hit counter script

- جهاد الملاح

عشيرة آل لبنان

الجمعة ١٥ آب ٢٠١٢ - 07:44

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تسارعت الأحداث في لبنان، على وقع تـآكل هيبة الدولة، وعودة شريعة حمورابي على مرأى من القرن الواحد العشرين، فيما وقف بعض الإعلام بين الدولة والمواطن، ليشاغب داخل خطوط التنافس، وخلف حدود المسؤولية الوطنية في كثير من الأحيان.
وقد أثارت التطورات المعززة إعلامياً الحماس والغيرة بين العشائر والعائلات والسرايات، ومن طريق المطار إلى مجدل عنجر، حتى تهافت الكلّ لإثبات الذات على الشاشات المباشرة، وبدا الحق مع الجميع وعلى الجميع، وأصبحت البلاد داخل معركة غريبة الأطوار ومجهولة العواقب مناطقياً وطائفياً، فتوجهت الأنظار إلى سؤال واحد: ماذا يجري وماذا سيحصل؟
سؤال صعب يعاني الفريقان السياسيان اللبنانيان من تعقيداته، إذ يبدو أنهم غير قادرين على بلورة صورة واضحة عما يجري، إلى درجة أن بعض أفرقاء "14 آذار" أبدى تضايقه من تصرفات "الجيش السوري الحرّ" بينما تساءل بعض أفرقاء "8 آذار" همساً هل جاء قصف أعزاز كرسالة للحلفاء اللبنانيين الذين لم يدافعوا علناً عن ميشال سماحة؟
إلا أنه بعيداً عن التحليلات الكثيرة وعن المعارك الكبرى على المقاومة والسلاح والتوجهات السياسية، وعن حقيقة مفادها أن الأزمة السورية بدأت تتفجر فعلياً في الداخل اللبناني، يشهد لبنان معركة أساسية بين سياسيين لا يملكون ثقافة المسؤولية الحقيقية تجاه المواطن ومواطنين لا يملكون ثقافة الدولة، ما جعل الفوضى تتنّقل بين أزمة وأخرى، عصيّة على المواجهة من قبل الدولة ومبرّرة من قبل الكثيرين.
وبالطبع، إن المشكلة لا ترتبط بحكومة معيّنة، إذ إن الحكومة الحالية قد تكون أكثر جدية من الحكومة السابقة. لكنها ترتبط بقيمين على الدولة اللبنانية، لم يتعلّموا ثقافة المسؤولية، التي تفرض عليهم بذل الجهد الصادق في زمن الأزمات، كأزمة المخطوفين في سوريا. وبالتالي، لم يجد المواطنون مسؤولين يكثفون الاتصالات ويتحرّكون بين العواصم ويحرّكون المفاوضات فوق الطاولة ومن تحتها، ويؤمّنون كل ما يحفظ لهم شرف المحاولة الجدية في قضية المخطوفين.
في المقابل، تكاد تكون عبارة "لا توجد دولة" العبارة الأشهر على شفاه اللبنانيين منذ عقود، وإن زاحمتها مفردات الكهرباء وتوصيفات الرصاص وأسماء الأدوية المهدئة. وانطلاقاً من هذه العبارة، يكرّر أهالي المخطوفين جملة بسيطة لكنها ربما تلخّص كل أزمة لبنان المعاصر، وهي أن "الدولة تتجوّل ببين العواصم لترجوها إرسال السياح بينما تهمل مواطنيها المخطوفين". وهذه جملة إن صدقت، لا يمكن أن يقبل بمضمونها، أي عاقل يؤمن بفقه الدولة والمواطن والإنسان وبأدنى مستويات العقد الاجتماعي.
وعلى أي حال، لا شك بأن الدولة اللبنانية لم تبد تصرفاً مسؤولاً تجاه قضية المخطوفين المعروفي الإقامة، على الرغم من أنها تعرف جيداً أن خاصرتها الأمنية رخوة، وأن بضعة أطفال عائدين من مباراة كرة قدم، يمكنهم إقفال طريق وتعطيل البلد، كما تعي جيداً أن بعض الإعلام على استعداد لإنتاج تغطية درامية تؤجج الخصم وتحرّك المناصر.
وبين الدولة الفاشلة المتنصلة والمواطن اليتيم الذي يستدعي في كل حين شريعة الغاب، من الأجدى، قبل التركيز على الاستراتيجية الدفاعية طويلة الأمد، بتّ استراتيجية مستعجلة تحفظ الأمن والأمان الاجتماعيين، وتحاول إيجاد آليات عملية تنشئ الجسور بين النظام ككلّ والشعب بأكمله، فتوضّح على سبيل المثال لا الحصر، كيف يتحرّك المسؤولون عند أي أزمة تخصّ بعض المواطنين، وتحاسب أي تلكؤ، كذلك الذي حصل إزاء المخطوفين ومع أهاليهم الذين تمّ إهمالهم إلى درجة لم تترك مجالاً للعتب عليهم.
هي استراتيجية قد تسهم قليلاً في لملمة التناقضات الصارخة في بلد يتنقل في اليوم نفسه بين الحياة الصاخبة والموت الأسود، وبين مواطنين هم تارة عبيد وطوراً ثوار، لعلّها تستطيع تسوية العلاقة التفاعلية بين ثقافة الدولة وفقه المواطن، وتنشئ، وسط الأجنحة المتكاثرة، جناح الضمير في عشيرة آل لبنان.


 

  • شارك الخبر