تكذب على نفسها، وتكابرعلى خوفها ولوعبر إخافة الآخرين.

 

  • شارك الخبر