hit counter script

مقالات مختارة - إيفا الشوفي

التوزّع الطبقي للاجئين: المجتمعات المضيفة تغلي

الخميس ١٥ آب ٢٠١٤ - 07:17

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الاخبار

حتى اليوم بلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان مليونا و169 ألف لاجئ وفق تقرير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. تداعيات هذا العدد الكبير تزداد يومياً لتنعكس على المجتمعات المضيفة سلباً في نواحٍ معينة وإيجاباً في نواحٍ أخرى. برامج المنظمات الدولية تغيّرت لتتناسب مع حجم هذا اللجوء في محاولة لتخفيف حدّة الاحتقان والتوترات الناشئة بين اللاجئين واللبنانيين


ليس سهلاً أن يستوعب بلد ما خلال 3 سنوات زيادة بعدد السكان تتجاوز المليون شخص. هذا التدفق يحتاج إلى استراتيجيات دقيقة وإدارة محكمة وشاملة تتولاها الدولة لتتمكن من السيطرة على الأمور. إلاّ أن ملف اللاجئين السوريين في لبنان يفتقر إلى أي نوع من التخطيط والتنظيم، نتيجة سوء إدارة سيؤدي على نحو طبيعي وتلقائي إلى إنتاج ضغوط هائلة على الخدمات والبنى التحتية في المجتمعات المضيفة؛ ما يولّد تنافساً يمكن أن يصل إلى حد التقاتل على الموارد والخدمات.

التصريح الأخير لمنسق الأمم المتحدة في لبنان روس ماونتن يلفت إلى أن «العدد الأكبر من اللاجئين السوريين منتشر في مناطق وبلدات يسكنها العدد الأكبر من اللبنانيين الذين يعانون الفقر». صحة هذا الكلام تتضح عندما تتصدّر مناطق البقاع المرتبة الأولى في استقبال اللاجئين، إذ يضم البقاع أكثر من 402 ألف لاجئ سوري، فيما يحتل الشمال المرتبة الثانية بعدد يتجاوز الـ 287 ألف لاجئ. حتى الذين يسكنون في بيروت يتجهون إلى الضواحي الفقيرة. هذا التوزع الطبقي يحصل على نحو تلقائي إذ يُفرز الفقراء في مناطقهم البعيدة والمهمشة، فيما يسكن الأغنياء في قلب المدينة. توضح الناطقة الإعلامية باسم مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان دانا سليمان أنّه «في كل حالة لجوء يتوجه الناس إلى الأماكن التي ينسجمون مع من هم فيها، والتي تلبي احتياجاتهم بأقل تكلفة ممكنة.


مساعدات مالية
طائلة دخلت لبنان منذ بداية اللجوء السوري
نسبة كبيرة جداً من اللاجئين خسرت أعمالها ونفدت مدخراتها، وبالتالي وضعها الاقتصادي سيّئ. لذلك من الطبيعي أن يتوجه هؤلاء إلى المناطق الأكثر فقراً لأنها أوفر من ناحية تأمين الغذاء والحاجيات وإمكانية إيجاد سكن». المخيف في التوزّع الطبقي يكمن في التداعيات التي يمكن أن يؤدي إليها في تلك المناطق، وخصوصاً أنها تعاني منذ زمن ضعفا في الخدمات الصحية، التربوية، البنى التحتية والموارد. سيزداد هذا الضعف تلقائياً وتكثر الأعباء على المجتمعات المضيفة بسبب ازدياد الضغوط، وسنشهد تنافسا عنيفا من أجل الاستفادة من الموارد والخدمات بين الفقراء أنفسهم. ترى سليمان أن الفرق كبير بين بداية الأزمة واليوم «ازداد العدد على نحو رهيب، إذ كان هناك عام 2012 نحو 75 ألف لاجئ، عام 2013 أصبحوا نصف مليون ليتجاوز العدد المليون عام 2014». نتيجة هذه الأعداد الهائلة اختلفت الاحتياجات على نحو كبير، حيث لم يعد عمل المفوضية والمنظمات يقتصر على تلبية الاحتياجات الأساسية للاجئين، بل أصبح من الملح توجيه الخدمات والمساعدات إلى المجتمعات المضيفة لتخفيف التشنج الناتج عن الاكتظاظ والمنافسة على الموارد. لذلك تعمل المفوضية بالتعاون مع 60 منظمة في لبنان على التصدي لهذه التوترات من خلال برامج لدعم البنى التحتية في المجتمعات المضيفة، تحسين الرعاية الطبية فيها، ترميم المدارس، تحسين الصرف الصحي... بهدف تنمية المجتمع المضيف وامتصاص التوتر الحاصل مع استمرار البرامج الخاصة باللاجئين. تلفت سليمان إلى أن اللبنانيين كان استقبالهم جيّدا للاجئين «في بعض المناطق برزت عنصرية، لكنها ناتجة بطبيعة الحال عن التشنج داخل هذه المجتمعات».
مساعدات مالية طائلة دخلت إلى لبنان منذ بداية اللجوء السوري، إذ تلقى لبنان حتى نهاية العام الماضي «900 مليون دولار من أصل النداء التمويلي الموحد البالغ 1.89 مليار دولار الذي أطلقته المفوضية بالتنسيق مع المنظمات والحكومة اللبنانية»، فيما دخلت مساعدات مالية بقيمة 526 مليون دولار منذ بداية العام حتى اليوم كاستجابة للنداء الأخير الذي أطلق بداية السنة. يغطّي هذا النداء 3 فئات هي اللاجئون السوريون، الفلسطينيون الآتون من سوريا، و1.5 مليون لبناني من المجتمعات المضيفة المتأثرة بالأزمة السورية. تشرح سليمان أن هذا المبلغ جيد من حيث الاستجابة الإنسانية، لكنه لا يوازي وتيرة ازدياد الأعداد والاحتياجات، إضافة إلى حاجات المجتمعات المضيفة التي أصبحت في صلب اهتمامات المفوضية، «ننفذ مشاريع مكلفة تتعلق بتأهيل المستشفيات والبنى التحتية، ما يحتاج إلى مبالغ كبيرة». الوقع الاقتصادي الإيجابي لهذه الأزمة ملموس وحقيقي على الرغم من الصورة النمطية المعممّة التي ساهمت المنظمات الدولية في رسمها، إلا أنّ هذه المنظمات تعترف بأن التركيز على تصوير المنحى السلبي للجوء أمام المانحين يدخل ضمن عملية تحصيل أكبر قدر من الأموال لدعم لبنان . فبرنامج الأغذية العالمي أعلن في تقريره الدوري الصادر في حزيران 2014 أنّ إجمالي الأموال التي ضخّها في الاقتصاد المحلي اللبناني منذ بداية العمليات حتى أيار 2014 بلغ 222 مليون دولار. واستفاد 744 ألف لاجئ من القسائم الشرائية التي تصرف جميعها في الأسواق المحلية. كذلك فإن المنظمات الدولية جميعها من دون أي استثناء، وفق كلام سليمان، تشتري كل لوازمها من لبنان، وهذه قاعدة تتبعها لدعم وتشجيع اقتصاد البلد المضيف، وحتى اليوم صُرف على مشتريات الإيواء من خيم ومعدات وتأهيل مبلغ 50 مليون دولار في الأسواق المحلية. تضيف سليمان أن هناك أيضاً نحو 30 مليون دولار تصرف شهريا على الإيجارات، إذ إن 81 % من اللاجئين يدفعون إيجارات.
هذا الوجه الإيجابي للجوء يرفض الكثيرون إظهاره ويركزون على التنافس الحاصل في سوق العمل بين اللبنانيين واللاجئين، إلا أن الإحصاءات الأخيرة لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تشير إلى أن 53.2 % من اللاجئين لا يتجاوز عمرهم 18 عاماً، فيما تراوح إجمالي نسبة الإناث بـ 52.3 %، أي إنّ النساء والأطفال يمثلون نسبة 78 % من إجمالي عدد اللاجئين. هذه الفئة لا يمكنها أن تمثل عنصر منافسة قويا في سوق العمل. النسبة الباقية يمثل جزءا كبيرا منها عمال سوريون كانوا في لبنان قبل الأزمة السورية. تؤكّد سليمان أن معظم اللاجئين المسجلين في المفوضية يواجهون صعوبة بالغة في إيجاد فرص عمل، وهم غالباً يتوجهون إلى أعمال يومية، مثل البناء والتنظيفات، وهي أعمال نادراً ما يتوجه إليها اللبناني. إشكاليات عدّة تُطرح حالياً، أبرزها إعلان سليمان أنّ جيلا كاملا من السوريين لا يعرف الكتابة والقراءة، حيث بلغ عدد المسجلين في المدارس الرسمية 90 ألف طالب سوري من أصل 400 ألف لاجئ في سن الدراسة. تبعات هذه الأزمة قد لا تظهر اليوم، إلا أنها بالتأكيد ستترجم بعد سنوات بوجود مجتمع أمّي، وما يترتب على هذا الأمر من مشاكل اجتماعية واقتصادية.
 

  • شارك الخبر