hit counter script
شريط الأحداث

أخبار محليّة

الأب محفوظ: لاعتماد لغة الإيجابية لغة تخاطب يومية في لبنان والعالم

الأحد ١٥ نيسان ٢٠١٤ - 14:25

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

احتفلت جامعة الروح القدس - الكسليك بعيد القيامة في قداس ترأسه رئيسها الأب هادي محفوظ، عاونه فيه الأبوان جورج حبيقة وزياد صقر، في حضور حشد من الآباء والمؤمنين. وتولت خدمة القداس جوقة الجامعة بقيادة الأب يوسف طنوس.

وبعد الإنجيل المقدس، ألقى الأب محفوظ عظة استهلها بالقول: "نحتفل اليوم، مرة جديدة، بعيد فائق الجمال، هو عيد القيامة، قيامة الرب من بين الأموات. كم من أجيال وأجيال احتفلت بهذا العيد، وكم من أشخاص ابتهجت قلوبهم لأنهم رددوا: المسيح قام حقا قام"، مؤكدا أن "بشرى القيامة غلغلت في تاريخ الشعوب، فاضحت حكاية جميلة ونورا مشعا يلون وجودنا الذي غالبا ما تعصفه لوحات قاتمة".

وأضاف: "إن قيامة يسوع من بين الأموات هو حدث فريد ووحيد في التاريخ، ولكنه يعلو التاريخ ليطال كل إنسان في كل زمان وكل مكان. إذا، إنه يطال كلا منا إذ ننظر إلى يسوع مصلوبا وننظر إلى قبره الفارغ، ونعلن مرددين إنه حقا قام. لذا نستطيع الكلام عن حضارة القيامة. معكم أود التأمل في هذه الحضارة، حضارة القيامة التي فيها انتصر يسوع على الموت وعلى كل اشكاله، هذه الحضارة التي يجب ان ننتمي اليها، بالملء، نحن المسيحيين".

وشدد على "أن حضارة القيامة، هي اولا حضارة المحبة، محبة كل إنسان بدون أي تمييز بين رجل وامرأة وبدون أي تمييز في العرق أو اللون أو الدين او الانتماء، وهي ايضا محبة كل الإنسان، أي الإنسان في كل أبعاده. ومحبة الإنسان تعني أيضا الحفاظ على كرامته التي اعطاها الله له. فجميع البشر متساوون امام عيني الله، من حيث كرامتهم البشرية. عيش حضارة القيامة، هي إذا، أيضا، تسهيل عيش الإنسان في ملء كرامته، أي تسهيل نمو الانسان الذي يعيش في مجتمعنا القريب أو البعيد أو على اي بقعة من الأرض. هذا يعني عدم السماح لأي بنية اجتماعية او اقتصادية او ثقافية او ايديولوجية او انتفاعية من ان تكون شكلا من اشكال الموت الذي يؤذي الانسان، أي انسان. تشهد الكثير من المجتمعات على بنى يخلقها اناس فتتحكم في الآخرين، من ناحية أو من أخرى، فتخنقهم ولا تسمح لهم بالعيش بكرامة، الا من خلال هؤلاء الناس. فحري بالمنتمين إلى حضارة القيامة التنبه إلى عدم السماح لأي بنية بالتحكم في أي انسان، بل إن حضارة القيامة هي حضارة على قياس الإنسان، أي إن فيها التنبه إلى كل شخص".

واعتبر ان "المؤمن الذي ينظر إلى يسوع القائم من بين الأموات، يعي أن مسيرته في هذه الدنيا إنما هي مسيرة في عائلة كبيرة، هي البشرية جمعاء، حيث الله أبو الجميع، وحيث الجميع اخوة واخوات بعضهم لبعض. فتضحي مسيرة الانسان الشخصية متنبهة إلى مسيرة كل آخر وإلى مسيرة العائلات والقرى والمجتمعات والأوطان والعالم كله".

كما تحدث عن المحبة التي "تحمل الفرح إلى الإنسان. فحضارة القيامة هي حضارة فرح، أولا وآخرا. إن موضوع الفرح هو ذو معنى خاص هذه السنة لأن قداسة البابا فرنسيس وجه الينا، في نهاية السنة الفائتة، ارشادا رسوليا عنوانه "فرح الإنجيل"، وفيه كتب عن علاقة الحزن بقلة المحبة، فقال: "الحزن اللامتناهي لا يداويه الا الحب اللامتناهي" (عدد 265). المسيحي يفهم الدنيا بشكل لا يمكنه أن يحزن على الدوام. قد يضربه حزن بسبب مرض شخصي أو مرض أحد الأشخاص الأعزاء له، أو بسبب الحروب، أو التهجير، أو الجوع، أو بسبب فقدان عزيز، أو بسبب خيانة، أو بسبب ضائقة مادية أو معنوية أو نفسية، أو بسبب فقدان نوع من أنواع الفرح والحياة. وهذا كله شكل من اشكال الموت الذي انهزم بالقيامة. فحزن المسيحي لا يمكن أن يدوم، والا فلا يظل مسيحيا. فالمسيحي جوهريا هو انسان واقعي، ولكنه فرح، ولا ينزع منه أحد فرحه، لأن هذا الفرح آت من عند الرب، كما قال لنا هو ذاته في انجيل يوحنا: "إنكم ستبكون وتنوحون، أنتم ستحزنون ولكن حزنكم سيتحول الى فرح، ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو 16: 20. 22)".

وانتقل محفوظ من الفرح إلى الإيجابية، مؤكدا "إن حضارة القيامة هي حضارة الإيجابية. وكم نحن بحاجة إلى الإيجابية، خاصة في مشرقنا، وبالأخص في لبناننا. الإيجابية لا تعني عدم القراءة الصحيحة للواقع الذي نعيشه. فالعكس هو الصحيح. فحضارة القيامة هي بنت حضارة الصليب، أي إن المصلوب هو القائم من بين الأموات. فالآلام التي نمر بها في الحياة، بإمكاننا أن نجعلها سبيلا إلى القيامة. وهذا بالذات ما تساعدنا الإيجابية على تحقيقه.فالإيجابية هي قراءة جيدة للواقع، مع طرح السؤال على الذات: "ماذا علينا أن نعمل" ليصبح واقعنا افضل، ليصبح واقعنا ممهورا أكثر بحضارة القيامة. الإيجابية هي عدم النعي والتباكي والتشكي والتململ الدائم، بل معرفة ما لدينا وما هي معطياتنا للسير الدائم إلى الأمام، بكل محبة، وبكل فرح. هذا هو منطق الإدارة السليمة من جهة، وهذا هو منطق الإيمان السليم، من جهة أخرى. هكذا فلنكن في لبناننا إيجابيين، ولننطلق دوما إلى الأمام، عالمين أن القلق الذي قد يضربنا، إنما يلبس في باقي المجتمعات حلة أخرى، ولو بطريقة مختلفة. فالسعادة لا تأتي فقط من بنى خارجية، بل من حضارة داخلية يعيشها الإنسان، وفي حالتنا، نحن المسيحيين، اسم هذه الحضارة هي حضارة القيامة والمحبة والفرح والايجابية. علينا، في خضم مشاكلنا، أن نحب كل انسان وننظر اليه بايجابية، بدون التمييز بين رجل وامرأة، بين لون أو عرق أو دين أو انتماء، وعلينا أن نتساعد في بناء المجتمعات والأوطان، حيثما حللنا. فحبذا لو اعتمدنا لغة الإيجابية لغة تخاطب يومية في لبنان وفي العالم كله. هكذا نبني عالما أفضل وهكذا نكون ابناء حضارة القيامة".

ولفت إلى أن "المحبة والفرح والإيجابية، تؤدي جميعها إلى حياة أكثر وأوفر وافضل، لكل منا، وللجميع. هو منطق النمو المتزامن للأنا وللنحن، الذي يؤدي إلى حياة الأنا والنحن في آن معا. يحق لكل منا أن ينمو ويحقق ذاته في الحياة، ولكن ذلك لا يحصل الا بالانتباه إلى الآخر، بمحبته، وبالفرح لنموه. فلنسمع مجددا قداسة البابا فرنسيس في الارشاد الرسولي عينه، يقول: "الخطر الكبير الذي يضرب عالم اليوم ... هو الحزن الفرداني المتأتي عن قلب مسترخ وجشع، وعن التفتيش المريض عن لذات سطحية، وعن الضمير المنعزل. عندما تنغلق الحياة الداخلية في مصالحها الخاصة، لا يعود هناك مكان للآخرين، ولا يكون هناك مجال للفقراء، ولا يعود يسمع صوت الله، ولا يعود بالامكان تذوق فرح حبه، ولا تعود حماسة صنع الخير متوقدة فينا" (انتهى كلام قداسته) (عدد 2). فعندما نكون فرحين، محبين وإيجابيين، نضخ حياة أكثر فأكثر في هذه الدنيا، والحياة هي من بذور القيامة. حضارة القيامة هي حضارة الحياة. فالمسيحي الحقيقي هو الذي يضخ حياة في حياته وفي حياة كل من تطالهم حياته".

وشدد على أن "كل ذلك ممكن، إذا ما نحن جددنا اللقاء بيسوع، بشكل دائم. جميل أن نتأمل في انجيل اليوم، الذي فيه طلب يسوع القائم من بين الأموات أن يذهب التلاميذ إلى الجليل ليلاقوه، أي إلى نقطة اللقاء الأول معه. هناك دعاهم لأول مرة، وها هو، بعد القيامة، يسألهم أن يعودوا فيلاقوه من جديد، ويجددوا المسيرة معه. حضارة القيامة، هي اذا تجديد المسيرة مع الرب، هي تذكر اللقاء الأول معه، يوم أحسسنا بنظرته المحبة والرحومة المنسكبة علينا. وليس هذا التذكر عاطفيا، حنينيا يرجع الإنسان إلى الوراء، بل هو تذكر يحمل الماضي الجميل إلى لحظة الحاضر، هذا الحاضر المثقل بكل اختبارات الحياة. مهما تكن النقطة الوجودية التي نقف عليها في هذه اللحظات، فلننطلق منها مجددا مع يسوع، الرب القائم من الأموات. فلنتذكر، مهما كانت قصتنا، أن قصة التلاميذ لم تكن أفضل منا، يوم طلب منهم أن يلاقوه مجددا. فهم كانوا قد تركوه وحيدا وكانوا قد أنكروه. هذه هي التوبة الحقيقية، أي المسيرة الدائمة مع الرب، مهما كانت نقطة انطلاقتنا الحالية".

وخلص محفوظ إلى أن "حضارة القيامة، هي حضارة مسيرة متجددة ودائمة مع يسوع، حضارة توبة، بكل محبة وبكل فرح وبكل إيجابية وبكل حياة. والجميل في قصة حضارة القيامة هي انها المنتصرة، لأن الرب القائم من الموت، هو سيد التاريخ، ومعه فقط الانتصار. فلنفهم أن حياتنا صغيرة، كل الصغر، مهما طالت سنوها، وهي هشة، كل الهشاشة، ولكنها مهمة كل الأهمية، لأنها حياة أمام الله ووفق ارادته. ولنفهم أن الله فوقنا جميعا ومعنا جميعا، وأنه سيد التاريخ، ومعه المحبة والانتصار إلى ما لا نهاية، بدءا من هذه الدنيا. لذا نستطيع أن نجدد هتافنا، بكل فرح، بفرح الإنجيل: "المسيح قام حقا قام".  

  • شارك الخبر