hit counter script
شريط الأحداث

أخبار اقتصادية ومالية

تراجع قطاع إنتاج الحليب يؤثر في صحة العكاري وماليته

الأحد ١٥ نيسان ٢٠١٤ - 13:27

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا يزال واقع الثروة الحيوانية في عكار، يترنح تحت وطأة الأعباء الكبيرة المتمثلة بارتفاع تكلفة التربية والاعلاف والأمراض المختلفة التي تظهر بين الحين والآخر، في ظل غياب الاهتمام والخطوات التي تدفع به الى الأمام، وتجعله عامل نهوض واستنهاض للمزارع يخرجه من فقره ويزيد من فعالية الاقتصاد العكاري واللبناني ويؤمن مدخولاً جيداً لمئات العائلات التي بدأت بالتخلي عنه تحت وطأة التقلبات التي يعيشها الاقتصاد الزراعي وقطاع الثروة الحيوانية في لبنان، فقرر عدد من المربين بيع الابقار الحلوبة الى الذبح، والتوقف نهائياً عن تربية الابقار نظراً للاعباء المالية والجهد المترتب على هذا العمل والربح القليل الذي لا يتناسب معه، بحيث وحسب عمليات حسابية بسيطة يتضح ان الخسارة لا مناص منها، وبسبب أن التصريف أمر بالغ الصعوبة في ظل الارتفاع الجنوني لتكلفة التربية والعناية والرعاية الصحية والبيطرية.

هكذا، فإن سعر الرطل الواحد من الحليب الذي يباع في المفرّق بات يتجاوز ستة آلاف ليرة، وهو سعر شبه مقبول قياساً مع واقع الحال وقدرة المستهلكين، ولكن سوق الحليب كغيرها من الأسواق تخضع لمبدأي العرض والطلب لتبدو الأسعار موقتة ومتقلبة ومرهونة بعوامل وظروف محلية وخارجية ومنها التهريب.

ارتفاع في تكاليف إنتاج الرطل الواحد

أما السبب الرئيس فيكمن وفق حسين صالح وهو مربي وموزع حليب منذ أربعين عاماً، في أن تكاليف الحصول على رطل حليب واحد بات يناهز خمسة آلاف ليرة، بحيث ان البقرة تحتاج الى ما يعادل ثلاثة آلآف ليرة كتكلفة لاعطاء رطل واحد من الحليب، كما أن المنتج لا يقوم في العادة بمهمة التصريف، بل في الغالب تقع على عاتق موزع الذي يحتاج أيضاً الى سيارة مجهزة للنقل ومستوعبات عالية الجودة.

ويضيف: السؤال المطروح اليوم «ماذا سيبقى للمنتج في ظل ارتفاع أسعار المحروقات؟»، كما ان الحليب يحتاج إلى عناية فائقة وتصريف سريع ولا يحتمل التخزين والتعبئة والنقل الطويل أي على مسافات طويلة، وبالتالي يضيف صالح ان هذا العمل بات خاسراً بكل المقاييس، ورفع التسعيرة على الرطل ستضيف أعباء مالية على المستهلك في ظل انعدام المؤسسات التصنيعية الكبرى التي تستوعب كميات الحليب المنتجة في عكار وبالتالي فسيزيد الفائض الذي لن نجد له اسواقا.

صالح أكد أن المربي الصغير لا يستفيد من المشاريع الطموحة التي اعلن عنها في السنوات الماضية من قبل وزارة الزراعة، وكذا من التخفيضات والدعم على الاعلاف ومشتقاتها وادوات الإنتاج، التي في الغالب تحتاج الى صيانة ومتابعة وتحديدا الحلابات التي وزعت هنا وهناك، وبالتالي بات المربي يفضل استخراج الحليب يدويا كما كانت تتم الامور منذ عشرات السنين وتم توارثها من جيل الى جيل. فالكثير من المربين لا يتقنون الاستعمال الجيد والصحيح للحلابات، بسبب غياب الارشادات المختلفة كما ان الأمراض الكثيرة باتت مكلفة بحيث بات التخلي عن المهنة أمراً عملياً فالخسائر كبيرة والنتيجة غير مجدية ولا تطعم فاها.

ويؤكد صالح أن النزف الذي يعاني منه هذا القطاع يحتاج الى معالجات تدخلية من خلال التغلب على المعوقات التي تعترض رفع إنتاجيتها كتوفير مواد العلف باسعار مدعومة والرعاية البيطرية، وان تولي وزارة الزراعة اهتماماً خاصاً لهذه الثروة من حيث حماية القطيع والنسل البلدي تحديدا من الاصابات بالامراض السارية وذلك عبر تأمين اللقاح اللازم وايصاله بالطرق الفنية الى المربي واجراء عملية التلقيح من قبل فنيين واخصائيين ضد الأمراض السارية مثل الطاعون البقري، الحمى القلاعية، الجمرة العرضية الجمرة الخبيثة، هذه اللقاحات يجب أن توزع مجاناً وضمن حملات منظمة، إذ لا يوجد مركز تلقيح واحد تشرف عليه الوزارة.

القطاع الى تقلص

في أرقام شبه تقريبية فإن إنتاج عكار من الحليب يقدر بنحو ثلاثين الى خمسة وثلاثين طناً، إلا ان الطريقة الحالية للتسويق بدائية إذ يتم التسويق إما مباشرة الى بائعي المفرق أو عن طريق سماسرة أو متعهدين يقومون بتجميع الحليب من المربين في القرى الى مراكز البيع مما يجعل المربي عرضة لمزاجية المتعهد في وضع الأسعار التي تناسبه.

يؤكد شفيق ياغي مربي وموزع حليب «أن القطاع يواجه مشاكل كثيرة تركت تأثيرها الكبير علينا، فاضافة الى الارتفاع الجنوني في العلاجات والارشادات البيطرية واسعار الاعلاف هناك العوامل الطبيعية والمناخية المتمثلة بانحسار المساحات الخضراء للرعي وقلة المراعي وعدم الاهتمام بزراعة الاعلاف الخضراء، بسبب المساحات الصغيرة إذ يهمل المربي بناء الحظيرة التي تتوفر فيها الشروط المثالية للتربية وبعض المربين يهملون اخراج حيواناتهم الى الهواء الطلق، وهذا له أثر سلبي على نمو الحيوانات وإنتاجها ومعدل الخصوبة.

المشكلة الثانية وبسبب قلة الأمطار والشح الحاصل، تتمثل بتحول كل المربين الى الاعتماد بشكل أساسي على الاعلاف الجاهزة المصنعة في معامل خاصة غير آخذين بالاعتبار أن الانتقال من علف الى آخر يجب أن يكون تدريجياً وخلال مدة لا تقل عن اسبوع وليس بشكل مفاجئ فالانتقال المفاجئ يؤدي الى اضطرابات هضمية وبالتالي ينعكس سلباً على الإنتاج، هذا عدا ارتفاع تكلفة الإنتاج مقارنة مع اسعار التسويق، وكذلك تذبذب اسعار الحليب وسيطرة الوسطاء حسب موسم الإنتاج«.

في الحقيقة يؤكد أحمد درويش من قبعيت أن الحليب طبعاً لا يمكن تصريفه بالكامل فيتحول « لبن، لبنة، اجبان مختلفة«، اضافة الى مشتقات اخرى مثل القريشة والزبدة وغيره.

وفي عكار هناك ندرة في المعامل والورش المحلية لتضنيع هذه المنتجات، وبالتالي فالمنتج يتطلع الى الشركات الكبرى والمصانع التي تضع المنتج والمربي تحت حد السكين وتجبره على بيع ما لديه بأسعار تقل كثيراً عن تكلفة الإنتاج فيظل مرهوناً لمزاجيته وهنا تكمن المشكلة الحقيقية.

يجمع الكثير ممن يمارسون هذه المهنة أن المربي والمزارع يتكبد المشقة وسوء الحال مقابل تواضع في أسعار بيع الحليب وارتفاع في تكلفة الإنتاج وخاصة الأعلاف وهي صعوبات لا تخدم السوق من حيث أسعار الحليب ومشتقاته.

أضف الى ذلك فإن هناك صعوبات عدة لا تتوقف عند نقص المراعي وصعوبات نقل المنتوج وخاصة الحليب بل تتجاوز ذلك لواقع السرقة والتهريب الذي يطال الأبقار والأغنام، الذي بدأ ينتشر بشكل ملحوظ وهوما يتطلب خطة أمنية خاصة، لحماية الناس ووقف أعمال السرقة والتصدي للصوص المواشي الذين صاروا لا يخشون الظلام، وتفعيل مراقبة الحدود للحد من تهريب المواشي والحليب والمشتقات بطرق مشروعة وغير مشروعة.

يبقى السؤال الأساسي في أن تراجع إنتاج الحليب البقري والطبيعي سيكون له حتماً آثاراً سلبية ومضاعفات صحية على أهالي المنطقة والأطفال لبنانيون كانوا أم سوريون، ما يعني انتشار أكيد لأمراض تتأثر بقلة المناعة الناتجة عن استعمال الحليب كمادة أساسية لصحة الطفل والأم وتداعيات ذلك على ميزانية الاسر الفقيرة في عكار التي ستتكبد خسائر جراء ارتفاع كلفة فاتورة الاستشفاء، فهل من التفاتة لهذا القطاع لحمايته وتطويره؟.

"المستقبل - زياد منصور"

  • شارك الخبر