hit counter script

مجتمع مدني وثقافة

بو جودة ترأس رتبة دفن المسيح: عالم اليوم كما العالم على أيام المسيح بحاجة الى تبشير جديد

الجمعة ١٥ نيسان ٢٠١٤ - 20:08

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ترأس رئيس اساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جودة رتبة دفن السيد المسيح في كاتدرائية الملاك ميخائيل في منطقة الزاهرية في طرابلس، عاونه فيها خادم الرعية المونسنيور بولس القطريب ولفيف من الكهنة.

بعد الانجيل المقدس القى بو جوده عظة قال فيها: "يتوافد المسيحيون الى الكنائس اليوم بأعداد كبيرة ليشاركوا في رتبة دفن المسيح. يندبونه ويبكون عليه ويتوقفون عند هذا الواجب الإجتماعي فيضعونه في القبر ويدحرجون حجرا كبيرا على باب القبر ويعودون الى ممارسة حياتهم العادية وكأن كل شيء قد إنتهى بالنسبة إليهم بالفشل الذريع. فذلك الذي وضعوا فيه ثقتهم قد خذلهم وإستسلم لرؤساء الكهنة الذين قدموه للمحاكمة فأعدم على يد الرومان وإعتبروا أنهم أزاحوه من طريقهم لأنه كان يزعجهم بتعاليمه وإنتقاداته لهم وبمواقفه المتناقضة مع مواقفهم وتعاليمهم".

اضاف: "حتى الرسل والتلاميذ الذين كان قد حضرهم مرات عديدة لهذا الحدث وقال لهم إن إبن الإنسان (أي هو) سوف يسلم للأعداء ويموت على الصليب قد وصلوا هم أيضا الى درجة كبيرة من الإحباط واليأس. فالتلميذان اللذان كانا في الطريق الى عماوس، لم يعرفاه عندما إلتحق بهم في الطريق وسألهم عما كانوا يتكلمون فقالا له: أأنت وحدك غريب عن أورشليم، ولا تعلم ما حصل فيها هذه الأيام الأخيرة، واخبروه بما حصل وقالوا له: إننا كنا قد وضعنا ثقتنا فيه وقد خذلنا. أما بطرس فقال لسائر الرسل أنا ذاهب الى الصيد فقالوا له ونحن ذاهبون معك، أي إنهم عادوا الى حياتهم العادية بعد مرحلة عابرة من ثلاث سنوات، إعتقدوا أنهم وصلوا فيها الى إحتلال بعض المراكز المرموقة، وسوف يتمكنون من طرد المستعمر الروماني من بلادهم. ولذلك سوف يسألونه لحظات قبل صعوده الى السماء: يا رب أفي هذا الزمان تعيد الملك الى إسرائيل"؟

وقال: "موقف الإحباط واليأس الذي وصل إليه الرسل يوم الجمعة العظيمة لن يتغير ويتبدل إلا بعد حلول الروح القدس عليهم في اليوم الخمسين، يوم العنصرة، فيفهمون معنى حدث الآلام والموت ويفهمون معنى القيامة وأن حياة المسيح، معلمهم، لم تنته بالمرحلة الرابعة عشرة، بل هناك مرحلة أخيرة أهم، هي قيامته من بين الأموات، وإنتصاره على الموت، عربونا عن قيامتهم وقيامة البشرية بأسرها وإنتصارها هي أيضا على الموت والخطيئة".

تابع: "كلمة الصليب، سوف يقول بولس الرسول في ما بعد هي جهالة عند الهالكين، أما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله. فالمسيح جعل من الصليب الذي كان يعتبر علامة للذل والهوان، والذي كان ملعونا من يعلق عليه، يبصق عليه الشعب، علامة للمجد والإنتصار. وهو الذي كان عدوا لدودا للمسيح تزعم العصابة التي قتلت أول شهيد مسيحي، الشماس إستفانوس، أصبح مبشرا بإسمه حتى أقاصي الأرض وأصبح يقول: حياتي هي المسيح وإني أعد كل شيء كالهباء والهشيم لكي أربح المسيح. بولس الرسول، مثله مثل غيره من الرسل حملوا البشرى السارة بالخلاص الى أقاصي الأرض في عالم كان يعيش في الألم واليأس والضياع".

تابع: "بشرى الخلاص التي لا تقتصر نتائجها على هذه الأرض، لأن الإنسان سوف يبقى يتعذب ويتألم على هذه الأرض ولذلك سوف يقول في رسالته الأولى الى الكورنثيين: "إذا كان رجاؤنا بالمسيح مقتصرا على هذه الأرض فنحن أشقى الناس أجمعين. لكن لا، فإننا نؤمن بالمسيح قائما من الموت، عربونا عن قيامتنا لأنه هو بكر الراقدين وبكر القائمين. إننا أيها الإخوة عندما نتوافد الى الكنيسة اليوم بأعداد كبيرة لنقوم فقط بواجب التعزية، فنندب المسيح ونبكي عليه ونلعن الذين قتلوه ونشتمهم، نكون شبيهين بالرسل والتلاميذ قبل العنصرة، نضعه في القبر ونعود الى روتينية حياتنا اليومية وكأن شيئا لم يكن وننسى أن نأتي إليه بعد قيامته من بين الأموات لنسمعه يقول لنا: لماذا أنتم خائفون يائسون يا قليلي الإيمان، إذهبوا في الأرض كلها وأعلنوا بشارتي وإنجيلي الى الخلق أجمعين".

أضاف: "عالم اليوم كما العالم على أيام المسيح بحاجة الى تبشير جديد وتبشير ممن جديد لأنه ما زال يعيش رافضا الله والمسيح، وكأن المسيح لم يمت من أجله ولم يقم من بين الأموات. إنه عالم أغلق قلبه على المسيح ولم يقبل أن يتغير ويتبدل ويتوب، كما دعاه المسيح الى ذلك من بداية حياته العلنية. لقد تصلب في مواقفه وهو غالبا ما يتصلب أكثر كل يوم، إذ بفضل تقدمه وتطوره في العلم والثقافة والتقنية والإكتشافات والإختراعات التي وصل إليها إعتقد أنه بإمكانه أن يستغني عن الله وأن يصبح إلها لذاته. وهي التجربة التي وقع فيها من أيام آدم وحواء ومن أيام برج بابل. إنه يستسلم لإرادة الشيطان الذي يقول له أنه موتا لن يموت إذا خالف إرادة الرب وأكل من شجرة معرفة الخير والشر، بل على العكس "إنكم ستصيرون آلهة".

وقال: "وإن ما نراه اليوم في عالمنا المعاصر لأكبر دليل على ذلك، فبلدان وأمم وشعوب كثيرة أصبحت تعيش وكأن الله ليس موجودا. بلدان كثيرة كانت ذات حضارة مسيحية عادت الى الوثنية وأصبحت تسن القوانين والشرائع دون أن تأخذ بعين الإعتبار المبادىء والقيم الأخلاقية الإنسانية والمسيحية، فشرعت الشواذ بما يتنافى مع الطبيعة البشرية، وجعلت من الإنسان سلعة للإختبار والمتاجرة ورفضت الله وأصبحت تعيش وكأنه ليس موجودا، وإذا كان موجودا فعليها، كما دعاها الى ذلك أحد الفلاسفة المعاصرين أن تقتله لتحقق ذاتها أو كما دعاها الى ذلك فيلسوف آخر إذ قال، محورا الصلاة الربية فقال: "أبانا الذي في السموات، إبق حيث أنت. بلدان أخرى كثيرة وكبيرة وعدد السكان فيها يبلغ المليارات لم تسمع بالمسيح بعد وبينما كان عدد المسيحيين في العالم في مطلع القرن العشرين يناهز الأربعين بالمئة من مجمل سكان الأرض، إذا به اليوم لا يتعدى العشرين بالمئة وهنا يرد على أذهاننا كلام بولس الرسول الذي يقول كيف يؤمنون إن لم يبشروا؟"

وأردف بو جودة: "لذلك أصبح عالمنا ومجتمعنا المعاصر بحاجة الى ما سماه البابا القديس يوحنا بولس الثاني التبشيري الجديد الذي له وجهان أساسيان: 1- التبشير من جديد بعالم ومجتمع وبلدان وجماعات كانت مسيحية وإبتعدت عن المسيح فإستسلمت الى إغراءات متعددة على جميع الأصعدة كالإنحلال والإنحطاط الأخلاقي، وإتباع البدع والشيع المتعددة التي تحاول أن تملأ الفراغ الذي يعيشه الكثيرون من أبناء المجتمع المعاصر، فيستسلمون الى المعالجة الإصطناعية وإلى الإباحية الجنسية وتعاطي المخدرات والكحول معتقدين بأنها تحل لهم مشاكلهم بينما هم في الواقع وكأنهم يلحسون المبرد، يبقون على جوعهم وعطشهم لأنهم كما يقول النبي، يحتفرون لأنفسهم آبارا مشققة لا تمسك ماء وينسون الرب ينبوع الماء الحي".

تابع: "وثانيا هو التبشير الجديد للعالم والجماعات والمجموعات التي لم تسمع بالمسيح بعد، وذلك بعد إلتزام المؤمنين بقيمهم وإخلاقياتهم المسيحية فيذهبون إذ ذاك حتى أقاصي الأرض ليحملوا البشرى السارة الى الجميع. مسؤولية التبشير الجديد لا تقوم على بعض الأفراد أو المجموعات الصغيرة، إنها مسؤولية ملقاة علينا جميعا نحن المسيحيين الذي يقول لنا البابا يوحنا بولس الثاني أن إيماننا يتقوى عندما نعطيه".

وختم: "بإحتفالنا اليوم بموت المسيح فلنحاول أن لا نتوقف عند ظاهرة الفشل الخارجي فلا نكتفي من إحتفالنا بالقيام بواجب إجتماعي، بل فلندخل الى المعنى العميق لهذا الحدث ونعلن مع بولس الرسول ومع الرسل الآخرين أن المسيح لم يبق رهينة القبر بل قام من بين الأموات، حقا قام، وليكن عندنا جرأة الرسل وشجاعتهم بعد العنصرة فنقول إنه قام من بين الأموات ونحن شهود على ذلك ولا يمكننا إلا أن نقول ما رأينا وما سمعنا وما عشناه".

وبعد ذلك أنزل المصلوب عن الصليب ووضع في نعش مزين بالورود، شارك في حمله بو جودة والقطريب وأقيم تشييع داخل الكنيسة ليوضع بعد ذلك النعش في قبر أعد عند مذبح الكنيسة".
 

  • شارك الخبر